إحياء التاريخ: أهمية المتاحف في الوقت الحاضر

الجسرة الثقافية الالكترونية-الاتحاد-
«إن رفع مستوى المواطن والدولة ككل هو رائدنا وفوق كل شيء.. والدولة مثل الشجرة التي يجب أن تحظى بعناية مواطنيها وحرصهم على تنميتها وكل مواطن عليه ان يحترم وطنه» (من أقوال المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه)
بعد إطلاق معرض «100 قطعة فنية تحكي تاريخ العالم» في منارة السعديات مؤخراً، كإحدى الخطوات التمهيدية لافتتاح «متحف زايد الوطني» عام 2016، بات من الضروري أن نقف قليلاً ونفكر في أهمية المتاحف والدور الذي تلعبه في المجتمع المعاصر، وفيما يسلط هذا المعرض الضوء على القضية الجدلية القديمة المتعلقة بأهمية التاريخ، ها نحن نشرع في بناء متحف وطني يمثل حافظة لذاكرة الدولة ويحكي قصة ماضي وموروث دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي الوقت الذي يشهد مجتمعنا الحديث تطورات متسارعة، لا يسعنا سوى أن نتساءل عن الحيز المتبقي للتراث والتاريخ. فها نحن نرى المباني الجديدة تُشيّد والتكنولوجيات الجديدة تبصر النور ونشهد طلاب اليوم وبناة المستقبل يحصلون على تعليمهم في فصول دراسية مجهزة بأحدث التقنيات مع أدوات رقمية بالغة التطور تفتح آفاقاً جديدة للتفكير وطرقاً جديدة ومبتكرة لتسيير الأمور. إذن، أين يقف الماضي في ظل هذه الخطى المتسارعة والطموح الجامح الذي يندفع نحو المستقبل؟
خلال قرون مضت، أدرك الإنسان جيداً أهمية الماضي، حيث بذلت الثقافات القديمة الكثير من الوقت والجهد لتعليم الشباب التاريخ. وأيقن هؤلاء أن الفهم العميق للماضي والتاريخ يساعد الجيل القادم على تكوين شخصيته واستيعاب هويته الإنسانية.
وفي الوقت الحالي، تبقى هذه الحقيقة قائمة، وتظل أهمية التاريخ جزءاً لا يتجزأ من الحاضر، لكنْ في ظل عالم متسارع الخطوات يتطلع بشكل مستمر إلى المستقبل، تصبح هذه الحقيقة أكثر عرضة للتهديد.
وفي نهاية الأمر، لا يمكننا المضي قدماً نحو المستقبل من دون أن نتعمق بشكل كافٍ في معرفة ماضينا وفهم جذورنا التي هي بمثابة الأرض الصلبة التي نقف عليها. إن فهمنا للتاريخ يساعد على تشكيل الطريقة التي نحلل بها حاضرنا ونتعامل معه، وهو أمر ربما نكون قد تجاهلناه عندما كنّا تلامذة نجلس في الفصل الدراسي محاولين نفض الغبار عن كتاب التاريخ الضخم، لكن بات من الضروري أن نتذكره اليوم جيدا.
إن التاريخ يمنحنا ذاكرة جماعية كفيلة بأن تعطينا ذلك الشعور الفريد بالتواصل والانسجام مع الزمان والمكان والمجتمع الذي نعيش فيه، وهو ذلك الإحساس بالوجود الذي لا يقدر بثمن، إذ يربطنا بأصالة جذورنا وعراقة ثقافتنا وماضينا الذي ننتمي إليه.
ومن هنا، يمثّل التاريخ ذخراً للأجيال القادمة في دولة الإمارات، فهو يعزز من أواصر انتمائنا لدولتنا ويوطد علاقتنا بالماضي وبنشأتنا وهويتنا الإنسانية. فهوية أي وطن إنما هي لوحة تُرسم أجزاؤها بتطلعات تلك الدولة وطموحها للمستقبل وأعمال وجهود الحاضر وذكريات الماضي. ولذلك، مهما تطورت الأوطان، فإنها تبقى مزيجاً متكامل الأجزاء بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وتدين دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل كبير لحكمة الآباء المؤسسين الذين تمكنوا من خلال قيم الاحترام والتسامح والرؤية المستنيرة أن يشكلوا حضارة وطن، عبر بناء دولة قوية مستقلة تفتح ذراعيها للعالم أجمع. هذه القيم هي التي حدّدت العلاقة بين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وشعبه، وكذلك علاقة دولة الإمارات مع سائر دول العالم. ومن شأن متحف زايد الوطني أن يحفظ هذه القيم ويصون هذه العلاقات، لتبقى على ارتباط وثيق بالحاضر والمستقبل، فالمتاحف وحدها كفيلة بأن تبث الحياة في التاريخ من جديد.
وتعد المتاحف مؤسسات مهمة في المجتمع تصمم خصيصاً لرعاية وحفظ وعرض التراث الوطني المشترك للدولة، وهي تساعدنا على تحديد وفهم ثقافة بلادنا وعلاقاتنا مع بقية دول وحضارات العالم، كما أنها حافظة للذاكرة تحمل تجربة غنية وفريدة، وتسمح للزوار من خلال معروضاتها القيمة بالتفكر في القضايا الأساسية للبشرية. إنه المتحف الذي يكرم ويثمن قيمة الماضي ويربط الأمس بواقع اليوم.
وفي كل ركن من أركانه، يروي المتحف حكاية مختلفة وقصصاً من الماضي، ومن خلال توفير تجربة تفاعلية مع القطع الأثرية والمعروضات التي تعود إلى حضارات سابقة لا نراها غالباً سوى على صفحات الكتب التاريخية والصحف أو على شاشات التليفزيون، يُبعث التاريخ إلى الحياة من جديد، ليتمكن زوار المتحف من بناء علاقة شخصية خاصة تربطهم بقطع ملموسة تعود إلى ذكريات من زمن بعيد.
ويروي متحف زايد الوطني حكاية دولة الإمارات العربية المتحدة ودورها عبر تاريخ البشرية بأسلوب مشوق ليجمع مجتمع الإمارات المعاصر وجهاً لوجه مع ماضي هذا الوطن وتراثه الأصيل. وعبر هذه المنشأة الفريدة، سيتمكن كل من المواطنين الإماراتيين والمقيمين والزوار على حد سواء، من الاطلاع على تاريخ اتحاد الإمارات وكيفية تحولها إلى دولة حديثة تحت حكم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (1918 ـ 2004).
وسيكون متحف زايد الوطني بمثابة عنصر حيّ من مقوّمات الهوية الإماراتية ويشكل مكاناً خاصاً لمواطني دولة الإمارات ليشاركوا حكايتهم وثقافتهم مع بقية العالم، وكذلك منارة للترابط الاجتماعي توحدنا كمجتمع متماسك يعيش في تناغم وصلة دائمين مع ماضيه وحاضره ومستقبله، فيما تحتفظ دولة الإمارات العربية المتحدة بهويته الوطنية والثقافية وتوطد علاقاتها مع بقية الدول في مختلف أنحاء العالم.
* مدير مشروع متحف زايد الوطني، هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة