ابن دلموك يجمع الأمثال والحكم الإماراتية ويدققها ويحققها

الجسرة الثقافية الالكترونية
محمد الحمامصي
وقع الكاتب عبدالله حمدان بن دلموك الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث كتابه “المتوصف.. أمثال وحكم الإمارات” الذي جمع فيه ودقق وحقق فيه للأمثال والحكم الإماراتية، وذلك في جناح المركز بمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ 34 والمستمر حتى 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
الكتاب يبدأ بنص شعري يرثى فيه الكاتب والده، تلاه تقديم للشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم أكد فيها أن أي شعب لن ينهض أو يرتقي في معارج النهضة والازدهار إلا إذا تسلح برصيد تاريخي سخي، يجعله نبراسا. يذكره على الدوام بجهد الآباء والأجداد، ويوقظ الهمم للسير على خطى السابقين، لتبقى سلسلة النور العريقة المتصلة بالجهد والحرص والمحصنة بالعمل والتطوير.
وقال “ما أن نذكر التراث إلا ونؤكد استمرار جذوته المشرقة على مر الأجيال، ويبذلك التوجه نعبر عن اهتمامنا الشديد وحرصنا على إبقاء مقومات هويتنا ووجودنا. كما نعلن بالمزيد من الفعل الذي لا يفتر، عن إيصال رسالتنا التراثية الأصيلة، فنحن أمة تفخر بتاريخها وترعاه بنور عيونها وتحرسه بروحها وتبذل الغالي والنفيس لصونه والإبقاء على فصوله حية ناطقة، لأنه المعين لحاضرنا المشرق والرافد لمستقبلنا الذي نسهر لأن يكون زاهرا بحول الله”.
وفي تقدمته لكتابه سرد دلموك قصة قصيرة عن أهل البادية توضح مدى الحنكة والبراعة وتظهر الحكمة والفراسة التي أهدتها الصحراء لأبنائها وعنوان القصة “تثاوبت أنا من تثاويب ناقتي، وناقتي تثاوبت من تثاويب من؟” أما تفصيلها فتقول “يحكى أن رجلا رحل عبر الصحراء إلى بلدة بعيدة، وكان من المعتاد عند العرب عامة والبدو بخاصة، أنهم إذا سافروا إلى بلد، دخلوه نهارا، فإذا غلبهم الوقت وهبط الليل، باتوا على أطراف المدينة، ودخلوها في الصباح الباكر.
وهذا ما حدث لبطل القصة إذ نزل عن ظهر ناقته وشرع في عقلها، وهم بتجهيز مكان جلوسه حتى الفجر، إلا أنه رأى ناقته تتثاءب، فتثاءب هو أيضا، لكن تثاؤبه الذي كان نتيجة تثاؤب ناقته، أثار حفيظته وفضوله، وحرك فطنته، فعرف أنه تثاءب متأثرا بتثاؤب ناقته. والمعروف أن التثاؤب ينتقل من شخص لآخر، خصوصا إذا لم يتضح أي مؤشر للنعاس، الأمر الذي يدل على وجود طرف ثالث بجواره، فأدرك أن ناقته رأت ما لا يراه، وأنها حتما قد رأت شخصا ما بالجوار يتثاءب وإلا لما تثاءبت، فأحس بالخطر من غريب قريب يترقب، وبما أن الوقت كان ليلا، فقط بدل الرجل مكانه بكل حذر، فلما بزغ الفجر، تبين له أن مكانه كان مسرحا لقتال دام، وأن فطنته أنقذت حياته من قطاع الطرق واللصوص”.
وأضاف دلموك أن حكاية هذا المثل دفعته إلى الاستزادة من الأمثال وقراءة الكتب الأخرى المتصلة بها، لاسيما الاماراتية منها، من خلال المتابعة المتبحرة في هذا المجال، أن الأدب الشعبي من الفنون الأدبية التي لا تقل قيمة عن نظيره الفصيح، وقد اعتمد عليه المؤرخون في التاريخ والتدوين وسرد تغيرات المجتمعات في فترات زمنية متباعدة.
ويحاول الكتاب الابحار في البحر الفني الشعبي العربي لدولة الامارات، ويقدم مدخلا نحو فهم أعمق للأمثال، وقال الكاتب أنه “قد ظن البعض أن دول الساحل الغربي للخليج العربي عامة ودولة الامارات خاصة تفتقر إلى العمق الحضاري، وأن تاريخها بدأ مع اكتشاف النفط، ولا شك أن هذه الفكرة سطحية جدا ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وإنما تنم عن قصور في معرفة بالعنصر البشري الخليجي وحضارته، فالخليج العربي كان مركزا للحضارة وموقعا تجاريا بالغ الأهمية وممرا حيويا استمر خلال العصور التاريخية المختلفة، لاسيما الامارات العربية المتحدة التي أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” تراثها ضمن التراث العالمي إلى جانب الدول العربية والعالمية العريقة”.
وأضاف الكاتب أنه بدأ رحلته في جمع الأمثال الواردة في الكتاب عام 1990 “أعجبت ببعضها لأنها تذكرني بأبي الراحل العزيز لاسيما أنه كان يستخدمها عند نصي، وما يزال عالقا في ذاكرتي قوله لي “إن قبضت من العز قبضة، اقبض من الذل عشر”. وأمثال أخرى سمعتها أو قرأتها فلم أستسغها أول الأمر، ولكن الأمانة العلمية اقتضت أن أوثقها بما تفيض بيه من جمال المعاني وكبير الدلالات.
وأوضح المؤلف أن عملية جمع الأمثال عبرت ثلاث مراحل حرصا على الدقة وتوخيا للموضوعية، ولخص هذه المراحل في:
أولا: جمع الأمثال: أبحرت في رحلة عميقة بهدف جمع الأمثال وتدوينها بشكلها الأولي عام 1990، وكان جل تلك الأمثال جمع عن طريق السماع من الناس المحيطين بي، أي بصورة شفهية (محكية)، فحصلت على بعضها مما سمعته ودونته وعشته مع والدي ومنها ما كان مصدره الأعمام والأخوال والأصدقاء وغيرهم، واستثمرت لهذا الغرض خبرتي التي جنيتها خلال فترة عملي في إدارة قرية التراث والغوص في دبي، وتمكنت من الالتقاء بالملمين بشئون التراث والمهتمين به.
وقد كنت محظوظا للغاية حين حصلت على فرصة الاستزادة من المعلومات وتحليل الأمثال والأهازيج والألغاز والشعر النبطي، مع ثلة من الذين يعتبرون كنوزا حية للتراث الشفهي في مختلف إمارات الدولة. كما دعمت ذلك بدراسة وتتبع بعض الكتب المحلية، التي صدرت في الدولة، فكانت عيني تقرأ بأسلوب الناقد، فوجدت بعض الأمثال ليست إماراتية، بل عربية تداولتها وسائل الإعلام من خلال الأعمال الدرامية، وتناولها الناس في الإمارات حتى اعتقدوا بأنها إماراتية، ولقد قرأت الكثير من الكتب، ولكنها برأيي لا تتصف بالدقة من حيث صياغة المثل، فصرت أبحث وأحقق من أجل معرفة مصداقية ما ورد في طيات تلك الصفحات، وتحليل مدى انتماء ما نسمعه ونقرأه حول التراث الاماراتي، ثم أجريت بعض المقابلات الشخصية مع ذوي الخبرة للتأكد من صحة بعض الأمثال وإلقاء المزيد من الضوء عليها، قبل اتخاذ القرار بضم المثال إلى كتابي “المتوصف”.
ثانيا: دراسة أركان المثل: حرصت في هذه المرحلة على التعرف إلى الأمثال حسب المواضيع المختلفة، التي عبرت عنها، أو جاءت في سياقاتها الدلالية، كما أوضحت المناسباات والمواقف التي تصلح أن تقال فيها، إضافة إلى ترتيبها وفق الأبجدية، لتسهيل الوصول إليها واهتممت بما يسمى دراسة أركان المثال، وتقسم عامة إلى ثلاثة هي: نص المثل ـ شرح المثل ـ مضرب المثل. وقد عرف المثل بأنه مربوط بمناسبته، وأن الذاكرة تقوم بإحيائه كلما صادفت حالا مشابهة على التطابق أو الاختلاف المبني على التنوع أو التضاد، المهم أن يكون ثمة شيء من قوانين الارتباط الذهني بين المثل والمناسبة.
ثالثا: تدقيق الأمثال: كانت مرحلة التدقيق مصاحبة لبقية مراحل إنجاز هذا العمل، ورحت أدقق كل مثل ورد في هذا السياق، ثم انقطعت على دراسة الأمثال وتحليها في المرحلة الأخيرة، وكنت أدقق في المعنى حتى يتسنى لي جمع الأمثال من مصدرها، حيث إن بعض الأمثال مصدرها أشعار ذاع صيتها بين الناس، لما تتضمنه من حكمة وجمال في الأسلوب، وأمثال أخرى كان مصدرها الحكايا وأخرى نبعت من تجارب الآخرين قطعا.
المصدر: ميدل ايست اونلاين