التشكيلي الليبي “عادل جربوع” إقامة المعارض تعلّمنا المغامرة في التنوع

الجسرة الثقافية الالكترونية
*عذاب الركابي
فنّان تشكيلي لا يرسمُ بأصابعهِ بلْ بجسدهِ كلّه ..ولهذا حينَ تقرأ لوحته التشكيليّة لا تخطأها أبدا ً .. ،وكأنّه ُ يُلونُ بحراة ِ أصابعهِ .. وكريستال دمعهِ ..ورمادِ جسدهِ الياقوتي .. وغيوم عواصف فكرتهِ ..، يجذبكَ في حركةِ ريشتهِ الريحانية التي لا تنجز لوحة ً تبهرُ العينَ .. وتثقفها فحسب ، أو قصيدة ترتّبُ نبضَ القلبِ وتموسقُ هواجسَه ، بلْ يُهيأ عوالمَ شفافة جديدة ، تعقدُ حلفا ً دائما مع مواكب الدفء .. والعشق .. والصباحات .. والأحلام .. والمطر .هكذا رأيت الفنّان التشكيلي المُثابر ” عادل جربوع″ .. لا بعين الشاعر الحالم فحسب ، بلْ بعين العاشق الهاوي المسحور بالتشكيل وكيمياء اللون .. وفلسفة الخط وعبقرية الفرشاة ، وهو ما أورثتني إيّاه الكلمات .. ثروتي.. وشمسي ..، قاهرة الموت والذبول .. صانعة الحياة .. وهي مع اللوحة الأطول عمراً من الحجر والمدى ..!!
عادل جربوع″ حينَ يرسمُ يكتبُ شعراً صامتاً .. هكذا يقولُ ، وهذا ما تنبئ بهِ ثقافته التشكيلية الممغنطة بأطياف القصائد والقصص والروايات والكتب التي يدمنُ قراءتها .. ونحنُ حين نذهب بحماس ٍ وحُبٍّ إلى معرضهِ ، فقط لنقرأ قصائد ملونة .. تشكلُ إضافة ً لنزيفنا الشعريّ بلا انتهاء . هادات في الفنّان التشكيلي عادل جربوع .(( متمرد من موهبة فطرية مليئة بالصراخ الصامت .. أخذت خصوصية هذا الفنّان تتحرّك من أخطر نقطة وهيَ الدخول إلى المعاصرة والمستقبل والحداثة من خلال صلب التراث الإنسانيّ الأصيل متحاشياً القفز فوقه ، وتلكَ فكرة ذكية جعلتهُ يشكّل الأزمنة والإيحاءات والألوان والضلال بريشةٍ واحدة ذات إيقاعات متعددة ، ما يجعلنا نقف أمام لوحاته متنقلين منذ عصر الكهوف إلى فراديس بابل المعلقة ، ونمرّ في سموات الحضارات الكبرى ، ثمّ نتجول في مداخل النفس الإنسانية ونحدق في منعطفات وانعكاسات مجردة من الخرائط والخطوط الوهمية..)).
شاعر الحداثة الكبير الراحل – علي الفزاني .(( عادل جربوع فنّان ليبي كبير متمكن من أدواتهِ .. صقلَ موهبته بعرقهِ وعملهِ الدؤوب ، وسهره الليالي الطوال أمام اللوحة من أجل تجويد خلقها .. وهوَ لا يطلقها لفضاء العالم المجهول إلا بعدَ أنْ يزودها بكلّ ما تحتاج إليه من حياة.. ودفء.. وفن )).الروائي – محمّد الأصفر .(( ولعل ما أضافهُ الفنّان عادل جربوع إلى لوحتهِ .. وإلى الفنّ التشكيلي الليبي لهوَ ترجمة حضاريّة معاصرة لهوية الفنّ ، حينَ يكون مرتكزاً على قيمهِ ومفاهيمه التي تشكّل ثقافة بيئته ، وبأسلوب يضعُ المشهد الفنّي التصويري في منطقة تجاورُ بينَ فعل التجريد من زاوية ِ وفعل التكوين والتشكيل من زاويةٍ اخرى )).
الكاتبة – لينا العمّاري
.(( حينَ بدأ الفنّان عادل جربوع بالظهور كرسام طموح ، كانَ المشهد التشكيلي الليبي الحديث قدْ ترسّخَ على أيدي الرواد المُؤسّسين من رسامين كبار كالعباني والمغربي وغيرهم من الرسامين الذين درسوا الفنون بالخارج ، وبدأوا مغامرة التشكيل الحديث في ليبيا)).
سيرة ذاتية
. من مواليد بنغازي 1961م.
. فنان تشكيلي – مصمّم ملصقات ومناظر مسرحية .
.سبعة وعشرون معرضاً جماعياً .. وأكثر من سبعة معارض فردية.
. من المعرض الجماعية :
– معرض : ليكون البحر المتوسط بحر سلام – فيرونا – إيطاليا – 7- 2005
– معرض على هامش مهرجان 24 ساعة مسرح بدون توقف – الكاف – تونس 3- 2005
– معرض افتتاح رواق السلفيوم – مجلس الثقافة العام – بنغازي – 8-2007
– مهرجان هون السياحي – هون – 11- 2007
– معرض الفنون الداعم لغزة – دار الفنون – طرابلس 2009
وغيرها ..!!
. من المعارض الفردية :
– معرض جامعة قار يونس – 1993
– المعرض الأول 1996
– معرض بنغازي السياحي – 1997
– معرض راس لا نوف – 1997
. صمّم عديد المناظر للمسلسلات الليبية الاجتماعية لإذاعة ليبيا منها :
( اسهل أكاديمي ) – 2004 و(هدرازي 3 – 2008 و)ليبي كوم) – 2008وعديد مناظر الأعمال المسرحيّة منها :
( التحطيم )- 1997 و( جاك الليل)- 1997 و( الغجر غجر) – 1999 و( شيع وطي) – 2001
و( توتر) – 2002 و ( بائع الريح- 2007 .. وغيرها !!
اللوحة ُ مُلهمة ُ الإنسان .
{ اللوحة ُ رحلة ٌ .. وحلمٌ ..حالة اصطياف في اللامرئي .. ومساحة دافئة للحبّ .. للعلاقاتِ ..للطيران .. وحالة تواصل مع العالم .. كيفَ ترى اللوحة ؟؟
– اللوحة هيَ تلكَ الساحرة الجميلة التي تلهمُ الإنسان ، وتحملهُ إلى عالم في غايةِ الجمال .. عالم ٍ رائع ٍ .. مليء بمشاعر الحبّ والسّلام .. مليء بالأحلام والعشق ..،اللوحة ُ تخلقُ عوالمها الخاصة ، وتحيلُ المتفرج إلى دهشتهِ الصادقة ، فتمتزج لديه ذكريات طفولتهِ وطفولة الكون ..، إنّهُ عالمٌ يطلعُ مباشرةً من الطفولة ليدخلَ في حلم ٍ أسطوريّ لا ينتهي ..!! إنّها بالفعل رحلة ٌ .. حلمٌ .. وعشق ٌ تعجز الكلمات عن التعبير عنها ووصفها .. مهما ابتكرت من بلاغات .. وأخيلة !!
أقرب الاتجاهات الفنية إلى نفسي هو السريالي .
{ خلال هذا العصر المزدحم بأنماط واتجاهات الفنّ التشكيلي ، الذي يبهرُ الناس كلّ يوم ٍ بالمزيد من الصور.. والخطوط .. والألوان التي تشكل الكون .. وتجمّل الحياة وأنت جرّبت عديد الاتجاهات .. وخضت في تفاصيل المدارس التشكيلية . قلْ لي أين وجدت ذاتك كفنّان متميز؟؟
– بالرغم من اكتسابي لتجارب فنّية متواضعة ، جرّبت الكثير من الاتجاهات الفنّية ، وحتّى الآن لا زلتُ في مرحلة البحث عن الذات ..، مرحلة البحث عن هويتي الفنّية ،أيّ الهوية النهائية التي يعتمدها الفنّان طوالَ حياتهِ ..، وهذا الأمر لا يتمّ إلا نتيجة شراهة ثقافية شاملة تستوعب ما هوَ أبعد من الفنّ التشكيلي ، وهوَ من مكوناته ،أعني المجالات الأدبية الأخرى ، فنون الحياة التي لها علاقة وثيقة بلْ ضرورية للرسم مثل : الشعر ، والرواية ، والمسرح ، والسينما وغيرها ، ومما يكتب حول فلسفة وماهية هذهِ الفنون ..إنّ أقرب الاتجاهات الفنية التشكيلية إلى نفسي في الوقت الحاضر هو الاتجاه السريالي ..، ويعود ذلك لكوني أجد تقارباً بيني وبينَ هذا الاتجاه من خلال الإحساس بالإضافة إلى الموسيقا التي تتسلل إلى دواخل نفــــــسي كلوحةٍ سريالية ..!!
الإنسان هوَ العنصر الأساسي في تفكيري التشكيلي .
{ قراءتنا الحالمة المتأنية للكتاب دلّتنا على الكلمة – الإنسان ، فهل يدلنا الفنان التشكيلي عادل جربوع على اللوحة – الإنسان ؟؟
– اللوحة الإنسان هي اللوحة التي تعبّر عن حقيقة الإنسان ، وترسم ما يدور في داخلهِ من هواجس وأحلام ..، عندما تراقب لوحاتي تجدني أبحث عن الحقيقة ، والإنسان هوَالعنصر الأساسي في تفكيري التشكيلي ..، وكلّ ما تبقى يدور حوله وكأنّهُ المحور الكامل لكلّ الاتجاهات والجهات ..، وعبرَ الألوان بدأت أشعرُ إني اخترق الزمان والمكان .. وبدا لي الإنسان جزءا ً من الحقيقة الكبرى ..!!انا أغازلُ اللوحة .. كما تغازل أنتَ القصــيدة .
{ بينكَ وبينَ الخط واللون والفرشاة أسرار .. وحالات عشقٍ ..قُلْ لي مَنْ منكما يمتلكُ القدرة ً على البوح أكثر.. حدّثني !!
– عندما أقومُ بمغازلة اللوحة يحدثُ نوع من التحاور والهمس بيني وبينها ،يكونُ نتيجة عصارة الآلام .. والقلق .. والحرمان .. والعشق على تلك اللوحة التي هيَ حالة ، كما هيَ حالة القصيدة لديك ، عندها من الصعب جداً أنْ أحدّد مَنْ منّا يمتلك القدرة على البوح أكثر ..، لأننا وجهان لعملة واحدة ، وكما يقول الفنّان بول كلي: ” أنا واللون شيء واحد”..!!
القراءة جعلت نظرتي للفنّ أوسع وأشمل .
{ القراءة حلمٌ .. قلْ لي ماذا تقرأ ؟ وما مدى تأثير القراءة عليك كفنّان وعلى لوحاتك ؟؟
– أقرا الشعر ، وبعض كتب الفلسفة ، والكتب المتخصصة في مجال الفنَ التشكسليي ،والواقع أنّ القراءة فتحت بصيرتي بشكل ٍ عميق ٍ على مفاهيم الفنّ ، وكانَ لها تأثير في جعل نظرتي إلى الفنّ أوسعَ وأشملَ من ان يقتصرَ على التقنية وتأثيرها فعّال على معرفتي لفلسفة الللوحة وماهيتها .. والشعر بالذات لهُ تأثير كبير في معظم لوحاتي ،
وأنا أعتبر الشاعرَ رساما ً ناطقاً ، والرسام شاعراً صامتا ً .. وتلاحظ عندما تريد إضفاء صفة حسنة على لوحةٍ ، تقولُ أنها قصيدة رائعة..، وعندما تريد أن تمدحَ لوحةً تقول أنها لوحة في غاية الجمال ..!!
{ في لحظةِ القلق .. والحيرة .. والموت البطيء يستنجدُ الكاتب والشاعر بالكتاب أقرب الأصدقاء.. وأكثرهم نقاءً ودفئا ً.. أوبالقلم ِ والورقة .. قلْلي إلى أينَ يلجأ الفنان التشكيلي في حالاتِ عذابٍ مزمنةٍ كهذهِ !؟؟
– الفنّ التشكيلي تعبير عن الوجدان ككل ِ الفنون ..،وفي لحظة القلق والحيرة يلجأ الفنّان إلى عالمه الخاص .. إلى الألوان .. والأقلام .. والمساحات البيض ، لأنّ اللوحة كالمرآة تعكسُ ما في الداخل ، وتتعدد هذهِ المرايا بتعدّد اللحظات ، وتعدّد الرغبات في التعبير.. أو التشكيل !!
{ تتابع الحركة التشكيلية في الوطن العربي بالتأكيد .. مَنْ مِنَ الفنّانين العرب تنجذبُ إليه .. ويشدك أكثر !؟
– تشدّني أعمال الفنّان العراقي ضياء العزاوي كثيراً .. لشاعريتهِ ، بلْ للوحاتهِ التي تقرأ كقصائد سريالية جميلة !!
ناجي العلي فنّان الغـــــــضب الساخر
{ و” ناجي العلي” الذي أهديتَ لهُ لوحة ً رائعةً في أحد معارضك َ..ما الذي يجمع بينكَ وبينَ هذا الفنّان الشهيد ؟؟
– يجمعُ بيننا حبّ الفن ، والتعبير عن أحاسيس ومشاعر الناس ، بكلّ صدق ٍفي الرؤية والمعاناة والأمل الذي لا يغيب ولا يتلاشى .. والفنّان الكبير “ناجي العلي”لا يزال معنا بلوحاته النضالية .. وأفكاره ، واعتبره فنّان الغضب الساخر.. المتمرّد على المألوف .. الثائر على الظلم .. واترك لك وللمشاهد لوحتي تحدثك عن ناجي العليفهي أبلغ تعبيرا ً من حديثي عنه !!
كلّ إنسان في داخلهِ شيءٌ من النرجسية .
{ كلُّ فنٍ تربتهُ الخصبة ُ الذات .. ولوحاتك الأخيرة تجسّد هذا المفهوم تجسيدا ً حيا ً .. ترى هلْ التعبير عن الذات رؤية أمْ طموح ؟ أمْ ماذا ؟ – أعتبرُ أنّ التعبير عن الذات رؤية وطموح ٌمعاً ..، وطموحي هوَ أنْ أرسمَ الإنسان الكامن في داخلي ، في حالاتهِ كلها ، وما أكثرها .. أنظرُ إلى بداياتي فأفرح .. أنظر إلى حاضري فأضطرب.. ، أحاولُ النظر إلى مستقبلي فلا أستطيع رؤية نفسي ، لكنّ شيئا ً ما يختلجُ داخل الضباب الآتي .. وكثير من الناس يعتبرون رسم الذات ” نرجسية” ،وأنا أعتبره شيئا ً طبيعيا ً ، لأنّ كلّ إنسان يحملُ في داخلهِ شيئاً من النرجسية ، مَنْ الذي يتمكن من حبّ الآخر إذا لمْ يحبّ نفسّه !؟؟ حتّى الفنّان العظيم فان كوخ حينما رسمَ وجهه عدّة مرات ، فإن ذلكَ لمْ يكنْ نوعا ً من النرجسية ، بقدر ما كانَ نوعاً من تأمل هذا الوجه الذي يحملُ هموم المجتمع والآخرين !! . اللوحة التشكـــــــيلية في ليبيا في تطور .
{ ماذا تضيف إقامة المعارض للفنّان ؟ وأصدقاؤك التشكيليون ماذا تقولُ لهُم ؟ وما الجديد والمبهر والمفاجئ في اللوحة التشكيلية في ليبيا ؟
– إقامة المعارض علمنا المغامرة في التنوع ..، ويمنح الثقة في التعامل مع الموضوعمن حيث الدقة في هندسة اللون ، وقراءة ما في عين الزائر والمشاهد .وبالنسبةِ لأصدقائي الفنانين أقولُ أنهم في مستوى جيد جداً ، وأرى البعض منهم الآن في صحوة فكرية متكاملة .. وينظرون إلى المستقبل بوعي ، ويقبلون كلّ ما يؤدي إلى مستقبل ٍ فنّي زاهر . واللوحة في ليبيا بدأت تتطور ، وتواكب الحركة الفنّية في العالم العربي ..، ولكنّها لازالت حائرة بينَ المذاهب الفنــــــــــية المختلفة ، ولم تستقر حتّى الآن على شكل ٍ مميز ٍ لها