‘الأنثوية في الأدب’.. إشكالية المصطلح وتحليل نصوص إبداعية

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

“الأنثوية في الأدب.. النظرية والتطبيق” كتاب جديد للناقد الدكتور إبراهيم ملحم، صدر حديثا عن عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع في الأردن، ويقدم الكتاب دراسات منفصلة للأدب النسوي من خلال التحليل النصي لنماذج من الأدب الذي تكتبه المرأة في الأردن مثل جواهر رفايعة وحنان بيروتي وسامية عطعوط وجميلة عمايرة وغيرهن، ونماذج من الأدب الذي يكتبه الرجل أيضا بمخاطب أنثوي كما في شعر مازن شديد وروايات هزاع البراري وقصص سمير الشريف.

 

وقد تناول الدكتور ملحم في دراسته ومحاوراته للكاتبات إشكاليات تتعلق بالمصطلح الذي ارتبط بكتابة المرأة “الأدب النسوي” وأثار في عرضه للنصوص وفي أسئلته التي قدمها لبعض الكاتبات قضية الاعتراف بوجود هذه التسمية وهل توافق المرأة الكاتبة أن تطلق صفة بيولوجية على كتاباتها أم لا.

 

وقد عبرت بعض الكاتبات عن رفضهن لهذه التسمية على اعتبار أن هذه التسمية غير دقيقة فكيف من الممكن إطلاق مصطلح “الأدب النسوي” وليس من الشائع إطلاق تسمية “الفن التشكيلي النسوي” مثلا، أو “الموسيقى النسوية”، لكنهن مع رفضهن الاعتراف بمثل هذه التسمية، إلا أنهن اعترفن بوجود كتابات أنثوية تقابلها كتابات ذكورية، لا تتعلق بقضية رجل أو امرأة بقدر ما هي نسبة الأنثوية التي يحتويها النص سواء كان الكاتب رجلا أو امرأة، ونسبة الذكورية التي يحتويها أيضا بغض النظر عن جنس كاتبه.

 

أما الخصوصية التي تكتب بها المرأة نصوصها المختلفة كما ذكرت بعض الكاتبات، والروح المتفردة التي تظهر في نصوص المرأة، وعنايتها بالتفاصيل الدقيقة فيمكن إدراجها جميعا تحت باب الفروق بين كتابة الجنسين، إذ تحفل أيضا كتابة الرجل بخصوصية وتفاصيل وسمات خاصة.

 

وما دام النقاد لم يطلقوا على كتابة الرجل أدبا ذكوريا، فتسمية الأدب النسوي كما ذكرت القاصة جواهر رفايعة تبقى لونا من ألوان التمييز والعنصرية التي تتعامل مع المرأة ككائن فضائي “ولكوني أدرج تحت هذه التسمية، أعتقد أنه لا يحق لأحد وضع كتابتي ضمن تصنيفات تكرس وتعمق الهيمنة الذكورية، والوصف البيولوجي المتحيز حتى في الإبداع للجنسوية”.

 

بالمقابل اعترفت الكاتبة مريم فريحات بالتسمية ورحبت بها على اعتبار أن المرأة كانت في المجتمعات القديمة محرومة من حق البوح، وكان الرجل بما له من هيمنة ذكورية وصيا على صوتها، ولهذا فإن الأدب النسائي كما ترى الكاتبة ضرب من التأليف تكتبه امرأة مبدعة وموضوعه كل ما يمكن للمرأة أن تبوح به.

 

وقد جاء الكتاب في مقدمة وبابين، احتوى الباب الأول على فصلين أورد الدكتور ملحم في الفصل الأول نظريته “الأنثوية: الذاكرة والنظرية” التي حلل من خلالها نماذجه، وحدد فيه العلاقة بين الفحولة والانوثة في الذاكرة العربية، ورصد مظاهر الحرب التي شنت على الكتابة النسوية، وألقى الضوء على فتنة الكتابة عند الأنثى واستعرض مكونات نظرية الكتابة الأنثوية، وحال الكتابة الأنثوية في الأردن.

 

وفي الفصل الثاني: “تجليات الأنثوية في التفكير النقدي” تناول الناقد التسميتين الشائعتين أكثر من غيرهما: الأدب النسوي والنقد النسوي، وحدد معنى الكتابة الأنثوية ومتطلباتها، ومظاهر الحرية التي تجلت فيها، وآفاقها والجهود النقدية التي قدمت حولها في الاردن.

أما الباب الثاني: “التطبيق” فقد تضمن سبعة عشر فصلا حلل فيها الناقد نصوصا إبداعية كتبها ذكور وإناث، وظهرت فيها الأنثوية بارزة من خلال تجليات عديدة: الأمومية، والواقعية، والانشطارية، والصوفية، والهامشية، والشاعرية، والدونية، والضحية، والانفتاحية، والصدامية، والعبثية، والروحية، والضعيفة، والتنويرية، والعشقية، والعدوانية والبوحية.

 

ويحاول الدكتور إبراهيم ملحم في كتابه هذا أن يحدد المعاني الفاصلة بين الأنثوية التي تقوم عليها النصوص الإبداعية، وبين النسوية التي تشيع تسميتها أكثر من غيرها في الكتابات النقدية، وقد قدم الكتاب قراءة للنصوص من خلال أقوى تجليات الأنثوية في الخطابين: الأدبي والنقدي بوصف الثاني داعما للأول، وليس معوقا أو منظرا له.

 

وقد اتخذ الكتاب النتاج الأدبي الذي كتبته المرأة في الأردن مادة رحبة للدراسة خاصة وأنه ظهر في الأردن جيل التسعينيات من الكاتبات اللواتي أخذن على عاتقهن الارتقاء بفن السرد القصصي وتطوير الأساليب القصصية وطرح قضايا في غاية الخصوصية الأنثوية، وقد جعل الكتاب هذه الظاهرة الكتابية في الأردن نموذجا عن الكتابة النسائية في الوطن العربي بشكل عام والكتابة العالمية إلى حد كبير ومتقارب.

 

وقد استهدفت هذه الدراسة النتاج الأدبي المعاصر للكاتبات والكتاب ليكون هذا النتاج مواكبا للحراك الحي على الساحة الثقافية، وليأخذ التطبيق فرصة للانسجام مع المتغيرات الكثيرة على حياتنا خاصة بعد الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي.

 

لذلك عمد الدكتور ملحم إلى استهداف الأعمال الإبداعية المنشورة في الصحافة والدوريات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وفي المدونات الخاصة على الانترنت.

 

وقد خلصت الدراسة إلى ضرورة تجاوز البحث في تسمية الأدب النسوي إلى قراءة الأدب لأن قراءة الأدب منفصلة عن التسميات تجعل أدبنا متقدما على مستوى الإبداع والنقد، وعلى الناقد كما يقول الدكتور إبراهيم ملحم أن يدخل إلى النص المعاصر له حتى يظل خطابه النقدي طازجا وقادرا على الربط بين التجارب السابقة محليا وعالميا، فما تقدمه الأديبات الاردنيات من نصوص تحفل بثقافات وفلسفات وتقنيات فنية، إضافة إلى مخاطبة الإنسان الكوني بصرف النظر عن الاختلافات الهامشية في اللون واللغة والجنس، ليست هزيلة أو ساذجة، فهي نصوص تستحق الدراسة والمتابعة والتحليل.

 

وللدكتور إبراهيم ملحم الكثير من الدراسات والمتابعات والمقالات والكتب النقدية في الترجمة والأدب الجاهلي واللغويات والنظريات الأجنبية، والنصوص التفاعلية والأدب الرقمي.

 

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى