«الأساطير السود» من باريس إلى العالم

الجسرة الثقافية الالكترونية
*نبيل مسعد
المصدر: الحياة
الصدى الذي أحدثته مسرحية «أساطير سود» (بلاك ليجندز) الغنائية الراقصة التي أخرجها فاليري رودريغيز، في باريس، رشّحها لجولة في الريف الفرنسي ومن ثم في مدن أوروبية وغربية طوال العام 2015.
قدّمت المسرحية على خشبة «فولي برجير» الباريسية العريقة والضخمة لمدة ثلاثة أسابيع أخيراً. وهذا المسرح هو بالفعل خير مكان لتقديم مثل هذا الاستعراض الجذاب، لأنه من أكبر القاعات المسرحية في العاصمة الفرنسية وأجملها، وعرف أوج مجده في خمسينات القرن الماضي وستيناته وسبعيناته، واكتسب سمعة عالمية جعلته يحتل مكانة مرموقة في قائمة الأماكن التي لا بد من أن يزورها السائح في باريس أسوة ببرج إيفل ومتحف اللوفر.
كان «فولي برجير» يقدم الاستعراضات الغنائية الراقصة الثرية في ديكوراتها وملابسها والخدع المرئية التي كانت تسود الفقرات المطروحة. وبين العروض التاريخية التي قدمها «الفرسان الثلاثة» (عن رواية ألكسندر دوما الشهيرة) الذي ضم خيولاً حقيقية تركض على الخشبة فيما كان الفرسان يتبارزون وهم يمتطونها. استمرت هذه المسرحية أكثر من ثلاث سنوات متتالية محققة من النجاح ما يصعب إعادته في الأيام الحالية، خصوصاً أن قاعة مسرح «فولي برجير» تتسع لأكثر من ألف متفرج.
في ثمانينات القرن الماضي، انتقلت ملكية «فولي برجير» إلى أيد جديدة وبالتالي صار المكان يستقبل المسرحيات الأكثر تقليدية والجيدة ولكنها غير مناسبة لضخامة الخشبة. وفي مطلع الألفية الحالية، عاد «فولي برجير» إلى تقديم العروض الغنائية الراقصة الفرنسية والإنكليزية والأميركية بلا تمييز، جاذباً مرة جديدة الجمهور المتنوع والمتعدد الجنسيات.
عبء العبودية
تجمع مسرحية «أساطير سود» 32 ممثلاً وراقصاً ومغنياً، إضافة إلى فرقة موسيقية تتألف من عشرة عازفين ماهرين، وكلهم بطبيعة الحال من الزنوج بما أن العمل يروي تاريخ الموسيقى السوداء انطلاقاً من جذورها الأفريقية حين كان السود مستعبدين ويغنون للتخفيف عن أنفسهم عبء العبودية. ويتناول العرض لون موسيقى الجاز في الولايات المتحدة الأميركية، ومن بعده البلوز، ثم الغوسبيل إلى الهيب هوب والآر أند بي في العهد الحديث. وتسمح اللوحات الموسيقية الراقصة الحيّة التي يتضمنها العرض بسماع أشهر وأقوى ما غناه وعزفه كل من لويس أرمسترونغ وذي بلاترز وإيلا فيتزجيرالد وأريتا فرانكلين وتينا تيرنر وجيمس براون وراي تشارلز ومايكل جاكسون، وصولاً إلى أعمال بيونسي وريهانا في الزمن المعاصر.
تميّز إخراج المسرحية بالجودة وبالحركة وبحسن إدارة الفقرات الراقصة التي تثير الدهشة بفضل خفة حركة الفنانين.
وكل أغنية قدمت في العرض كانت نابعة ليس فقط من حنجرة فنان أو فنانة من الدرجة الأولى، بل من القلب والمشاعر العميقة. ورغم أن الإيقاع العام للاستعراض لا يترك لحظة للمتفرج كي يستعيد أنفاسه، فإن العنصر الوحيد الذي يؤخذ سلباً على المسرحية هو مدة عرضها التي تتجاوز أربع ساعات، الأمر الذي ارتأى المخرج تغييره في العروض المقبلة. وستحذف مشاهد تخص العبودية في البداية، والفقرة الخاصة بفوز باراك أوباما في الانتخابات الأميركية أيضاً، ليسلَّط الضوء على الألحان الشهيرة عالمياً التي رددها كل من الفنانين المذكورين، بالتالي لن يتجاوز العرض ساعتين ونصف ساعة.