أول مخرج إيراني يفوز بجائزة الأوسكار

الجسرة الثقفاية الالكترونية – وكالات – هبة كمال -بحروف من ذهب، كتب المخرج الإيراني أصغر فرهادي اسمه في سجلات الأوسكار الخالدة، بفوزه عام 2012 بأحسن فيلم أجنبي في المسابقة الرسمية، وهو أول مخرج إيراني ينال هذا التقدير من المهرجان. وسرعان ما يعود إلينا المخرج بفيلمه المثير للجدل The Past «الماضي» ونال المخرج ذو الواحد وأربعين عاما تقدير واستحسان الجميع، كما حصلت بطلة الفيلم بيرنس بيجو على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان الأوسكار، ومن المتوقع أن يحصد الفيلم العديد من الجوائز العالمية والهامة.
هذه المرة يخرج المخرج الإيراني عن حدود دولته إيران، على العكس من فيلمه السابق A Separation «الانفصال»، لتقع أحداث فيلمه في فرنسا، كما يدور الحوار بلغة أجنبية أيضا، مما جعل إيران تتردد كثيرا بشأن الفيلم، قبل أن تحسم أمرها بشكل رسمي، ليمثلها في المسابقة الرسمية لمهرجان الأوسكار. ولعل اللافت أن فيلمه A Separation «الانفصال» جاء كنتاج للتضييقات التي يفرضها النظام الحاكم في إيران، مما ساهم كثيرا في دعم الخط الدرامي للفيلم!! ولا ينكر أحد على فرهادي استخدامه للغة سينمائية خاصة به، حيث يشرك معه الجمهور، ليقدم كل شخص استنتاجاته الشخصية وتحليلاته للموقف، كما لو كان يعيش التجربة، حيث يمر بجميع مراحلها من تواترات كطرف فاعل في الأحداث بالفعل. وللتعرّف أكثر إلى فارهادي وعالمه كان هذا الحوار:
* سبق وقد أشرت أن كل فيلم يبدأ معك بصورة ما تراها .. فما هي الصورة التي نتج عنها فيلمك «الانفصال» A Separation ؟
*الصورة كانت لرجل يحمم والده العجوز، الذي يعاني من الزهايمر .. ولقد جذبني في الأمر الشعور بالوحدة والعزلة الشديدين التي يعانيها كل منهما، ثم بدأت التفاصيل تتكون في رأسي.

* وكيف تطور الأمر؟
*بدأت أتساءل عمن يكون هذا الرجل .. ولماذا يقوم بتحميم والده بنفسه .. أين زوجته .. لما لم يستعن بأحدهم للعناية بوالده المريض .. وما الصعوبات التي يواجهها هذا الشخص أثناء رعايته لوالده .. ومن ثم، بدأت إجابات هذه الأسئلة في تكوين الصورة الكاملة لديّ، بالاضافة إلى تجاربي الحياتية بالطبع، والتي تلعب دورا شديد الأهمية في خلق هذه التفاصيل، كي تتكامل الفكرة، فهناك مثلا تجربتي الشخصية مع أحد مرضى الزهايمر، وأيضا اصطحابي لابنتي إلى المدرسة يوميا، كما كان يشغلني دائما ذهاب الأزواج إلى المحاكم من أجل الطلاق، وهي لحظة طالما فكرت في تقديمها في عمل سينمائي. وهكذا تجد أن اجابات هذه الأسئلة بالاضافة إلى خبراتي الحياتية جعلت لدي الموضوع متكاملا.
* كيف بدأ اهتمامك بالسينما؟
*كنت صغير السن حين ذهبت مع ابن عمي إلى أحد دور السينما لمشاهدة فيلم للمرة الأولى، وكان الفيلم مقتبسا عن مسرحية قديمة .. في تلك الفترة كان يمكنك شراء التذاكر ودخول القاعة في أي وقت أثناء العرض، حتى لو تم عرض نصف الفيلم كما حدث معنا، فلقد تأخرنا كثيرا بالفعل، مما جعل نصف الفيلم الأول يفوتنا. وطوال طريقي إلى المنزل كنت أفكر في نصف الفيلم الأول الذي لم أشاهده، وبدأت في نسج الأحداث من خيالي، وكانت هذه بدايتي مع السينما.
* دائما ما تبدي في أفلامك عدم الرغبة في توضيح كافة التفاصيل للجمهور .. تُرى هل ارتأيت في مرحلة ما من مراحل حياتك العملية بأن الفيلم ينتمي إلى الجمهور كما ينتمي إلى المخرج؟
*أعتقد أنني أنتهج هذا عبر ما قمت بتقديمه من أفلام، ونتج عن هذا تزايد ثقتي في ذكاء المشاهد، فحين تثق في ذكاء جمهورك لن تخشى أبدا من مدى تعقيد وتشابك قصتك، كما أنك لن تخشى أن يكون للقصة عدة مستويات، يستقبلها المشاهد كل حسب رؤيته، وخلفيته الثقافية والاجتماعية، بجانب تجاربه الحياتية بالطبع.
* تُرى هل تأثرت بعملك في المسرح في بداياتك؟
*ربما يكون هذا قد حدث عن دون عمد، فأعتقد أن جمهور المسرح أكثر تقبلا للموضوعات الأكثر تعقيدا، لذلك لا يخشى المسرحيون جمهورهم، فيقدمون موضوعاتهم مهما بلغت درجة صعوبتها أو تعددت أبعادها.
* أصبحت عن فيلمك A Separation «الانفصال» .. فما كان شعورك وقتها؟
*كنت فرحا للغاية، كما أنها كانت تجربة عظيمة، لأنني أدرك مدى أهمية هذا للجمهور الإيراني، وأراها من أفضل لحظات حياتي، لأنني قد استطعت اسعاد هذا الجمهور العظيم، كما أن رد فعل وتفاعل الجمهور مع الفيلم، سواء كان في إيران أو الولايات المتحدة الأمريكية وكل أنحاء العالم، كان شديد الإيجابية، مما ترك في نفسي أثرا خاصا ارتبط بالفيلم وبالجائزة.
* حصدت السينما الإيرانية العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية، ومنها أوسكار التي حصلت أنت عليها .. فهل ترى أن السينما الإيرانية في المكانة التي تستحقها على الخارطة السينمائية؟
*إيران مثلها مثل باقي دول العالم، تقدم الكثير من الأفلام، التي أغلبها بالطبع أفلام تجارية، وهي التي تنال قسطا من الشهرة، لكن هناك العديد من السينمائيين يعملون على تطوير أفلامهم، لتقديم أعمال أكثر عمقا واحتراما للحياة، وبعض هذه الأفلام يخرج إلى المهرجانات العالمية بالفعل وينال التقدير، لكن في الوقت نفسه، هناك العديد والعديد من الأفلام التي لم تنل فرصة الخروج عن الحدود الإيرانية، كما أن هناك الكثير من السينمائيين العباقرة، ما زالوا مجهولين في الخارج إلى الآن. ودعني أخبرك بمدى أهمية عرض الأفلام في الخارج لدى الشعب الإيراني، حيث يثير الأمر أهمية شديدة لديهم، لأن السينما تقدم جانبا آخر للإيرانيين بخلاف الجانب السياسي، فتجعل العالم يراه من منظور مختلف، يهم الجمهور أن يراه العالم منه، لذا فالجمهور الإيراني يرتبط ارتباطا شديدا بالأفلام التي يتم عرضها في الخارج، ويهتم بها اهتماما خاصا.
* هل تعقد آمالا على فيلمك The Past «الماضي» للفوز في المهرجانات الدولية؟
*أحاول أن أتجنب التفكير في هذا الأمر، وليس معنى هذا أنني أقلل من أهمية الجوائز، بل على العكس، فمن المهم للغاية أن يتم تقديرك وتقدير ما تقدمه من فن والاعتراف بقدراتك الفنية أيضا، ولكني أحاول ألا أتوقع أو أنتظر شيئا، فإن حدث وحصل الفيلم على جائزة فسيكون أمرا عظيما، وإن لم يفعل، فلن أخسر شيئا، ولن أصاب بخيبة الأمل.
* قبل تقديم فيلمك The Past «الماضي» ذكرت أنك تبدي اهتماما بعمل فيلم في الخارج، فهل العمل خارج الحدود الإيرانية هدف تسعى إليه؟
*الأمر ليس كذلك .. فكل ما قلته أنني لست مقيدا بالعمل داخل حدود وطني، فلا مانع أبدا من الخروج إلى دول أخرى طالما أن القصة التي أتعامل معها تدور خارج الوطن، فما يتحكم في الأمر أولا وأخيرا هو الموضوع الذي يتم طرحه والتعامل معه. وأخطط بالفعل لتصوير الفيلم المقبل في الخارج، إلا أنني سأعود إلى إيران مرة أخرى واستأنف عملي هناك مرة أخرى.
* قمت بتصوير فيلمك The Past «الماضي» في فرنسا، مع النجمة الشهيرة بيرنس بيجو.. فهل سنراك مع نجوم عالميين مرة أخرى، أو لربما تقوم بإخراج فيلم هوليوودي؟
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، فليس هناك من يعرف المستقبل، إلا أن هناك عملا شديد الأهمية بالنسبة لي، وأسعى لتعاون نجوم وممثلين مهمين، لكنني لست أدري بعد هل هو عملي القادم أم الذي سيليه، فمازلت أفكر في القصة التي سأحكيها، وهي الخطوة الأولى كما تعلم بالطبع.
* هل هناك من الممثلين ممن ترغب في العمل معهم؟
*في الحقيقة هناك الكثير من الممثلين الرائعين، وأعجبني ما قدموه من أعمال بالفعل، إلا أن الأمور لا تسير هكذا، فأنا دائما ما أبدأ بالقصة، فأنا لا أفكر في ممثل معين أولا ثم أكتب القصة، بل أكتب القصة أولا، وحين تصبح في مراحلها الأخيرة، يبدأ التفكير في الممثلين الأقدر على تقديم هذه القصة، وعلى رأسهم بالطبع الممثلون الذين سبق وقد نالوا إعجابي، لدرجة الرغبة في العمل معهم، حيث يتم التواصل معهم، بعد تسكين كل منهم في دوره المناسب، ويبدأ تصوير العمل.
* وجهت الشكر إلى كاتبة المسرح الفرنسية ياسمين رضا في فيلمك The Past .. فما مدى مساهمتها في هذا الفيلم؟
*لم تقم ياسمين رضا بمساعدتي في هذا الفيلم، إلا أنها كانت تشاركني العمل على قصة أخرى، ولقد توقفنا في منتصفها تقريبا لأبدأ العمل في قصة فيلم The Past ، لذلك ارتأيت أن أقدم لها الشكر لما بذلته من تعاون خلال الفترة السابقة.
* حين تم الإعلان عن تمثيل فيلمك The Past لدولة إيران، علّق بعض النقاد الإيرانيون بأن فيلمك ليس إيرانيا بالقدر الكافي!! فما تعليقك؟
*أعتقد أن الفيلم ينتمي إلى صانعه، وتبعا لهذا فإن الفيلم إيراني، على الرغم من تصويره في فرنسا .. وبغض النظر عن هذه الأمور، أرى أن الالتفات إلى الفيلم والتركيز عليه أكثر جدوى وأهمية.
* ظهرت النوافذ الزجاجية في العديد من مشاهد فيلمك The Past»الماضي»، حيث الشخصيات غير قادرة على سماع بعضها البعض من الجانب الآخر .. فما المغزى من هذا؟
*يتكرر هذا الأمر في كل أفلامي وليس هذا الفيلم فقط، إلا أنني كنت أكثر اهتماما وتركيزا عليه في هذا الفيلم بالفعل، فعلى الرغم من تواجد الشخصيتين في المكان والزمان نفسه، إلا أنهما عاجزان عن التواصل مع بعضهم البعض.
* هل مثَّل لك تصوير فيلمك «الماضي» The Past في فرنسا أمرا مختلفا؟ وما أثر هذا على تعامل الرقابة مع الفيلم لدى عودتك إلى الوطن؟
*دائما ما أتعرض لهذا السؤال، وإذا ما كنت قد غيرت طريقتي وأسلوبي حين أقوم بتصوير الفيلم بالخارج، حسنا .. لا شك أن قيود العمل في فرنسا أقل كثيرا من وطني، ودعني أعطيك مثالا يشرح الأمر .. فلنفترض مثلا أنك تسير في الطريق نفسه لمدة أربعين عاما، وفجأة يصبح الطريق أكثر تمهيدا وراحة، فإنك في هذه الحالة لن تغير من طريقة وأسلوب سيرك على الطريق، بل ستشعر أنك أكثر اطمئنانا وراحة لما طرأ من تغييرات على الطريق. ويجب أن أشير إلى أنني في فرنسا كنت أشعر بالأمان والاطمئنان طوال فترة عملي أكثر من أي مرة سابقة، وذلك لأنني أعلم تماما أن الفيلم سيتم تنفيذه كما أراه وكما أتمنى تماما، كما أن الفيلم سيتم عرضه بالكامل من دون اقتطاع أي جزء منه، على العكس من إيران، فهناك دائما ما تكون قلقا حول إمكانية تنفيذ مشروعك كما تتمنى، كما أنك تعمل تحت ضغط دائم في إيران، وتظل تتساءل، هل سيتم عرض الفيلم كاملا من دون اقتطاع؟ .. أما في فرنسا فإن الوضع مختلف بالتأكيد، حيث لا محل لهذه المخاوف والقلق على الإطلاق.
* بالمناسبة، كيف حال الرقابة في إيران هذه الأيام؟ وهل هناك ما يشير إلى تغير النظام سواء كان هذا التغيير أكثر تفتحا أو أكثر تعقيدا؟
*للأسف، لا يمكن التنبؤ بأفعال النظام، كما لا يمكنك أن تصف ما سيحدث لأنه يتغير طوال الوقت، فإذا ما كان هناك قوانين محددة، كان سيمكننا التعامل معها وتفاديها منذ البداية، لكن للأسف فإن الأمر لا يخضع إلا للحالة المزاجية فقط، فالنظام قد يكون اليوم أكثر تفتحا، وفي اليوم التالي يكون على النقيض تماما، وهذا ما يجعل الأمر غاية في الصعوبة، ولا يمكن توقعه أبدا. في إيران يتوجب عليك تقديم العمل إلى الرقابة مرتين، الأولى بعد كتابة السيناريو، والثانية قبل عرض الفيلم على الجمهور، وهذه هي أصعب اللحظات التي تمر علينا، وربما ستندهش حين تنظر إلى الطريقة التي تسير بها الأمور في إيران، وتسأل نفسك عن كيفية تقديم أفلام لها ثقل عاطفي وتمد الجمهور بالشعور بالحرية والقوة تحت هذا الضغط الشديد من الرقابة على الجميع، إلا أن الإجابة تكمن في مخرجي الأفلام أنفسهم، والفنانين بشكل عام، فصراعهم مع الرقابة صراع أبدي، لذلك فإنهم يبذلون أقصى ما يمكنهم لتمرير أعمالهم من تحت أنف الرقيب، وبالطبع ينجحون في كثير من الأحيان كما ترى، وأحيانا يفشلون في تفادي مقص الرقيب في مرات أخرى.
* اعترضت إيران على منح فيلم Argo جائزة الأوسكار .. فما تعليقك؟
*لا أعتقد أن الجمهور الإيراني لديه أي مشكلة في تناول حدث تاريخي يرتبط بإيران، لكنهم يريدون أن يتم عرض الحدث كما تم بالفعل، ولقد تعامل الفيلم مع الشعب الإيراني الموجود خارج السفارة الأمريكية بطريقة شديدة الابتذال والسطحية، بل تمادى لأكثر من هذا وجعلهم أقرب إلى الهمجية، وهذا لا يمكن أن يرضي أي شعب على وجه الأرض، فإذا ما كان هناك فيلم أجنبي يتعامل مع إيران فلماذا لا يتم تقديمه كما هو، من دون هذا الابتذال والسطحية التي تسيطر على العمل.
* جاء رد فعل إيران على هذا بمقاطعة مهرجان الأوسكار .. فما تعليقك؟
*لقد أوضحت إيران موقفها كما سبق وأوضحت لك، إلا أنني لا أراه قرارا صائبا، فأنا أرى أن على كل دولة اقتناص أية فرصة والعمل على الاستفادة منها بأقصى درجة ممكنة، والعمل على عرض فنها وتقديمه إلى العالم كله، لذلك أرفض تماما أي قرار بالمقاطعة، سواء لهذا المهرجان أو أي محفل دولي مهما كان السبب.
* هل لك أن تخبرنا عن مشروعك القادم؟
*كل ما أستطيع أن أقوله أنني أعمل على موضوعين، وهما يشكلان استكمالاً للطريق الذي بدأته، فإنني حتى هذه اللحظة لا أنتوي تغيير اتجاهي وأسلوبي في العمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى