اكتشفها عازف السكسفون تيتري فورنيه: السودانية هند الطاهر تطل على العالم بموسيقى زوجها الفرنسي

الجسرة الثقافية الالكترونية – القددس العربي
لم تكن الشابة السودانية هند الطاهر والمولعة باللغة الفرنسية، تدرك أن هذا العشق سوف يربحها زوجا فرنسيا بمواصفات خاصة وانطلاقة الى «العالمية» في الموسيقى والغناء الذي كان مجرد»هواية « طوال حياتها.
خططت هند المولودة في مدينة الكاملين بولاية الجزيرة، للذهاب لفرنسا مبكرا وتقول» منذ المرحلة المتوسطة اتجهت لدراسة اللغة الفرنسية ،ودخلت جامعة الخرطوم كلية الآداب – لغة فرنسة وعيني على المنح التي تقدم للخمسة الأوائل،وبالفعل نلت المنحة الأولى وسافرت ،ولم أعد رغم انتهاء الفترة المحددة ،وواصلت تعليمي على نفقتي الخاصة،وتخرجت وعملت في مجال السياحة..
في ودمدني بدأت ملاح صوتها تظهر عبر الدورات المدرسية ،وجلسات الأنس الخاصة،وفي جامعة الخرطوم تفرغت للدراسة،لكن مهرجان الربيع بفرنسا في عام 2002م شهد حدثين غيرا مجرى حياتها تماما، حيث التقت بالموسيقار الفرنسي وعازف السكسفون تيتري فورنيه والذي انتبه لجمال صوتها فشجعها على ضرورة إخراجه لنطاق أوسع ثم أصبح زوجها فيما بعد والراعي الفني لمشروعهما معا.
قصة زواج «هند وتيريه» لم تكن سهلة رغم وجود العديد من القواسم المشتركة ، نظرا لاختلاف الثقافتين ،لكن والد هند الذي كان يعمل استاذا بجامعة الجزيرة تفهم الأمر ،وأخذ بإقناع الوالدة وقتا ومجهودا كبيرا خاصة من قبل «العريس الفرنسي « الذي حضر للسودان خصيصا لهذا الأمر ،وتم الزواج وأثمر بنتين وولدا هم مايليس ثماني سنوات،مايفا ست سنوات، وساجي سنتان ونصف.
تقول هند إن عملها في المركز السياحي لم يتح لها فرصة التفرغ للغناء ،لكن حدثت ظروف جعلتها تترك هذ العمل،وتزيد من التمارين في البيت حتى تم تسجيل فيديو وتنزيله عبر اليوتيوب فوجد رواجا كبيرا،ثم بدأت علاقتهما مع المطرب السوداني المقيم في بلجيكا»مدني السماني» وانضمت هند لفرقة «نايل باند» وبدأت أغاني هذه الفرقة تظهر في فرنسا وبلجيكا حيث يتم تقديم أغنيات سودانية قديمة بروح جديدة مع الاحتفاظ بالهيكل الموسيقي نفسه،فظهرت أغنيتي «يا حليهم دوام بطراهم وصغيرتي «وهما للفنان الراحل عبد العزيز محمد داوود كذلك أغني جسمي المنحول وهي من التراث وغيرها من الأغنيات التي انتشرت سريعا عبر الإنترنت ووجدت رواجا كبيرا داخل وخارج السودان.
وترى هند إن تقديم الأغنية السودانية لجمهور أوربي كان تحديا كبيرا وتضيف»:في كل مرة كنا نتقدم للأمام وندهش الجماهير ويلاحقنا سؤال واحد :لماذا لم نستمع لهذه الموسيقى من قبل؟».
يقول الموسيقي الفرنسي تيريه انه سعيد جدا بالزواج من سودانية،وامتدت سعادته بكونها مغنية. ويضيف :»لقد عملت في مشارع فنية كثيرة لكن لأول مرة يجد مشروعي النجاح بهذه السرعة وذلك لجمال ونعومة صوت هند وإحساسها العالي في الأداء ،إضافة للونية الجديدة المتمثلة في الموسيقى السودانية وهي كنز مخبأ كان يحتاج فقط لمن يكتشفه».
ويصف تيريه الموسيقى السودانية بأنها متميزة ومعقدة في تركيبها وهي تشبه الموسيقى الكلاسيكية ،لكن معظم النماذج التي استمع لها كانت غير جيدة في التسجيل واستخدام الآلات واكتشف مؤخرا أن هذا ناتج عن النوعية التي يتم نشرها في الإنترنت ويقول:»استمعت مؤخرا لنماذج رائعة « ويصف الشعر الغنائي السوداني بأنه عميق المعاني وينقل الأحاسيس النبيلة .
ويقول إن توظيف آلة الساكسفون في بعض الأغنيات التي قدمتها هند لا يعود لأنه يعزف على هذه الآلة ولكن لضرورات فنية متمنيا أن يشكل الساكسفون حضورا أكبر في الموسيقى السودانية التي تتسيدها «الكمنجة»على حسب رأيه. ويرى ان قبول الموسيقى السودانية وانتشارها عالميا يتوقف على عدة أشياء في مقدمتها التسجيل الجيد،وتوظيف الالات بصورة صحيحة وعلمية،أما موضوع السلم الخماسي الذي تقدم به الموسيقى السودانية فهو يرى بأنه لا يعيق انتشارها .
ويصنف تيريه النماذج التي اطلع عليها بأنها أقرب للموسيقى العربية لكنه يعلم أن البُعد افريقي موجود وهو الذي يعطيها الخصوصية والاختلاف ويجعلها مدهشة للآخرين بحسب تعبيره. ويقول إنه لاحظ أن الفرقة الموسيقية في الخرطوم تبذل مجهودا كبيرا في «مطاردة» المغني بينما العكس هو الصحيح حيث يجب أن يتبع المغني خط سير الموسيقى!
لم تكتف هند بموهبتها ،بل التحقت بمعهد للموسيقى بفرنسا وتقول في ذلك:»منذ عام بدأت في الدراسة العلمية لمعرفة قدراتي وأبعاد صوتي «تقنية الصوت» وكانت التمارين بأغان فرنسية وانكليزية ،وقمت بمعالجة أغنية يؤديها فنان فرنسي كبير وهي تتحدث عن السودان ،فأدخلنا فيها معالجات «حلوة» وإضافات باللغة العربية وقدمتها في آخر عرض قبل مجيئي للسودان فأعجبت مدير المعهد فقام بضمي لفرقة كبيرة تضم مغنين عربا وافارقة وتقيم حفلات خيرية لصالح مشارع إنسانية في دول العالم الثالث.
وبخصوص تربية الأبناء يرى الزوجان أن انصهار الثقافتين «الفرنسية والسودانية» يعد إضافة حقيقية لتكوين وعي وثقافة أطفالهما .وتقول هند :» وجودنا في فرنسا حتم علينا الاهتمام باللغة العربية وانا مجتهدة جدا في التحدث إليهم باللغة العربية واللهجة السودانية على وجه الخصوص ،كما أن القنوات التلفزيونية العربية تكون دائما حاضرة في شاشة البيت، يضاف الى ذلك توفير الكتب العربية والحضور سنويا للسودان،وكل هذا يساعد في تأقلمهم وهم الآن يتحدثون العربية بصورة جيدة ونحن نهدف لأن يأخذوا الأفضل من كل شيء».
ومؤخرا تم اختيار هند الطاهر في شركة نشر وتوزيع فرنسية تقوم بدعم الفنانين الشباب ونشر أعمالهم وتقديمها بشكل أوسع للمستمع الاوروبي وتقول:»سعادتي لا توصف…فقد كان لقاؤنا بهم أكبر خطوة لي في هذا المشوار الوسيم،ونجاحا كبيرا لي و فخرا عظيما وهم يؤكدون لي بأن لجنة الاختيار قد ادهشتها أغنية» دوام بطراهم « وقد كانت تزكيتهم جماعية بقبول عملي فور سماعه ولم أتمالك دموعي فبكيت فرحا بعد سماع هذا الخبر وهو فخر للأغنية السودانية وهي تشق طريقها بثبات لتأخذ مكانها بين مستمعي العالم الاول و قريبا جدا سيتم نشر فيديو يتحدث عني وعن مسقط رأسي وما قدمته من أعمال حتى الآن…وهناك مشاريع أخرى قادمة معهم».
حرب المصطلحات !
خيري منصور
انها اشد الحروب ضراوة، لأنها تتسلل بنعومة من خلال مراكز أبحاث ومؤسسات اعلامية وثقافية، ولها ضحايا وأسرى لكن من طراز آخر، ضحاياها من تقتادهم المصطلحات ذات الوميض الفوسفوري من أنوفهم الى واقع آخر، بحيث يجري تهجيرالوعي وبالتالي استلابه وتغريبه، اما أسراها فهم هواة يعيشون على هامش الثقافة وقارعة الواقع، بحيث يجدون انفسهم يفكرون بما يشاء الاخرون لهم ان يفكروا به، والطعم النموذجي لشباك الصيد بالمصطلحات هو التباس دلالاتها، فقد تعبّر عن جزء من الحقيقة او الواقع، لكن هذا التعبير الناقص خطيئة وليس خطأ فقط لأن ما هو حقيقي يستخدم لتمرير ما هو مضاف اليه، بحيث يكون مبتدأ الجملة سواء كانت ثقافية او سياسية في خدمة الخبر المضاد له، ولكي لا نبقى في نطاق التجريد سنتوقف عند سلالة من المصطلحات التي لعبت دورا كبيرا في احراف الوعي او ما يسمى في معاجم البلاغة « الانتحاء « وهو ايضا ما كان يسميه جان بول سارتر فلطحة المصطلحات بحيث تفقد حدودها وتصبح مرنة وطيّعة لكي ترتهن للرغائب والنوايا، واول ما يخطر ببالنا الان وبمناسبة اعلان قطاع غزة منطقة منكوبة بعد العدوان الهولوكوستي عليها هو مصطلح النكبة الذي اقترن بهزيمة العرب الكبرى عام 1948 واحتلال فلسطين، فالنكبة ابنة الطبيعة وليست من افراز التاريخ ولها دلالات تقتصر على البراكين والزلازل والاوبئة والاعاصير، وما حدث في فلسطين قبل اكثر من ستة عقود ليس زلزالا او اندلاع بركان خامد كبركان فيزوف، انه فعل ينتسب الى التاريخ بامتياز دموي، وتسمية ما يفرزه التاريخ نكبة يؤدي بالضرورة الى تغييب الفاعل، ويصبح الفعل مبنيا للمجهول، وفي احسن الاحوال للطبيعة .
والمصطلح الآخر التوأم للنكبة هو الاغتصاب وما جرى في فلسطين ليس مجرد اغتصاب بالتأويل الجنسي لهذا المصطلح ذي الجذور الاجتماعية، ولو قبلنا به فان الحل المقترح للإغتصاب في ثقافتنا الشعبية هو تزويج المغتصب من الضحية لستر الفضيحة، لهذا تصبح معاهدات السلام التي عقدت بين العرب واسرائيل حفلات زواج يجري اشهارها كي لا يكون المواليد من ابناء الزنا !
وهناك قرينة بحثية ذات مقترب انثروبولوجي اثارت انتباهي الى هذا المصطلح، هي الاستطلاع الميداني الذي قام به الدكتور حليم بركات في مخيم زيزياء بعد حرب عام 1967 وكانت معظم اجابات النازحين تصب في عبارة واحدة هي هربنا بعرضنا، فالعرض اخذ مكان الارض، مما يفسر هاجسا مزمنا لدى العربي حول مفهوم الشرف بحيث يختزل الى بُعد واحد وهو البعد الجنسوي وكأن الشرف حكر على هذا المجال المشبع بحمولة موروثة من مجتمعات بقي الوأد هاجعا في لا وعيها وان جرى تحديثه بحيث اخذ انماطا جديدة غير اغماد الطفلة في الرمل او التراب .
ولو عدنا الى مصطلح الشرق الأوسط الذي اقترن لأسباب كولونيالية بالشرقين الأدنى والأقصى، لوجدنا انه خلال الصراع العربي الاسرائيلي من اجل التعويم وكأن الصراع اصبح بعد عقود بين دول شرق اوسطية منها دول غير عربية وبين اسرائيل، وكأن هذا التعويم الجيوسياسي مقدمة لاستبعاد دول شمال افريقيا العربية، بحيث اصبحت هذه الطبعة المزورة من الصراع المادة الخام لكتاب شمعون بيريز عن الشرق الاوسط الجديد، وهو يوتوبيا ملفّقة تكون اسرائيل واسطة العقد فيها وبالتالي تدخل الجامعة العربية من الباب وليس من النافذة وليس تسللا من السطح .
وقد يكون مصطلح العولمة الذي اصبح الاكثر تداولا ورواجا في الاطروحات كلها حتى المضاد منها لهذا المصطلح هو الأخطر من حيث دلالاته والافتراق الحاسم بين ظاهره وباطنه، فقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة بدلالات ايجابية في ستينات القرن الماضي خلال الحرب الفيتنامية وكان من استخدمه الكاتب ماكلوهان واراد من خلاله التعبير عن فضيحة تلك الحرب وما اقترفته فيها اميركا من جرائم على صعيد كوني، فما تعولم هو الصورة التي انحازت الى الضحية وبالتالي كانت الشاهد غير المشكوك في صدقه عن الجرائم .
ولو عدنا الى خطاب قديم لروزفلت لوجدنا فيه عبارة تستوقفنا في هذا السياق هي : قدر امريكا ان تؤمرك العالم، وبذلك تكون الامركة هي مضمون العولمة ومحمولها ضمن استراتيجية جديدة تستخدم الاسماء للتضليل وصرف الانتباه، وعلى سبيل المثال قبِل العرب بوعي او بدون وعي تسمية البلدان المحتلة من قوى طاغية بالمستعمرات مثلما قبلوا تسمية الاحتلال ذاته استعمارا، وهي كلمة مشتقة من الاعمار، مقابل ذلك قبلوا بتسمية قرى صغيرة في فلسطين بالتحديد باسم الخِرًب وهي جمع خربة المشتقة جذريا من الخراب .
من آخر المبتكرات التي تقحم المصطلحات في السياسة من اجل التعويم او تهريب الوقائع تسمية العدوان السافر الذي مارسته اسرائيل مرارا على قطاع غزة بأنه حرب، بحيث توحي هذه التسمية بالتكافؤ، وكأنها تدور بين دولتين، وبالأدوات العسكرية ذاتها .
وقد تلد المصطلحات الكبرى مصطلحات فرعية تتأسس على الجذر ذاته، كأن يقال وقف اطلاق النار بين دولة نووية تملك آلاف الطائرات والدبابات وكل اسلحة الابادة وبين شعب يقاوم بما تيسّر له من الحجارة حتى الصواريخ التي يصنعها بنفسه .
وحين تستبدل المقاومة مصطلح المستوطنات بالمغتصبات رغم التحفظ على مصطلح اغتصاب فهي على الاقل تحرم تلك الثكنات المدججة من اسم لا علاقة لها به، فالمحتل ليس مُستوطنا فهو نقيض المواطن الاصلي وليس شبيهه !
ان هذه السلالة من المصطلحات لا تولد بالصدقة وليست نبتا شيطانيا في المعاجم السياسية والاستراتيجية، وهناك مختبرات تعكف على نحتها وصياغتها لتهجير الوعي واستبدال الواقع وبالتالي قضاياه . ونحن نتورط بها احيانا ظنّا منا بأنها القاسم المشترك او الشيفرة التي تتيح لنا التفاهم وايصال الافكار رغم انها سلاح لا يُستخف به، ويكفي ان نتذكر بأن مصطلح عرب اسرائيل الذي يطلق على فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948 استمد شرعيته الملفّقة من التكرار الببغاوي وكان اكثر من مليون ونصف عربي في فلسطين هم من مقتنيات الدولة العبرية او محاصيلها كالجوافة والبطيخ، رغم ان هذه المحاصيل ليست اسرائيلية بدءا من التراب والجذور وما شربته من دماء زارعيها !!!