أيت بن حدو… قصر تاريخي يتحول إلى بلاطو سينمائي ومزار عالمي للسياح

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات -مساحة 1300 متر مربع وعلى بعد 30 كيلومترا شمال مدينة ورزازات، يقع قصر “أيت بن حدو” الذي يطل من هضبة جنوب سلسلة جبال الأطلس على وادي أونيلا حيث يجري نهر صغير يعرف باسم “واد المالح”.

شيد القصر خلال القرن الثامن عشر الميلادي في قرية تحمل اسمه، لكن بعض الآثاريين يؤكدون أنه بني لأول مرة في عهد دولة المرابطين في القرن الحادي عشر الميلادي، إلا أنه تعرض للإهمال نتيجة لهجرة السكان المتواصلة.
أمغار بن حدو الذي يحمل القصر اسمه، كان يسكن المنطقة إبان فترة حكم الدولة المرابطية في القرن 11 الميلادي، حيث كان القصر محطة ضمن مسار القوافل التجارية التي كانت تربط بلاد السودان بمدينة مراكش، عبر وادي درعة و”تيزي ن تلوات” (فج تلوات).

في عام 1940 كان القصر يأوي 98 أسرة، ليتقلص العدد إلى 6 أسر فقط،

وبالنظر لكون معلم “أيت بن حدو” ذو جاذبية معمارية وله أدوار يتمازج فيها المعماري بالاقتصادي والاجتماعي، وما بين الروحي والعلمي والبيئي والتاريخين فإنه يستقطب سنويا نحو 1300 سائح على الرغم من كل التأثيرات على السياحة.

ومنذ عام 1987، صنف قصر أيت بن حدو من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونيسكو” ضمن التراث الإنساني العالمي. كما أدرجته وزارة الثقافة ضمن قائمة المواقع الأثرية الوطنية لحمايته من أي تشوه.

قصر “أيت بن حدو” في شكله وهندسته تميز متراص ومحصن يجمع بين البساطة والمتانة، فهو تجمع بنايات تقليدية شيدت من الطين على هضبة، محاطة بسور دفاعي مقوى بالأبراج في شكل قلعة من الرمل وسط حقل تملأه أشجار اللوز.
وتحيط بالقصر مطامر تعود للقرن الحادي عشر وتتكون القرية من بضعة مساكن وقصور صغيرة ومسجد وإصطبلات، اختيرت لأسباب اقتصادية (استغلال حوض الوادي والمزارع المجاورة) واجتماعية وروحية وأمنية (له بوابتين لمراقبة التحركات حول محيط القصر).

بدأت الساكنة تهجره منذ الستينيات، وبني تجمع يحمل إسم “إيصويد”جديد مقابل للقصر يأوي من هجروه.

به مسجد تم تشييده وسط منازل القصر، كما يحتوي على بئر ومرافق للوضوء والصلاة، إضافة إلى مدرسة لتعليم القرآن، وساحة جماعية التي تحتضن أفراح سكان القصر خلال المناسبات الدينية والعائلية.

وتتخلل القصر أزقة ضيقة وملتوية تتواجد بها حاليا بعض محلات بيع الهدايا والتحف البالية (القديمة) يقبل السياح على شرائها.

روعة المبنى الطيني للقصر ومحيطه، جعله يستمد قوته في الصناعة السينمائية، حتى أضحى “ملاذا” لمخرجي الفن السابع، به صورت أفلام سينمائية عالمية أمثال”لورانس العرب”، و”صودوما كومور” وسلسلة الأنبياء (حسب الكتاب المقدس) و”أنوار النهار الحية”، “السماء الآوية” و”المومياء” و”جوهرة النيل” و”المسيح ابن الناصرة”، “الأسكندر”، آخرها فيلم “أمير الفرس”، و”مسلسل عمر”.
يصف محمد بوصلح الباحث الأنثربولوجي قصر أيت بن حدو بكونه “نموذج بارز لنمط من البناء الذي يمثل مراحل هامة من التاريخ البشري، ويشكل أهم المعالم التراتية والهندسية بالأطلس والجنوب الشرقي، بعدما اعترف به المنتظم الدولي (اليونيسكو) لأهميته التاريخية والاقتصادية والاجتماعية”.

وقصر أيت بن حدو مثال لترات هندسي مهدد بالاندثار، من الواجب إنقاذه في المرحلة الثانية بإعادة التهيئة والترميم وإدخال وسائل عيش جديدة من ماء وكهرباء وصرف صحي. وهو ما عمل من أجله الباحث الأنتروبولوجي محمد بوصلح الذي يشغل مهمة مدير مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بمناطق الأطلس والجنوب.

اشتغل مدير المركز محمد بوصلح شخصيا في تهيئة قصر أيت بن حدو مع المركز الدولي للبنايات الطينية وأعد وثيقة (دفتر تحملات) بتوافق مع كل القوى المسؤولة عن القصر، ليخلص إلى صياغة مشروع “دفتر تحملات” بشهادة مركز الترات العالمي بدعم من مؤسسات الدولة محليا ووطنيا.

شرع في ترميمه عام 1990 بترميم المجالات المجتمعية والساحة العمومية والمسجد والزخاريف والأزقة، غير أن أول مشكل اعترض المشرفين عليه الوضعية العقارية، لأن الممتلكات فردية متعددة الأشخاص، كان صعبا علينا تجميع كل هؤلاء ومحاورتهم يروي مدير المركز محمد بوصلح.

بعدها، باشرت أطر المركز تحسيس الساكنة بأهمية الترات الطيني وتوظيف المواد المحلية لمدة 5 سنوات (1990/1995) في مخطط ساهمت فيه وزارة الثقافة وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي.

بعدها مر قصر أيت بن حدو من فترة فراغ لسنوات، حتى عام 2001 ، حيث باشرت منظمة اليونيسكو عبر مركز منظمة الترات العالمي (يتوفر على أكثر من 950 موقعا) إلى إرساء المخطط التسييري للمساعدة والمصاحبة.

وأوضح بوصلح أن كل المتدخلين في تدبير القصر وتسييره، بدءا من ساكنة القصر ومؤسسات الدولة المحلية وأجهزتها ولمدة 5 سنوات، من أجل تنمية هذا القصر التاريخي وتتمينه، وأعد تصور ومخطط جامع بين التسيير والتنظيم وأنشطة الربح (2007/2012)، تحققت فيه مكتسبات كبيرة متوافق بشأنها سواء ما تعلق ببناء الأسوار وترميمها وتبليط الأزقة والممرات السياحية.

وخلال العام الجاري، سيشرع قريبا في ترميم جميع الدور السكنية لقصر أيت بن حدو التي تحول بعضها إلى “بازارات” داخل القصر بتعاون الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات والاسكان ووزارة الثقافة بكلفة تصل إلى 900 مليون سنتيم، منها 50 دورا سكنية مما تبقى من القصر.

عملية الترميم، وفق إفادة مدير المركز، محمد بوصلح، ستتم بالمحافظة على الترات المعماري حتى تتحول إلى فضاءات ودور في المستوى الكبير، بمواد محلية بغاية إدماجه في التحولات المجالية، وجعله فضاء تراتيا تاريخيا يغري السياح والسينمائيين والباحثين،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى