‘الجسد المشتهى’ مغامرة في الوعي والطبيعة البشرية

الجسرة الثقافية الالكترونية
عمار المامون
يقف الروائي أوبرت حداد في روايته الجديدة “الجسد المشتهى” أمام تحدّ يرتبط بالوعي البشري وإدراكنا نحن كبشر لهذا المفهوم حتى يشكّل قصة خياليّة، تتداخل فيها عناصر الطب البشري والنفسي في تجربة حسيّة وعقليّة، فتغدو مفاهيم الروح والجسد والوعي عرضة للتشكيك، طارحا إلى جانب ذلك مفاهيم الرغبة والجنس إلى جانب استعادة التراث الأدبي المتعلق بروايات الرعب كرواية فرانكشتاين للكاتبة ماري شيلي، والصادرة هذا العام عن دار زولما، إضافة إلى نتاج حداد الأدبي في القصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي.
الجسد والوعي
تحكي رواية “الجسد المشتهى” قصة سيدرك ألين وييرسون، الذي فقد والدته إثر انتحارها فابتعد عن والده صاحب شركة الأدوية الكبيرة، مغيّرا اسمه ليصبح سيدريك إيرج، ويعمل كصحفي ومراسل في وكالة أنباء، متابعا حياته مع معشوقته لورنا لير، إلا أن حادثا تعرض له في قارب قرب شواطئ اليونان يغيّر المعادلة، حيث يفقد الصحفي القدرة على التحكم في جسده ليبقى وعيه حاضرا.
هنا تنكشف هوية الصحفي الحقيقية، وعلاقته مع والده الصناعي الكبير في المجال الطبي، حيث يتم تأمين جسد بديل له، لتتم المعجزة الطبيّة بزراعة رأسه في الجسد البديل، وتبدأ معها رحلة اسكتشاف الجسد/ الوعي الجديدين واللذين سيمر بهما الشخص الجديد.
الرواية التي قيل إن حداد كتبها بعد أن شاع في الإعلام خبر أول عملية زراعة للرأس، تعتبر محاولة لجعل التخييل يعيد إنتاج الإنجاز الطبي عبر حقيقة روائيّة، فالحدث الواقعي هنا يفتح الباب على التخييل، ليكون السرد الروائي محاولة لاختبار تبعات هذا الإنجاز العلمي، الذي كان في البداية أقرب إلى فانتازيا أو حتى أفلام الرعب، نراها مع حداد تدخل حيز الواقع، ماذا لو في هذا العصر (الآن وهنا) تمت العملية بنجاح؟ كيف ستستمر حياة هذا الشخص؟
هذا ما يحاول حداد استكشافه، العلاقة مع الجسد والأنا وحتى الآخر تعاد صياغتها، مرجعية الذاكرة تقف أمام حدود ترتبط بالجسد الجديد، شعرية جديدة يبحث عنها حداد في روايته مرتبطة بسؤال وجودي كان قد طرحه جان لوك ماريون “هل أنا محبوب من الخارج؟” وذلك في كتابه “الظاهرة الأيروتيكيّة: ستة تأملات”، الصادر عن المنظمة العربية للترجمة بعنوان “ظاهرة الحب”، إلا أن حداد في روايته يشكك في هذه الأنا، ماذا لو كانت علاقتي مع جسدي لم تحدد عبر الآخر؟ ماذا لو كانت الأنا نفسها متفاوتة، غير متماسكة؟ ماذا لو لم أكن أنا مِن أنا؟
يطرح حداد أيضا في الرواية مشكلتي الوعي بالذات وإدراكها عبر تقنيات ثنائية الذاكرة والتعرف على الآخر، لتبدو مفهومة الرغبة والجسد على شفير الاختلاف بين حقيقة الوجود الجسدي وحضور الوعي، هل جسد الآخر يختزن الذاكرة، أم كذلك الوعي ذاته؟
هذه الثنائيات والاختلافات يمر بها سيدريك في محاولة لاكتشاف هويته الجديدة، المختلطة بين جسد ورأس مختلفين في المصدر، هذه الصراعات التي تذكرها الرواية تقف إلى جانب المصاعب الطبية الأخرى التي ترتبط بهكذا إجراء، كإعادة التأهيل وإعادة تمكين العلاقة بين الجسد الجديد والرأس، وكأننا أمام رضيع يعيد اكتشاف ذاته من البداية، لتكون التساؤلات أكثر عمقا في ما يخص المحيط، الأنا/الذاكرة مدركة لما كان، إلا أن الجسد الجديد بحاجة إلى إعادة انتمائه وربط الذاكرة الجسدية بتلك المرتبطة بالوعي.
الشهوة المزدوجة
سيدريك يواجه إثر هذه التجربة الجديدة علاقتين جسديتين مرتبطتين بالجسد كحامل للشهوة، الأولى مع حبيبته لورنا التي مازالت تقف إلى جانبه، وحبيبة صاحب الجسد الذي حصل عليه سيدريك، لنقف هنا أيضا أمام تساؤل مرتبط بالشهوة، هل الآخر يحبني لوعيه بي أم للمسه لي؟ هل ظاهرة الحب كعلاقة بين الأنا والآخر مرتبطة بالوعي أم بالتجربة الجسدية؟
وكأننا أمام مستويين للذة، لتحضر الغلمة الذاتية أيضا، فسيدريك يعيد اكتشاف شهواته باستخدام جسده الجديد ومواطن الغلمة فيه، كما نلاحظ أن الرواية تحوي ضمن تقنية السرد ما يعكس المضمون أو المفهوم الجسدي الذي تتناوله، فالجسد الكولاج الذي يمتلكه سيدريك، يرتبط أيضا بالتناصات التي تحيلها الرواية، وكأننا أيضا أمام نص يستعيد نصوصا أخرى، ليداعب ذاكرة القارئ، حتى تكون تجربة القراءة قائمة على مستويين من التلقي: التجربة الأولى ترتبط بالنص/الرواية، والثانية ترتبط بمخزون القارئ نفسه من مطالعاته للنصوص.
يُذكر أن أوبرت حداد من أصول تونسيّة، له العديد من المؤلفات في القصة القصيرة والشعر والمسرح والرواية، حصل عام 2014 على جائزة مالارميه عن “إبريق الصباح”.
المصدر: العرب