التنين الصيني رحلة ثلاثين عاما من التطلع للمستقبل

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

محمد الحمامصي 

ثلاثون عاما من 1978 حتى 2008 نقلت الصين من دولة من دول العالم الثالث الفقيرة والمتخلفة إلى دولة تسبق العالم وتحتل مكانة أولى بين الدول الكبرى، فلا يمكن لأحد الآن أن يغفل ما حققته من سطوة إقتصادية وعسكرية وإنتاجية وتقنيية وتكنولوجية وعلمية، وهذا ما يشكل حضورها الآن على الخارطة العالمية.

 

كل ذلك استطاعت تحقيقه في ثلاثين عاما بفضل توفر القيادة الواعية والمخلصة والوطنية التي تمثلت أول ما تمثلت عام 1978 في الرئيس دينغ شياو بينغ، الذي قال “العلم والتكنولوجيا هما القوى الإنتاجية”، وقال “المثقفون جزء من الطبقة العاملة”، ففتح الطريق للتنين الصيني لكي يستجمع كامل قدراته وطاقاته وينهض ليبني ويدخل إلى المستقبل عفيا فتيا، وقد التزمت القيادات التي تولت الحكم من بعده بنهج التنمية فكانت الصين الآن.

 

إنها، وكما يؤكد كتاب “الطفرة الصينية.. ثلاثون عاما من التنمية” للباحث الصينيي “ووشياو بوو” وترجمة د. رشا كمال، أن الصين ليست معجزة ميتافيزيقية إنها إرادة، إرادة الرغبة في الحياة والتقدم والرفاهية بأيدي أهلها وشعبها وقياداتها، إرادة أن تكون دولة تملك قرارها وتحقق ازدهارها بنفسها، فالتقدم والتخلف قرار سياسي أولا وأخيرا.

 

إن الكتاب الصادر أخيرا عن الدار المصرية اللبنانية، يتتبع صعود ومسارات هذه الطفرة في تفاصيلها الصغيرة، الاقتصاد، السياسة، التعليم، الانترنت، الرياضة، الثقافة والفنون والسينما وغيرها من المجالات، وكيف تكون النهر الكبير من هذه التفاصيل، كيف تحولت كل الأقاليم والمقاطعات الصينية إلى خلايا نحل، حيث آمن العمال بأن عائد عملهم عائد إليهم، ولن يذهب إلى جيوب حفنة من الرأسماليين على طريقة الغرب، لم تحكمهم المقولات الزائفة عن الحرية حيث الشعار الأبرز هو “الممارسة هي المعيار الوحيد لاختيار الحقيقة.

 

ويشير ووشياو إلى أن مسار الإصلاح الذي استمر ثلاثين عاما في الصين يكشف أن أكبر التغيرات دائما ما تنتج من الجماهير وعامة الناس. بالنسبة لواضعي السياسات فعلاوة على ما يتطلبه الأمر من شجاعة وجرأة، فالأمر يكمن في فهم كيفية اغتنام الفرص، قيادة الإبداعات الشعبية إلى الطريق الصحيح.

 

ويقول “في العام 1978 لم تكن الأحداث الاقتصادية الأكثر أهمية في الصين تخرج من قلب المدن، ولكن من قرى فقيرة ونائية، ففي مساء يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني وفي كوخ مهدم لفريق إنتاج صغير بقرية “شياو قانغ” ببلدية فنغيانغ “بمقاطعة “آنهوي” قام 18 مزارعا شاحبي الوجه وضعيفي البنية وعلى أنوار مصباح الكيروسين الخافت، قاموا بالبصم على العقد بأصابع متوترة مقسمين “برغبتهم في السجن والموت، على أن يقوموا بتنفيذ “نظام المسئولية الأسرية”، تم حفظ هذا العقد فيما بعد في متحف الثورة الصينية واعتبر الطلقة الأولى في الإصلاح الريفي”.

 

هذا النظام القائم على العمل على اكتفاء الوطن ثم الجماعة ككل والباقي يتم الأكل به، انتشل القرى من الفقر والحاجة حتى لقد انتشر في القرى وعم أرجاء البلاد محدثا تغرات واسعة في الريف الصيني.

 

ويضيف ووشياو أن التاريخ له وجهان مثل يانوس “الإله ذو الوجهين” في الأساطير الرومانية أحدهما ينظر إلى الماضي، والآخر يتطلع إلى المستقبل.

 

وإذا نظرنا إلى الوراء في عام 1978 كانت الصيين في ذلك الوقت تمشي وحيدة على حافة العالم، حيث أخمد الصراع السيياسي طويل المدى همة وعزيمة الناس تجاه المستقبل، واختنقت القوة الفردية بشدة، في بداية مسيرة الانفتاح، بدا على الجميع من القادة إلى عامة الناس الحيرة والضعف، دون اليأس من المساعدات الأجنبية وعجز الأموال المحلية والأنظمة القاسية كبلت أيديهم وأرجلهم جميعا.

 

ولكن في خلال فترة الـ 30 عاما الماضية، في دولة يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 1.3 مليار نسمة، انهار نظام الاقتصاد المخطط الجامد يوما بعد يوم، وقامت مجموعة من صغار الناس غير الراضين عن مصير حياتهم بتحويل الصين إلى حقل تجارب كبير على مسمع ومرأى من الناس، وغيرت المواقف الثابتة اتجاه العالم والمجتمع التجاري، واندفعت الناس إلى طوفان التاريخ سعيا وراء السعادة والديمقراطية الخاصة بهم، كما قال رئيس مجلس الدولة ون جيا باو “الإصلاح الصيني هو إصلاح يقوم على أساس الحرية للجماهير” ويقول من وجهة نظر تاريخية إن الصين من عام 1978 إلى عام 2008 يستحيل تكرارها مطلقا”.

 

ويرى أن مصطلح “صنع في الصين” لا يزال يلقي شعبية في النطاق العالمي، ووفقا لخطة شركة الاستشارات الأميركية At كيرني، إن صنع في الصين تحتقر العالم بامتلاكها الحصة الأولى في سوق يموج أكثر من مائة منتج في مجال الحاويات والأجهزة المنزلية والألعاب الإلكترونية وغيرها من المجالات فحصتها من الحاويات 90% ومن مشغلات الدي في دي 80% ومن لعب الأطفال 73% ومن الهدايا 70% ومن السلع الرياضية 65% ومن المايكرويف 50% ومن أجهزة التليفزيون الملون والثلاجات 30%.

 

وأشار إلى أن ارتفاع الإيرادات التجارية الرئيسية للمؤسسات التي تخضع مباشرة للإدارة المركزية بنسبة 78.8% وبلغ متوسط الزيادة السنوية 21.4% وزادت الأرباح بينسبة 140% أي بمعدل زيادة سنوية قدرها 38% وارتفعت الضرائب بنسبة 96.5 % أي بمعدل زيادة سنوية قدرها 25.2% وبلغت نسبة صافي عائد الأصول 10% بزيادة قدرها خمس نقاط مئوية بيلغت الأصول المملوكة للدولة 144.4%. الآن يظهرون كأنهم أسطول لا يقهر ولا يمكن هزيمته.

 

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى