الجزائر.. العزلة في غير زمانها

الجسرة الثقافية الالكترونية

*عبد الرزاق بوكبة

المصدر: العربي الجديد

منابر وتقاليد ثقافية كثيرة اختفت من المشهد الجزائري، غير أنها خلفت بقايا تذكّر بها وتدلّ عليها، ما عدا المجلات الثقافية. اختفت هذه الأخيرة دفعة واحدة في السنوات الخمس الأخيرة، أو بقيت في حكم المختفية لأنها لا توزّع أصلاً، بشكل يثير كثيراً من الأسئلة، خصوصاً أن الأمر تزامن مع البحبوحة المالية التي عرفتها البلاد.

لماذا عادت هذه البحبوحة بالخير على المهرجانات الثقافية، حتى تجاوز عددها 180 مهرجاناً، بين دولي ووطني وجهوي، وعلى المسرح والسينما، بينما لم تستفد المجلات الأدبية والثقافية من الوضع، فذبلت الواحدة تلو الأخرى، في عزّ حاجة الثقافة الوطنية إليها؟ بعض هذه المجلات تابع لجهات حكومية مثل “الثقافة” و”الوحدة” و”ألوان” و”المسار المغاربي” و”الكتاب”، وبعضها تابع لجمعيات أهلية ثقافية، مثل “القصة” و”القصيدة” و”التبيين” لجمعية الجاحظية، و”المساءلة” و”الرؤية” لاتحاد الكتاب، و”الاختلاف” لجمعية الاختلاف.

لا نكاد نعثر على كاتب جزائري مكرّس، خلال العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال الوطني (1962)، لم يستفد من الأضواء التي وفّرتها له إحدى المجلات الأدبية. كانت المطبوعات الدورية التي أشرف عليها مالك حداد (1927 ـ 1978)، الذي يعتبر عرّاب المجلات الأدبية في الجزائر، تملك القدرة على تسمية نجوم المشهد الأدبي، بل إن النشر فيها كان تأشيرة لدخول “نادي الكتّاب المهمين”.

 من هذه المجلات نجد “آمال”، التي أوكلت إلى نخبة أدبية شابة فرضت نفسها بعد الاستقلال، من بين أسمائها محمد الصالح حرزالله وحمري بحري وعبد الحميد شكيّل وآخرون. انتشلت هذه المجلة المواهب الشابة من القرى والمدن الداخلية، فكان ذلك سبباً في التبشير بملامح جديدة للأدب الجزائري. ولولا توقفها، ثم عودتها بصمت، لكان دور “آمال” حاسماً في فرض النص الجزائري المكتوب بالعربية.

الشاعر محمد زتيلي، أحد رموز “آمال”، يرى أن المناخ الطبيعي لصدور المجلات الثقافية كان ولا يزال المناخ النضالي أو مناخ تكفل الدولة الوطنية. 

من هنا فإن الدولة، بحسب زتيلي، مدعوة إلى عدم التخلّي عن المنابر الثقافية المؤهلة لتسويق عناصر الثقافة والآداب والفنون الجزائرية، ليس من خلال رسم خطوطها العامة، فزمن التوجيه الأيديولوجي قد ولّى، بل من خلال توجيه مؤسساتها الاقتصادية الكبرى إلى رعايتها مالياً.

ويضيف زتيلي: “إن المبادرات التي يمكنها النجاح اليوم هي تلك التي تأتي من طرف مؤسسات كبرى، سواء كانت تجارية أو صناعية أو اقتصادية. ما الذي يمنع شركات البترول عندنا من تولية كتّاب ومثقفين لمشروع من هذا النوع؟”. زتيلي، الذي يتولى اليوم إدارة “مسرح قسنطينة”، يذكّر بأن ثمة مؤسسات دولية قدّمت للثقافات الوطنية ما لم تقدمه الأنظمة الحاكمة.

هذا الواقع نظر إليه الكاتب الشاب عبد المنعم بن السايح بعين مشككة. يقول: “ما معنى أن تتوفر المجلات الأدبية والثقافية في بلادنا، حتى إذا وصلت إلى جيل الألفية الجديدة اختفت، أو بقيت في حكم المختفية؟”. ويضيف: “لا أفهم سبب اختفاء مجلاتنا، ولا سبب عدم السماح للمجلات العربية بالدخول”.

الباحث أحمد الدلباني أشار إلى الانغلاق الذي أصبح سِمة للجزائر التي تشرنقت إلى درجة الاختناق أمام الخارج، في زمن لم يعُد يمكن فيه غلقُ النوافذ أمام ثورة الاتصالات. يقول “كأننا نعيشُ عهدَ شيخوخة العقل والفعل في بلادنا. لا نُنتجُ شيئاً ولا نفتحُ أبوابنا الموصدة أمام المُنجز الثقافي والفكريِّ لجيراننا من العالم العربيِّ الكبير. إنها العزلة في غير زمانها”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى