الثقافة بين «مجنون الحكم» و«مجنون الأمل»

عبد الرحيم الخصار

يبدو ما كتبه بنسالم حميش مؤخرا، عن عبد اللطيف اللعبي، خارج السياق وبدون مناسبة تقريبا. إلا إذا كان الرجل يردّ متأخرا على ما وقع في «معرض الدار البيضاء للكتاب» قبل خمس سنوات، إذ كان اللعبي قد طالب يومها، من داخل «قاعة محمد أركون» ـ ضمن فعاليات المعرض سنة 2011 ـ بإقالة حميش حين كان هذا الأخير على رأس وزارة الثقافة المغربية، محملا إيّاه مسؤولية الوصول إلى ما أسماه بـ «الوضع الكارثي» لشؤون الثقافة في البلاد.
والحقيقة أن هذا لم يكن رأي اللعبي وحده، ولا موقفه الفردي، بل كان موقف شريحة كبيرة من المثقفين آنذاك، بلورته مقالات وتصريحات عديدة وبيانات ومقاطعات للمعرض ووقفات احتجاجية أيضا.
العودة إلى الوراء
ربما نسي الناس تقريبا تلك المرحلة وما وقع فيها، غير أن بنسالم حميش أعادهم على ما يبدو إلى ذلك، حين نشر نهاية الأسبوع الماضي مقالا على «موقع هسبريس» ـ الأكثر مقروئية في المغرب ـ وصف فيه اللعبي بـ «النرجسي» و «الزنبور»، وعاب عليه أن تكون هناك مؤسسة ثقافية تحمل اسمه وهو لا يزال على قيد الحياة! متهما إياه بالاستفراد بالرأي وحقده على مجايليه الذين وصلوا إلى مناصب عليا في العهد الجديد، في حين ظل اللعبي زاهدا فيها! كما عاب عليه أحكامه الإطلاقية بخصوص تقييم وضع العمل الثقافي والسياسي في المغرب، وأسماه بـ «العرائضي» لما أصدره خلال السنوات الأخيرة من بيانات وعرائض ذات طابع احتجاجي. يعود صاحب «العلاّمة» إلى محاكمة أفكار ومواقف اللعبي مقارنا بين ما صرّح به في السنوات الأخيرة وما كان ينشره في مجلة أنفاس التي توقفت سنة 1973. لكن يتعدى ذلك إلى انتقادات شخصية تسعى إلى الحطّ من قيمة الرجل وقيمة كتاباته. يقول حميش في هجومه على اللعبي: «وعندي أن الرجل يشكو من جرح دفين مع الفرنكوفونية التي أهملته ولم تدلله وتكرمه كما فعلت مع مجايله الطاهر بنجلون، فظل خامل الذكر، يراكم المرارات وخيبات الأمل. ومن ثمة فروايته (قاع الخابية) ما كان لها أن تنشر في غاليمار لولا شفاعة الكاتب لوكليزيو الذي أنصت في الموضوع إلى وساطة زوجته الصحراوية جميعة».
والحقيقة أن اللعبي اسم حاضر في الوسط الثقافي الفرنسي، وقد فاز بأرقى الجوائز الأدبية هناك سيما جائزة غونكور الخاصة بالشعر وجائزة الأكاديمية الفرنسية، كما أن غاليمار احتفت به خلال هذا العام عبر إصدار مختاراته الشعرية الحديثة (1992 ـ 2012) في إطار احتفاء دار النشر العريقة بخمسينية سلسلة الشعر التي ضمت كبار الشعراء.
استنكار
لم يجد مقال حميش صدى داخل المغرب، فلم تتداوله المواقع ولم يثر أي نقاش يذكر، ومعظم التعليقات التي ذيلت المقال على الموقع الذي يعرف في العادة تفاعلا كبيرا كانت تستنكر ما يقوله حميش عن زميله في الكتابة. بعضهم تمنى ألا يردّ اللعبي، وبعضهم نشر مختارات شعرية له، فيما كتب أحدهم: «هناك فرق كبير بين (مجنون الحكم) و (مجنون الأمل)»، في إشارة إلى كتابين سابقين لهما.
لا أحد يعرف ما الذي يريده بنسالم حميش في هذه اللحظة بالذات من مقال مبطن بالتجريح والتبخيس لكاتب راكم سنوات من التجربة الثقافية والسياسية التي لا يمكن القفز عليها بكل حال من الأحوال. فما يحتاجه المثقفون المغاربة اليوم هو الاحتماء ببعضهم البعض في زمن غير ثقافي، وتقدير مجهوداتهم واحترام منجزهم بدل تضييع الوقت والجهد في تقزيم وتحطيم بعضهم بسبب وبدون سبب.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى