الحالة والفراغ والإدعاء / عبد السلام عطاري

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

 (1)

عندما تكون الأسماء أكثر جدلاً من فعلها، وتكون الأسماء قلّة الحضور في المعنى الحقيقي لوجودها، وعندما تتوارى خلف ألسنة الكتبة معاني تاريخها العميق، وترتفع الكتابة إلى ( السلخ) اللاذع وتحين فرصة سلخ الشاة بعد ذبحها وما يهمها..!، وتُدفن انجازات في سياق إدعاء المعرفة المنقوصة لمجرد الخوف والرهبة والعيب من عدم المعرفة، أو للإنسياق مع الحالة العامة في الكتابة عن أو في الحديث حولها، ويدخل العارف بالعارف والمعروف هو الضحية والغَلبة لمن يملك الحظّ بالقدرة على امتلاك ( البروبجندا).

 في الألفية الثالثة وعصر انفتاح الاسماء على الأسماء بمعرفة ودون معرفة وجدنا الكثير ممن يدعّون المعرفة وبات الأقل حظًا من المعرفة يحمل ما لم يعلم به ويجيز لنفسه الحق بالإدعاء لتكبر دائرة الإدعاء بالمعرفة، وتحلّ مكان العارف الحقيقي والمعرفة الأكيدة، ويختلط الحابل بالنابل ويختلط الكلام الرّث بالكلام النقيّ والملتلقي هو الضحية في حيرة ما بين اختلاط الزيت بالماء وإن طفى على سطحه لا يعقل ان يتدبر أمره لينقّيه، فقد اختلط وانتهى.

(2)

المدن تتسع لكل شيء وتعرف كل شيء، وتضيق بمعرفة الأسماء، فكل انسان فيها اسمه الغريب حتى وإن كان قد ولد فيها أبًّا عن جَدِّ جَدِّ الجَدِّ، فلا سلام ولا كلام ولا حديث ولا معرفة حين تعبر شوارعها او تصعد في مصاعدها، فلا كلمة لصباح أو مساء الخير أو السلام عليكم إلا من جاء من أقصى قرية تعوّد أن يقولها لمن يعرف ولا يعرف، والمُدن انتشار الصورة والملامح تختمر في الذاكرة البصرية بعيدة عن الذاكرة المعرفية، وتعيد الصورة في الصورة حتى نظن أنها منذ حين نعرفها ونحن في حقيقة الواقع لا نعرفها، وعندما نكتشف رحيلهم نذرف  الكلمات على غيابهم وكأن الذارف للكتابة عن الحالة المجهولة معروفة الصورة   كان رفيق حياته وسيرته الذاتية !! ونخلق منها معرفة ونعيد سيرتها ونتألم عليها، هنا استدراج الكلام، وفي ذاكرة صورة طفلبائع “آية الكرسي” كما أطلق عليه وأضيف بائع الورد والمحبة للناس” على طرقات المدينة، كمّ مرّة نهروه وصدّوا بوجهه نوافذ سيارتهم الفارهة، وكمّ مرة عرفوا سبب فعلته أن يمنح ذكر الله مقابل سد جوع عائلة ممتدة ووالد على باب الكريم يقتات جوعه من (بسطة) على  هامش سوق الخضار، كم بكوه وكم ذرفوا أسفهم على رحيل طفل ( السكتة القلبية) الذي لم يعرف الدفأ والبرد كان خليله الدائم،  لماذا لا ننتبه للأسماء وللأشياء إلا بعد أن نفقدها؟!! 

(3)

وتلك هي الحالة ما بين الفراغ والإدعاء الذي نعرفه وندركه، ومع ذلك نعود ثانية ونغمس اليد بالنار ونقول… هذه تحرق ..!! وإذ تبرق ومضة  ” فوتشيك” كلما ذَكرت الحالة “من يعرف أين هو الشر لا يحق له أن يخطىء”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى