ألكسندر نجار: دورنا مهم لكنه ليس الأهم

الجسرة الثقافية الالكترونية

*اسكندر حبش

تبدو عديدة حيوات الكاتب اللبناني ألكسندر نجار، التي تتوزع على أكثر من نشاط كتابي وعملي. بين المحاماة والأدب والصحافة والنشر، يجمع نجار نشاطات متنوعة لا يرغب ربما منها سوى في تقديم صورة عن بلد لا يقيم في الحرب بل يذهب عميقا في العمل الثقافي. آخر اصدارات نجار «قاموس عاشق للبنان» (منشورات بلون في فرنسا)، وانطلاقا منه، هذا الحوار الذي تطرق إلى موضوعات أخرى.

 

] لنبدأ من كتابك الأخير: «قاموس عاشق للبنان».

ـ السلسلة التي صدر فيها الكتاب، سلسلة معروفة عند منشورات «بلون» وقد أنشأها جان كلود سيموان وهو كاتب وناشر مختص بالشرق، وقد بدأ بها مع الكاتب دومينيك فرنانديز وكتابه «قاموس عاشق لإيطاليا» وقد عرف يومها نجاحا كبيرا. إزاء هذا النجاح قررت الدار أن تنشئ هذه السلسلة لتتناول موضوعات عدة لا البلدان فقط. على سبيل المثال أصدروا قبل سنتين «قاموس عاشق لبروست» وقد حاز «جائزة فمينا للبحث». في أي حال، السلسلة اليوم أصبحت من السلاسل المهمة وكتب فيها كثيرون أمثال فارغاس يوسا وبرنار بيفو وديدييه دوكوان والياس صنبر الخ.

قلت لنفسي لمَ لا يأتي دور لبنان؟ وما ساعدني في ذلك أن سيموان كما قلت يحب الشرق ويعرف لبنان، وحين عرضت عليه الفكرة كان متجاوبا معي، وبخاصة أني نشرت العديد من كتبي في هذه الدار.

الحرب

] لنوضح قليلا للقارئ مفهوم هذه السلسلة.

ـ كلمة «عاشق» هنا لأنه قاموس ذاتي، أي الذي يريد أن يكتب يستطيع أن يختار موضوعاته بكل حرية وهو غير ملزم بأي شيء. أي يمكنك مثلا أن لا تكتب عن أناس «مهمين» أو معروفين، على سبيل المثال أنا لم أتطرق أبدا إلى أي اسم سياسي، لم أكن أريد ذلك. ثانيا كلمة عاشق هنا، تنطلق من خبرة شخصية مثلما فعلت في مداخل الكتاب حيث انطلقت من ذكريات شخصية. وهذا ما حررني من العديد من القيود، إذ لا علاقة لأحد بما اخترته. في حين أنك لو كتبت قاموسا «رسميا» عليك أن لا تخطئ بأي شيء وأن لا تتناسى أحدا. اخترتُ أشخاصا وأماكن وفق أهوائي الشخصية.

] قبل أن تكمل، أين يتقاطع كتابك هذا مع كتاب آخر لك هو «مدرسة الحرب»، إذ في هذا الأخير اخترت مشاهد من الحرب وكتبتها وفق طريقتك الخاصة؟

ـ صحيح أن هناك في القاموس مدخلاً بعنوان الحرب ـ على الرغم من أني اتخذت قرارا بأن لا أتحدث في الكتاب عن السياسة لأن السياسة تفرق بينما رغبت في أن يكون الكتاب جامعا ـ لكن لا يمكنك أبدا أن تتحدث عن لبنان بدون أن تذكر الحرب، وكأن اسمه صار مرتبطا بها. أعتقد أن الصعوبة التي واجهتني هي في كيفية «دوزنة» الكتاب، لا أخفيك أني فكرت في من هو قارئي، لذلك حاولت أن أقدم أحيانا أشياء قد لا يعرفها هذا القارئ بمعنى أن القارئ الفرنكوفوني قد لا يعرف من هو مارون عبود أو الياس أبو شبكة، من هنا حين اتحدث عنهما حاولت أن أقدم صورة لتبدو كمرجع ما لمن يحب أن يبحث عن هذين الكاتبين. كذلك حين كتبت عن زحلة حاولت أن أخرج من الكتابة عن العرق والبردوني، استشرت العديد من الزحلاويين كي أقدم صورة مختلفة عما نعرفه. صحيح أن هناك بعض الأمور التي لم يكن هناك مجال من الافلات منها كأن تكتب عن فيروز أو عن فخر الدين، لكن بشكل عام حاولت أن أوازن في اختياراتي.

] ما المدة التي استغرقها العمل على هذا الكتاب؟

ـ سنتين ونصف السنة، لا تنسَ أن عملي كمحامً يستغرق ثلاثة أرباع وقتي.

] هنا السؤال الذي يطرح دائما: كيف توفق بين عملك في المحاماة وبين الكتابة الأدبية والصحافة… الخ؟

ـ بالفعل غالبا ما يطرح علي هذا السؤال، في أي حال أداوم في مكتبي لغاية المساء وبعد عودتي إلى البيت أبدأ الكتابة لغاية الثانية فجرا كذلك في عطلات الأسبوع إذ أحيانا أبقى أكتب طيلة النهار. ربما ما يساعدني أن ليس لي حياة «اجتماعية» بمعنى أنه طيلة السنة قد لا أقبل أكثر من 3 دعوات على العشاء، من هنا أستفيد من هذا الوقت الذي أعتبره «مضيعة للوقت»، إذ أكرسه للكتابة. الكتابة بالنسبة إليّ راحة، إن لم أكتب أشعر بالتعب. أما في ما يخص الصحافة، عمليا لا تتطلب مني «الأوريان ليتيرير» أكثر من يوم عمل واحد، وهذا بفضل فريق العمل الذي يقوم بجهد جبار.

«الأوريان ليتيرير»

] ما الذي دفعك إلى إعادة إصدار «الأوريان ليتيرير»؟

ـ اكتشفت أن أول عدد لـ«الأوريان ليتيرير» صدر العام 1929 وقد أصدره جورج شحادة. كان عددا يتيما، ومليئا بالشعر السوريالي. يومها لم يفهمه القراء في لبنان، إذ لا تنسَ أن الشعر الفرانكوفوني في لبنان لم يواكب التطور فمن كتبوا يومها كانوا كلاسيكيين، بينما كان شحادة سباقا. يومها كتب بعض القراء إلى إدارة تحرير الصحيفة انهم سيوقفون اشتراكهم في الصحيفة إذا استمرت بإصدار هذا الملحق. فقرر جورج نقاش أن يوقف الملحق قائلا إن مجدنا هو في اكتشاف جورج شحادة الذي لم يفهمه القراء. في أواخر الخمسينيات أعاد صلاح ستيتية إصدار الملحق اسبوعيا وكان اسمه «الأوريان الأدبي والثقافي»، وقد نجح الملحق ولعب دورا مهما في الحياة الثقافية إذ جرى فيه نقاش الكثير من القضايا.

في أي حال غالبا ما استهوتني الصحافة حتى اني كتبت كتابين عن صحافيين. في العام 2006 جاءتني فكرة لمَ لا نعيد إطلاق «الأوريان ليتيرير»، وكان عندي هدفان من ذلك: أولا أن نكتب عن أدباء لبنانيين يكتبون بالعربية والفرنسية كما أن نعرّف اللبنانيين على أدباء من فرنسا والعالم ونتحدث عن الاصدارات الجديدة. أما الهدف الثاني فهو الاشتراك في النقاش حول موضوعات تتعلق بنا وبمنطقتنا من دون أن نقع في الفخ السياسي المباشر. أما الأهم بالنسبة إليّ فهو أننا نجحنا في تثبيت صفحة دائمة حول الشعر.

] لماذا بشكل شهري؟

ـ بسبب الماديات.

] من يدعم هذا الملحق ماديا؟

ـ الإعلانات. وهناك مؤسسة أنشأتها منذ فترة طويلة تدعمه أحيانا إن لم تكفِ الإعلانات. اللافت في الموضوع أن الملحق بالرغم من أنه ذو نوعية جيدة إلا أن الميزانية صغيرة بحدود 3000 دولار وهذا لا شيء مقارنة بالملاحق التي تصدرها مثلا صحف «لوموند» و«لوفيغارو» و«ليبيراسيون».. تغطي الإعلانات ثلاثة أرباع التكلفة وأنا أغطي الربع الباقي.

] و«شرق الكتاب»، دار النشر؟

ـ بعد أن أصدرنا الملحق جاءتنا الكثير من الطلبات لنشر الكتب، ورأينا أنه من الصعب على بعض الكتّاب أن ينشروا في الخارج؛ من هنا بدأت الفكرة بإقامة دار نشر مشتركة بين «لوريان دي ليفر» وبين «أكت ـ سود»، أسسنا هذه الدار، وبعد هذه السنوات القــليلة أعتقد أن لدينا «كاتالوغ» محترما. الكتاب الذي لا يمكن لنا أن ننشره بالاشتراك مع «أكــت سود» نقوم نحن بنــشره. في أي حال، سنبدأ قريبا بنشر مشترك مع دور أخرى إذ هناك ضغط كبير على «أكت سود»، ولا يمكنها نشر كل شيء.

ومعرض الكتاب الفرانكوفوني؟ بصراحة في السنوات الأخيرة هناك حضور كبير لـ«الأوريان ليتيرير» و«لوريان دي ليفر»، إذ تنظمان العديد من الندوات، وتدعوان الكثير من الكتاب.

] يقال إنه لولا ألكسندر نجار لما استمر المعرض؟

ـ بصراحة، في فترة من الفترات، كاد المعرض يتوقف، ورأينا أن الميزانية قد انخفضت، بيد أن نقابة مستوردي الكتب رغبت في الاستمرار بهذا المعرض الذي أصبح حدثا ثقافيا، شئنا أم أبينا، من هنا عرضنا على المشرفين عليه أن نساعد وأن نستقدم بعض المدعوين وأن نتكفل بالدعوة. مثلا إذا قالوا إنهم يستطيعون استقدام 10 كتاب فقط يمكن لنا أن نساعد في استقدام كتب أُخرى، نظرا لعلاقاتي مع دور النشر في فرنسا وعلاقاتي مع الكتّاب. في النتيجة نحن نساعد بعضنا البعض. إننا جزء ضئيل. هناك العديد ممن يرعون المعرض مثل بعض المصارف وغيرها. أظن أنه من المبالغ فيه كثيرا أن يتحدثوا عن دورنـا الكبير. دورنا مهم لكنه ليس الأهم. هنـاك نقابة مستوردي الكتب والمكتبات. المعهد الفـرنسي وبالتعاون مع «كي اورساي» يدعو الجزء الأكبر من الكتّاب، وهناك بعض البلدان مـثل سويسـرا وبلجيكا وكندا وغيرها يمكن أن تدعو كتّابها. الأمـر الوحـيد الذي آسف عليـه انه لماذا لا تدعو سفـارات البلدان المغـاربية كـتّابها للاشـتراك في هـذا المعرض. أعتقد أن هذه البلدان يمكن لها أن تلعب دورا مهما في هذا المعرض.

ــــــــــــــــــــــــــــ

السفير

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى