اتركوهم لأمراضهم.. مهند السبتي

الجسرة الثقافية الإلكترونية-خاص-
لقد شحذوا أنيابهم أكثر مما شحذوا أدواتهم، كأن هذه العبارة لا تقبل أن يتحدث الأدب عن الشر كأنه يجالسه، كأن عبارة الأنياب تلك لا تريد للناس أن يفتحوا كتابا كمن يفتحون نافذة على مكب نفايات، أعني الروائح الكريهة ولا أعني أن أحدا سيغلق الكتاب بمجرد أن تصدمه الرائحة، رغم أن البعض يتركون مسافة كافية من الأمان بينهم وبين القراءة كمن يتحسب لانفجار شديد.
المشكلة في التمرس على ملاقاة الشر، على تبادل الأحقاد ورد اللكمة بمثلها، أن تتقن كل ما يتطلبه الوصول أولا فلا تطالك يد المدرب القاسية، في زمن آخر كان الموت جزاء للخسارة، رغم أن يد المدرب قاسية، يد المدرب على الحياة لا الموت أكثر من قاسية، سأقول أنها لا ترحم، إذ إن القسوة يمكن أن تحدث بين حبيبين لا يقصدان سوى قطع مسافة الكيلومتر الأخير خارج الأسوار.
قرأنا بمزيد من الصدمة خبر العراك على القصيدة_ وهو خبر موثق يمكن البحث عنه_ وأي أشكالها هو الممثل الشرعي للشعر، العراك الذي انتهى بإطلاق نار يعد من الأخبار القديمة، لكنه صادم وقد أثار الضحك لدى بعض من لا يعتبرون أن الأدب يستحق الموت من أجله، ونحن إذ لا نتطرق هنا إلى سيرة الكتاب الثوريين والانقلابيين، فإننا لن نضع جانبا مسؤولية الأدب عن خلق سباقات يبرز فيها كتاب يقدسون الوصول إلى خط النهاية، بأسمائهم لا بأسماء مدن وكائنات ببراعة مهدوا لظهورها في الذي نقرأ من قطع أدبية فريدة من نوعها.
ماذا لو جلس الكاتب في مهرجان التكريم، ثم صعدت شخصية كتابه الرئيسية إلى المنصة لتسلم الجائزة، هناك من يعتقد جازما بأن الكاتب هو هو سيجعل من شخصيته الرئيسية أضحوكة، في منجز عاجل لا يقصد من كتابته سوى الإساءة وإضعاف كل ما تلقته الشخصية من سابق إعجاب.
هناك من يقول اتركوهم لأمراضهم، نريد أن نقرأ كتابا يلدغ وينهش، نريد أن نسمع بكاتب يتمنى لحياته أن تكون فصلا جاذبا للقراءة، أن يجاهر بكراهيته للنهار إذ يشرق في حياة آخرين لا يحبهم، أن يعرض أدواته الحادة وإن كانت تعمل في أبرياء لا يراهم كذلك، إنه يتحدث الآن عن خطأ تسمية الصيد بالجائر، وأن إبادة النوع لا ينبغي أن تقتصر على الحيوان.
لقد اكتفينا من التحدث عن الجذوع المقطوعة والأنهار التي فجأة لم تعد تركض كسابق عهدنا بها، لقد اكتفينا من الجلوس ومراقبة العالم وهو ينهب البضائع والأيام، هكذا جاءت اعترافات كتّاب لم يقبلوا بدور المراقب، إنهم لن يسجلوا خسارة جديدة، من أجل هذا سيضربون بقدر ما يتعرضون للأذى، سوف يكتبون عن إنسانية القاتل، وعن البيوت التي لم تستر خيراتها كما ينبغي، ثم إن الضحية كان يمكن أن تقضي في حادث مؤسف بين مركبتين، هكذا تصبح الكتابة صوتا حيا لنزعة الشر، وقد صدف أن تحدث الشر من فم كاتب نقول بمرضه، لكنه يكتب ما يحس به حقيقة وما ينتمي إليه.
*شاعر وكاتب من الأردن