«الجديد»: رداً على لغة الإبادة

الجسرة الثقافية الالكترونية
عدد جديد هو العاشر من مجلة «الجديد» الشهرية الثقافية العربية الصادرة في لندن. هذا العدد رحلة مع الأدب والفكر والفن؛ نصوص فكرية وأدبية من عالم عربي مضطرب، قصص وقصائد، ومقالات تغامر في أرض الجمال، وتتفكر بالذات وعالمها. وهناك كما في كل عدد أدب الحوار، في قضايا الفكر، وفي الفن وقضاياه. وبين الفكر والرسم، بين مغامرة العقل ومغامرة الخيال، تبرز صفحات هذا العدد.
في الفن، يقلّب الفنان العراقي فيصل لعيبي أسئلة السائل، ويتحدث عن عالمه الفني ومغامرته الفنية بأفقها الجمالي ومراميها التعبيرية، وعن الحياة في المنفى الأوروبي والحلم العراقي والواقع المفزع والأليم.
وفي الفكر، يواصل أحمد برقاوي ابن الفلسفة وعاشقها وطارح أسئلتها، إلى جانب جيل من الكتاب والمفكرين الذين يمموا شطر الفلسفة على مدار أكثر من ربع قرن، قرع الناقوس، وديدنه تحريض الفكر والمجتمع بلغة أدبية حارة وإيقاظ السؤال عن الذات المفردة وكيانها وعالمها.
افتتاحية العدد عنوانها «لغة الأسئلة رداً على لغة الإبادة، بأي لغة يكتب الشاعر العربي في زمن تراجيدي؟ (نوري الجراح)، مخاطبة الصم في عالم يحترق (خلدون الشمعة)، لغة الكتابة عند المرأة العربية (وفاء بونابي بن صالح)، مراوغة الذات ومصارحة القلم (هاني حجاج)، «الربيع العربي» ودولة المواطنة (إبراهيم الحيدري)، التاريخ يعيد نفسه: حرب الألفية بحلة شيعية وسنية وكردية (هامان علي)، العقلانية الرشدية (حسام أبو حامد)، رؤية لفهم التاريخ (باسم فرات)، صدام اللغة والأيديولوجيا (سلامة كيلة)، بؤس المثقف الشيوعي (عمار ديوب)، مفهوم النص الموازي عند إدوارد سعيد (عواد علي)، قراءة في مسرحية: محاولات وأد الربيع واغتيال الأحلام (هيثم حسين)، الإسلاميون والثقافة (يسري الغول)، يوميات دمشقية بين ظهراني داعش (هبة حسن)، كأنها بوابة رواية (علي السوداني)، التفسيرات السيكولوجية والسوسيولوجية للتفرقة الإثنية (محمد علي إبراهيم باشا)، شعر: هواء خفيف (نوري الجرّاح)، مسرح: ما تقوله درة الأرضِ (عبدالرحمن بسيسو). بورتريه: عراقي من بغداد: المعماري محمد مكية (رشيد الخيون)، أصوات عاربة ومستعربة ومعربة (حكمت النوايسة)، أن يكون الشاعر ضمير عصره (حسام الدين محمد)، الحبل المشدود (أحمد سعيد نجم)، الخضر في التراث العالمي (ممدوح فراّج النابي)، تحية متأخرة للأسطى (هيثم الزبيدي).
وجاء في افتتاحية العدد لرئيس التحرير نوري الجراح: «إثر صدور العدد الماضي من «الجديد» المخصص لملامح من المغامرة الشعرية العربية في أطوارها الأخيرة، واحتفاء بالجديد، عبّر كثيرون من الكتاب والقراء عن غبطتهم بالعدد، وأبدوا ملاحظات غلب عليها السؤال عن المسافة بين حرية الشاعر وكيان اللغة، وعن المغامرة الشعرية وعلاقتها بالزمن والتجارب الإنسانية. والواقع أن هذه وغيرها من الأسئلة، بما في ذلك السؤال الذي لا ينفكّ يطرح حول وظيفة الشعر، ستظل تطرح ما دام هناك شعراء وقصائد وقراء يحبون الشعر.
على مدار تاريخ كامل أشاعت ثقافة تلقي الشعر، في مجتمعات الثقافة العربية، اعتقاداً بأهمية أن تكون للشعر وظيفة. هذا الفهم الذي يجد سنده في الممارسات الشعرية نفسها، اصطدم في النصف الثاني من القرن العشرين على نحو غير مسبوق بالمفاهيم الجديدة التي فرضتها تحولات دراماتيكية أفصحت عنها لغة الشعر مع ما سمّي أولاً بـ «القصيدة الحرة» وتالياً بـ «قصيدة النثر».
وفي الربع الأخير من القرن العشرين، في ظلّ التطورات التي عرفتها حركة الشعر الحديث في عواصمه الكبرى، بغداد، دمشق، القاهرة، بيروت وظهور تجارب أكثر راديكالية في الكتابة شاعت معها مناخات جديدة عرفتها حركة الشعر العربي، خلص الشعراء الجدد ونقادهم إلى أن ما ظلَّ يحدّ من جموح الشعر ومن مغامرته وحريته اللغوية، وبالتالي من انفتاحه على العالم والأشياء، إنما وقوع السواد الأعظم من جمهور الشعر في أسر فكرة الوظيفة، وهي فكرة قديمة ارتبطت، أساساً، بتقاليد وأعراف ثقافية في تذوق الشعر أفلت وأفل زمنها.
اكتشف الشعراء الجدد أن انعكاس العالم في الشعر هو خير دليل على مدى ارتباطه بعالمه وزمنه، وأن تعبير الشاعر عن ذاته الفردية، وأناه العميقة، وانفعاله الشخصي بعالمه، في لغة مبتكرة، هو أساس التجربة الشعرية، أمّا «الوظيفة» التي دأب بعض النقاد على مطالبة الشعر الالتزام بها، فهي تطالب الشعر بأن لا يتغير، ليواصل تقاليده القديمة، بل تطالبه بالصعود إلى سطح الأشياء، متخلياً عن الأعماق التي تضطرم في اللغة والشعور والوجدان.
بالمقابل، عندما نتحدث عن انعكاس العالم في اللغة وتجلّي الأشياء في الشعر، إنما نلامس خواصها ومساحاتها المنظورة وكذلك تلك المتوارية في غلالات اللغة ووراء المنظور من أسرارها وأسرار الخيال الشعري.
إن أجناساً فنية وأدبية وجمالية أخرى غير الشعر، مثل التشكيل والرواية والمسرح، إنما تتموضع في مساحات من اللغة والتعبير، وفي تراكيب وعلاقات أكثر منطقية ومباشرة ممّا يمكن أن نكتشف في الشعر».
المصدر: الحياة