الأدب العربيّ الجديد بعيون النقد الياباني

الجسرة الثقافية الالكترونية

*تنامي أويه

 

«التعبير والهوية – عبر الحدود: حوار مع الأدب العربي» عنوان ندوات أحيتها جامعة سايكاي -غرب طوكيو مع ثلاثة كتّاب عرب زائرين هم الكاتب العراقي ومحرر مجلّة «بانيبال» صموئيل شمعون، والروائي اللبناني الكندي الحائز جوائز عالمية راوي الحاج، والكاتبة المصريّة منى برنس. وكتبت الناقدة اليابانية تانامي أويه حول هذه الندوة مقالة تناولت فيها هذا اللقاء وأبعاده وتنشره «الحياة» بترجمة ريم غنايم.

< تبلورت فكرة «ندوة الحوار مع الأدب العربي» من خلال متابعتنا «الملتقى الأدبي لآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية» الذي يعقد سنوياً في كوريا الجنوبية منذ العام 2010، وأيضاً من خلال اطلاعنا على نشاطات مجلة «بانيبال» على مدار سنوات عدة لتوسيع حلقة قراء الأدب العربي المعاصر في أنحاء العالم، فضلاً عن تشجيع التعاون بين الكتاب العرب والمترجمين الأدبيّين.

لقد اغتنمت بحماسة هذه الفرصة، ليس فقط باعتباري منسقة ندوات وباحثة في دراسات الشرق الأوسط، ولكن أيضاً بصفتي – من محبي الأدب، للتعريف بالأدب العربيّ المعاصر في سوق الكتاب اليابانيّ الحاليّ، الذي يبدو مترددًا في قبول اي أدب غير الأدب الغربي، والأدب العربي على وجه الخصوص.

في أوساكا (غداة إعصار فونفونغ)، وكان معظم جمهورنا من الطلاب الّذين يدرسون اللغة العربية و / أو المهتمين بشؤون العالم العربي، لفت صموئيل شمعون الجمهور الشّابّ من خلال حديثه عن تاريخ حياته الدراميّ، والتعريف بعمله في مشروع مجلة «بانيبال». وتحدّثت منى برنس عن علاقتها الشخصية بالكتابة وعن تجربتها خلال ثورة يناير 2011 في مصر، ثم قرأت مقطعاً من روايتها «إنّي أحدّثك لترى». وتحدث راوي الحاج عن رواياته الثلاث «لعبة دي نيرو»، «الصرصور» و»كرنفال»، وعن طفولته أثناء الحرب الأهلية اللبنانية وحياته في الولايات المتحدة الأميركية وكندا كمهاجر، مشيراً الى أهمية كتابة الرواية.

وهكذا غادرنا أوساكا مسافرين إلى طوكيو، ونحنُ نشعر بأننا حقّقنا إنجازًا ما. وهنا أودّ أن أضيف بأن هذه الندوات تمّ تنظيمها كجزء من مشروع أكبر بعنوان «مهرجان 2014» الذي تضمّن نشاطات أخرى مع منى برنس وراوي الحاج والكاتب الفلسطيني محمد خشان الذي تحدث عن مذكراته «الخط الشمالي» التي يروي فيها المأساة الفلسطينية، من خلال سيرته الشخصية.

وقد عقدت ندوة كبرى في جامعة سايكاي حضرها جمهور كبير من الباحثين والمحررين والناشرين والقراء. بعد كلمة الافتتاح التي ألقاها رئيس الجامعة يويتشي كاميجيما، وكلمة مديرة مركز دراسات آسيا والمحيط الهادئ، لي تشونغوا، تحدثتُ بدوري عن آمالي وتوقّعاتي للندوة ونتائجها، مشيرة الى أنّ تشكيلة الضيوف نفسها، توحي بتعددية الأدب العربي المعاصر وتجعلها ماثلة أمام القراء اليابانيين، الّذين غالبًا ما امتلكوا صورة محدودة منه.

أثارت كلمة الافتتاح التي ألقاها صموئيل شمعون جوًا حماسيًا لهذا الحدث برمّته، وألقى في مقدّمته الضّوء على تجربته الشخصية في قراءة يوسف إدريس ونجيب محفوظ وطه حسين بصورة خاصة، مدخلاً الجمهور إلى هذا العالم الكلاسيكيّ الحديث للأدب العربي. ثم تحدث عن الظروف التي جعلته يكتب «عراقي في باريس» وقرأ بصوته مقطعاً من الكتاب. بعد ذلك شرح كيف قام بتأسيس مجلة «بانيبال» التي بدأت معها حقبة جديدة في مشهد الأدب العربي المعاصر في العالم الناطق بالإنكليزية.

أما منى برنس فبدأت حديثها باعترافها بأنّه كان من الصعب عليها أن تكون امرأة متحررة في مصر، عائدة إلى طفولتها المتمردة، ومشيرة إلى نمو الحركة الإسلامية في مصر، وأوضحت كيف قامت بكسر حاجز الجنس، وهو أحد التابوهات في مصر، بتأليف رواية وجّهت نقدًا للهيمنة الذكورية في العلاقة الجنسية، قامت بقراءة مقاطع منها.

مع التركيز على كلمة «الهوية» في عنوان الندوة، تحدث راوي الحاج حول الهوية العربية، موضحاً إنها تاريخيًا هي هويّة متعددة الثقافات وتشتمل على الأقليات، وهي حاضرة نتيجة التسوية والمزج بين العديد من الأديان والثقافات. في روايته الأولى «لعبة دي نيرو»، وهي رواية تعتبر ردّاً على الجانب الديني للحرب الأهلية اللبنانية، يصف الحاج التطلع إلى تحقيق المصالحة بين أطياف الشعب اللبناني على رغم أن الواقع لم يكن يسمح بذلك. أما في ما يخص روايته الثانية «الصرصور»، فقد أشار إلى أن فعل السّرد حرّر الفرد من مأساته – الذاتية وصاغ قصة تاريخية من شأنها أن تسمح للقارئ بالمساءلة.

وإضافة إلى ذلك ضمت ندوة جامعة سايكاي ثلاثة من الضيوف المعلقين اليابانيين البارزين. في البداية، تحدثت كاورو ياماموتو، وهي متخصصة في الأدب العربي، حول الأدب العربي وقرائه اليابانيين والجهود الحديثة التي بذلها باحثون يابانيون عديدون للتعريف بهذا الأدب على نطاق أوسع. ثم تحدث ماساكوني أوتا، الذي يمتلك خبرة طويلة بصفته محرّرًاً، عن ضرورة التبادل الثقافي بين الكتّاب، مشيراً إلى تجربته السابقة في مؤتمر أدباء آسيا وأفريقيا. وأخيراً انبرى للحديث الكاتب الياباني الشاب ماساتسوغو أونو، وهو أيضاً باحث في الأدب الفرنسي، فتحدث عن أعمال راوي الحاج، وركّز على روايته الأولى «لعبة دي نيرو» المترجمة إلى اليابانية. كما أشاد أونو برواية صموئيل شمعون «عراقي في باريس»، التي قرأها في ترجمتها الفرنسية، وقال «لقد أضحكتني كثيراً، وكذلك جعلتني أبكي» وأوصى بضرورة ترجمتها إلى اللغة اليابانية.

هذه الندوة الغنيّة والمثمرة التي دامت خمس ساعات حملت في طيّاتها الكثير من الإثارة التي جعلتني أشعر بفرح عميق لِكوني قارئة للأدب العربي وقادرة على مشاطرة حبّي له مع جميع المشاركين.

 

 

* تانامي أويه، باحثة يابانية في دراسات الشرق الأوسط. تعمل حالياً ككبيرة الباحثين في مركز دراسات المحيط الهادئ في جامعة سايكي Seikei.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى