«أنت حر طالما تضر» شعار شبان مصريين سقطوا سهواً

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

أمينة خيري

 

مرق سائق الـ «توك توك» الشاب مستغلاً خفته في التسلل بين السيارات، ومعتمداً على سطوته بين الأمناء (أمناء الشرطة) في ترهيب من حوله، واثقاً بأن ما يقترفه من مخالفات أو ما يقوم به من انتهاكات سيمر مرور الكرام حيث أجواء التحلل من التراخيص وغيبوبة المحاسبة. لكن ما زاد وفاض، وكانت قشة قصمت ظهر المحيطين من المتضررين ممن أخرستهم البلطجة وشلت حركتهم العشوائية هي جملة مقتضبة زينت خلفية الـ «توك توك».

«أنت حر طالما تضر»! هكذا يعتقد السائق الشاب الذي يملك ربع الـ «توك توك»، فقد شاءت الأقدار أن يجد نفسه محتجزاً بين سيارتين شبه متلاصقتين ما أتاح فرصة احتجازه في الأزمة المرورية، ومن ثم سؤاله عن سر المقولة القديمة في ثوبها الـ «توك توكي» الجديد.

«جميلة جداً الجملة. أنت مؤلفها؟»، «لا والله. هذا مثل شعبي». وماذا يعني؟» «يعني طالما أفعالك تضر آخرين وتضايقهم فأنت على صواب لأن الصح دائماً يغضب الناس»! «وما دور الحرية هنا؟» «المقصود هو طالما أنت على صواب فأنت حر في ما تفعل»!

ومثلما فعل السائق الشاب في اختيار عبارة أعجبته ولم يسمع عن نسختها القديمة حيث «أنت حر ما لم تضر»، تفعل الغالبية العظمى من فئة متنامية العدد من الشباب والمراهقين ممن اختاروا –أو بالأحرى لم يجدوا سوى- مهنة قيادة سيارات الأجرة بأنواعها، بدءاً بالميكروباص، مروراً بالسيارة نفسها، وانتهاء بالـ «توك توك». الغالبية تعبر عن نفسها وتعكس غضبها أو ضياعها عبر كلمتين أو ثلاثة أو أكثر تتم كتابتها على خلفية السيارة.

فبين سائق يرى نفسه «أنا الناظر والباقي مناظر»، وزميله المهدد «إللي خايف يروح»، وثالث محذر «الكبير كبير حتى لو الوضع خطير»، يبث سائقو الأجرة من الشباب رسائل لمن حولهم يدور أغلبها في إطار التهديد والوعيد. التهديد قائم على أساس معرفة يقينية بأن الجميع –باستثناء أقرانهم- يخشون قيادتهم الهوجاء، ووعيد ينبع من شعورهم بأنهم فوق القانون العصي على التنفيذ. لكن تظل الحقيقة العارية هي أن لأولئك اليد العليا في الشارع المصري.

الشارع الذي يحفل بقطاع عريض من الشباب والمراهقين من سائقي سيارات الأجرة بأنواعها يعتبرهم صداعاً في الرؤوس أو مرضاً ينبغي أن تتدخل الدولة للتخلص منه، باعتبارهم فئة ضالة من دون التفكير أنهم وقعوا ضحية غياب الدولة على مدى عقود واستفحال العشوائية والفوضى الأخلاقية والصحية والتعليمية والسكنية والتربوية والاجتماعية طوال سنوات.

وتظل النظرة الوحيدة المغايرة لذلك القطاع العريض جداً من الشباب والمراهقين هي تلك التي تعتبرهم مواطنين وبشراً قبل أن يكونوا صداعاً أو طاعوناً أو حالة شاذة، في مقابل أولئك المرفهين الجالسين في المقاهي ويسددون فواتيرهم من مصروف «بابي» و «مامي».

والمشكلة أن ما يظهر على شاشات التلفزيون من قضايا شبابية لا يخرج عن إطار شباب الثورة الباحث لنفسه عن دور سياسي على الساحة أو المحبط تماماً من السياسة، وشباب الأحزاب الحالم بمقعد برلماني في انتخابات وشيكة، وصغار المخترعين، وعتاولة الرياضيين، أو الدعاة الجدد من الشباب حيث محاولات عتيدة لاستنساخ صور مكررة من «الأستاذ عمرو خالد». أما بالنسبة الى مشاكل الشابات فتحصر أمورهن بقضايا الزواج والمهر والبحث عن شقة الزوجية. أما الآخرون كلهم، والذين يشكلون الأكثرية، فهم غائبون عن الشاشات والتناول الإعلامي الجاد.

عمرو (سائق توك توك) يقول: « نحن حاضرون وبقوة. الفقرات التي تتعرض لجرائم سرقة وحوادث النشل وزنا المحارم والبلطجة نحن أبطالها. والنتيجة هي أن من حولنا في الشارع يعتبروننا إما حرامية أو مغتصبين أو بلطجية». وعلى رغم إن القطاع الأكبر من الجرائم والحوادث يرتكبه أولئك، إلا أن البقية باتت مصنفة تحت بند البلطجية، ويتم التعامل معها على هذا الأساس.

الأسس والضوابط الخاصة بقيادة السيارات ومواقف الانتظار وأماكن تحميل والركاب غائبة بشكل شبه كلي من الشوارع، باستثناء صحوات قليلة مفاجئة تباغت جهاز الشرطة حيث تطبيق للقانون لمدة ساعة أو ساعتين في صورة حملات ضارية، ثم تعود الأجهزة إلى غيبوبتها. تضاف إلى ذلك عوامل المناطق العشوائية التي خرجت منها الغالبية المطلقة من أولئك الشباب والمراهقين، حيث غياب شبه كامل لخدمات البنية الأساسية، وما بالك بعوامل التربية والتنشئة والتعليم والرياضة وغيرها!

والنتيجة خروج أجيال من أشباه المتعلمين أشباه الساكنين أشباه أحياء، تبحث عن لقمة العيش بالطريقة التي لا تعرف غيرها، حيث «البقاء للأقوى»، والقانون مكبل للحركة ومعرقل لأكل العيش، وأبناء الطبقات غير العشوائية –بمن في ذلك البسطاء والفقراء لكن يقطنون أماكن غير عشوائية- هم أعداء ومنافسون لهم على الطريق، وما من سبيل للحياة سوى فرض السطوة وبسط السيطرة ولو بترهيب الآخرين من مبدأ إما قاتل أو مقتول.

هؤلاء «القتلة» أو «المقتولون» من الشباب المصري الذي يعيش على هامش الحياة وفي الوقت ذاته في قلبها وصميمها يعتبرون أنفسهم في عالم والآخرون في عالم آخر تماماً. يقول أحمد (سائق سيارة ربع نقل مرخصة ملاكي لكنها أجرة): «ألسنا بشراً؟! لدينا مشكلات عاطفية، وأزمات نفسية، ونقلق على أسرنا، ونحلم بعيشة نظيفة لكن لو تركنا أنفسنا لهذه النوعية من المشكلات سيأكلنا الآخرون».

لكن الآخرين قلما يفكرون في الجوانب الإنسانية لأبناء تلك الطبقات وإن كانوا على احتكاك شبه يومي بهم. وتشير إحصائية صادرة في عام 2009 (وهي الأحدث) عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء – أن 85 في المئة من المصريين يعتمدون على «الميكروباص» و60 في المئة على سيارات الأجرة، و56 في المئة على الـ «توك توك».

 

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى