أنجيلا جورجيو في «مهرجانات بعلبك».. الأوبرا «فن شعبي»

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-
هي المرة الثانية التي تشارك فيها السوبرانو الرومانية الأصل أنجيلا جورجيو في مهرجانات بعلبك الدولية. حفل هذا العام يقام غداً الأحد 3 آب الحالي في كازينو لبنان، بدلا من معبد باخوس مثلما كان مقررا. ووفق الأقاويل التي راجت، أن الفنانة لم تكن تعارض أبدا أن تغني في مدينة الشمس، بل هي التي كانت تلح بشدة أن تقف بين أعمدة القلعة التاريخية. لكن سفارة بلادها هي التي لم تسمح لها بذلك، بسبب «الحالة الأمنية» في لبنان. في أي حال، وبعيدا عن هذا السبب، تعود جورجيو إلى لبنان لتقدم حفلا ثانيا.
المرة الأولى كانت العام 2002 حين قدمت هي وزوجها روبرتو آلانيا (التينور الفرنسي ذو الأصل الصقلي) «ريبرتوارا» جميلا موزعا بين فيردي وجيوردانو وبوسيني الخ. في هذه الفترة كانت خارجة لتوها من نجاح فيلم «توسكا»، الكبير (عن أوبرا بوسيني)، الذي أخرجه بينوا جاكوب العام 2000، والذي كان السبب وراء شهرتهما الشعبية الواسعة على الرغم من أنهما عرفا النجاح الفني والنقدي منذ منتصف التسعينيات.
في تلك الليلة البعلبكية (كان العزف فيها للفرقة السيمفونية اللبنانية)، اكتشفنا جورجيو بشكل مباشر، وبعيدا عن الفيلم. جاءت الأمسية رائعة (هذا أقل ما يقال فيها على ما أذكر)، إذ عرف الثنائي كيف يأسران الجمهور الذي وقع في سحرهما المميز، وكأنهما بذلك استعادا ما رمى إليه مخرج الفيلم من حيث الخروج عن الإطار التقليدي للفيلم الأوبرالي، إذ إن جورجيو، بخاصة، لا تبدو مطلقا كفنانات السوبرانو المألوفات، اللواتي اعتدنا التعرف عليهن (كالبدانة مثلا، طريقة ارتداء الملابس…). حتى أن طريقة تعاطيها مع الجمهور، تقترب كثيرا من الحميمية لدرجة يختفي معها هذا الفاصل الذي كان يضع حاجزا أزليا ما بين المغني الأوبرالي والمستمع.. بمعنى آخر، يبدو هذا الفن «الارستقراطي» (إذا صح التعبير) كأنه تحول إلى «فن شعبي» (من دون السقوط في إسفاف التفاهة الشعبية).
هي إذاً فرصة ثانية لنعود ونستمع إلى الفنانة (هذه المرة بشكل منفرد) التي ولدت العام 1965 في رومانيا وتخرجت من أكاديمية الموسيقى في بوخارست العام 1990. وسرعان ما جعلها صوتها الرائع، كما حضورها المتفرد على المسرح، إحدى أشهر النجمات العالميات في مجال الأوبرا. حازت العديد من الجوائز العالمية، وقدمت بداية مع زوجها العديد من الأعمال، منفردين ومجتمعين.
يعتبرها النقاد اليوم، واحدة من أفضل فناني العالم في مجال الفن الأوبرالي، وهي تحظى بشعبية واسعة، وربما ما زاد في هذه الشعبية، «شبابها» المشرق وحيويتها، اللذان يضفيان هالة مميزة على حضورها فوق خشبة المسرح.
ربما يكون من المرات القليلة التي يرحب فيها المرء بأن يعود ليرى فنانا وقف سابقا في هذا المهرجان. أقصد ثمة فنانون يعودون للمشاركة ولا يكون لديهم فعلا سوى التكرار الممل. لا أظننّ أن أنجيلا جيورجيو تنتمي إلى هذه الفئة، لديها بالتأكيد ما تقدمه بالرغم من أن الفن الأوبرالي يستعيد عادة تلك اللحظات الفنية الكبيرة التي نعرفها. لكن بالطبع لكل واحد أسلوبه وطريقته التي لا تشبه إلا نفسها وهذا ما يجعل الفنان مختلفا وحاضرا.
في إحدى جمل دراما «توسكا» لبوسيني نستمع إلى التالي: «لقد عشنا من الفن، لقد عشنا من الحب». أعتقد أن هذه الجملة تنطبق تماما على الفنانة الرومانية.