الحصاد الثقافي لعام 2015: عام الرحيل

الجسرة الثقافية الالكترونية
آية الخوالدة
شهد العام الثقافي في الساحة الأردنية العديد من الفعاليات والنشاطات التي وصف بعضها بالجدلية، حيث أقيم معرض عمان للكتاب بنسخة متواضعة مقارنة بدوراته السابقة، كما لم تلق الرواية أو القصة القصيرة أي دعم واهتمام من الجهات المختصة، فلم تقم الملتقيات أو المؤتمرات الخاصة حولها، ويرده الكثير إلى نقص الميزانيات المتعلقة بالثقافة.
بينما حظي المشهد التشكيلي بالدعم من الغاليريهات المختصة به والمواكبة لتطوراته وهي معدودة، فيما كان ختامها بالحديث الدائر حول الفساد المالي الذي وصل إلى أهم الهيئات الثقافية «رابطة الكتاب الأردنيين».
الفساد المالي في رابطة الكتاب الأردنيين
اختتم العام الثقافي الأردني باتهام رابطة الكتاب الأردنيين بالفساد، بناء على شكوى قدمها مدقق الحسابات القانوني للرابطة أنور الخفش، الذي كشف في حديثه لموقع «عمون» الإخباري، عن طلب رئيس الرابطة الحالي منه عدم تدقيق ثلاثة أشهر من السنة المالية للرابطة، كما أن كشف الجرد للموجودات الثابتة السابق في الرابطة يدل على أن تكلفتها تقارب 62 ألف دينار، بينما على أرض الواقع لا تتجاوز 8 آلاف دينار.
كما طلب الخفش آخر دفتر شيكات مستخدم وآخر سندات قبض مستخدمة وكذلك طلب جرد دفاتر سندات القبض غير المستخدمة، إلا أن طلبه رُفض، وتم إبلاغه أمام المدير الإداري للرابطة، بأن رئيس الرابطة زياد ابو لبن أتلف سندات القبض. وأشار الخفش إلى أنه اكتشف وجود حساب بنكي لم يدرج في السجلات المحاسبية وتم إخفاؤه.
وأكد رئيس رابطة الكتاب زياد أبو لبن في حديثه لصحيفة «الغد» على أن هيئة مكافحة الفساد وبناء على شكوى من مدقق مالي «فتحت تدقيقا ماليا على مستندات مالية للرابطة»، لكنها «لم توجه أي اتهام لأحد».
وقال رئيس الرابطة إن «هيئة مكافحة الفساد، جاءت للرابطة لتتمكن من التدقيق المالي عليها، بناء على شكوى تقدم بها المدقق المالي، الذي كلفناه بالتدقيق، لكنه لم يطلع على أي مستند مالي للرابطة، وقد أتانا بعقلية اتهامية، ما اضطرنا لإنهاء اتفاقيتنا معه». وأكد أبو لبن على أن أوراق الرابطة «مفتوحة أمام من لديهم حرص على الرابطة، ونحن لا نخبئ شيئا وإنما نعمل في العلن وأمام الجميع، وبكل مسؤولية».
الأنشطة والفعاليات الثقافية
أما على صعيد الأنشطة والفعاليات الثقافية، فتميز هذا العام ثقافيا بالإعلان عن «جوائز الثقافة للإبداع»، التي ضمت 13 حقلا متنوعا، في حقل السيرة الذاتية والشعر والثقافة القانونية والسياسية وأدب الطفل والثقافة الدينية والنفسية والترجمة والتكنولوجيا والثقافة البيئية والصحية. وتراوحت قيمة الجائزة ما بين 4 و7 آلاف دينار أردني، ومنحت لأعمال ودراسات غير منشورة.
فيما انطلق معرض عمان للكتاب في دورته لهذا العام منتزعا عنه صفة الدولية ومقتصرا في نشاطاته وضيوفه على الجانب المحلي فقط، حيث اقتصرت الدورة على 40 دار نشر أردنية ودار نشر عربية واحدة هي دار «نون» الإماراتية.
وعلى صعيد الندوات وتواقيع الكتب وعروض الأفلام، بقيت مؤسسة عبد الحميد شومان على برنامجها السنوي، بالإضافة إلى احتفالها باليوبيل الفضي لانطلاقة العروض السينمائية من خلال عرض ثلاثة أفلام عربية بحضور مخرجيها، وهي الفيلم العراقي «بغداد خارج بغداد» للمخرج قاسم حول، في عرضه العالمي الأول ويليه الفيلم الكويتي «بس يا بحر» للمخرج خالد الصديق، والمصنف ضمن أفضل عشرة أفلام عربية كلاسيكية وأخيراً الفيلم المغربي «ماجد» للمخرج نسيم عباسي.
المشهد التشكيلي
زخرت الغاليريهات في العاصمة الأردنية عمان بمجموعة من المعارض الفنية الفردية والمشتركة لفنانين أردنيين وأجانب، ومنها معرض الأميرة وجدان الهاشمي بعنوان «شفافيات» في المتحف الوطني للفنون الجميلة، التي اعتبرت استخدامها للحرف العربي في أعمالها الفنية، سواء كانت بأشكالها التجريدية أو المقروءة، هو تأكيد لهويتها الثقافية والفنية. كما عرض للفنان الأردني فؤاد ميمي معرض «رحلة عواطف» في غاليري نبض، الذي جمع فيه بين الانطباعية وشخصيته المتميزة. ومن جانبها أقامت الفنانة الأردنية جمان النمري معرضها «حكايات» في غاليري رؤى 32، حيث قدمت لوحاتها الثلاثين قصة الواقع الراهن، حيث يختفى الأفراد وراء براقع وأقنعة تخفي وجوههم ومواقفهم، كما لو كانوا مهرجين ينتمون إلى سيرك أو فرقة مسرحية.
وفيما يتعلق بالفنون العربية والأجنبية، قدم العراقي هيمت محمد علي معرضه «زهور يابانية في كركوك» في غاليري نبض، كشف فيه عن علاقة الزهور اليابانية بألوانها الربيعية مع الروح العراقية.
المهرجانات الثقافية
في نسخته الثامنة أقيم مهرجان عشيات طقوس المسرح الدولي بمشاركة سبع مسرحيات عربية، حصلت خلالها المسرحية الأردنية «أعراس آمنة» على جوائز أفضل إضاءة، وأفضل ممثلة وممثل، فيما فازت المسرحية الجزائرية «راحلة» بجائزتي أفضل موسيقى وأفضل ممثلة مناصفة مع الأردن، فيما حازت سلطنة عمان جائزة أفضل ممثل دور ثان عن مسرحية «درويش»، وفازت المسرحية المصرية «ظل حمار» بجائزة أفضل إخراج وجائزة أفضل عرض متكامل، فيما حجبت جائزة أفضل دور ثان نسائي.
والمسرحيات المشاركة هي: مسرحية «رنة هاون» من العراق، و«أعراس آمنة» من الأردن، و«راحلة» من الجزائر، و«درويش» من سلطنة عمان، و«ظل الحمار» من مصر، و«السلطان» من قطر، و«الكلام المر» من تونس.
بينما عاد مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان هذا العام في دورته السادسة بعنوان «العودة إلى الروح الإنسانية» بمشاركة 70 فيلماً روائيا ووثائقيا وتحريكيا، من أكثر من 25 دولة حول العالم وبحضور أكثر من 20 ضيفا من صناع الأفلام من النجوم والممثلين المعروفين من مصر، لبنان، سوريا، بريطانيا، فرنسا، أمريكا، والأردن، بالإضافة إلى عدد من الفعاليات الموسيقية، والأداء الحركي، وورش العمل.
أما في ما يخص الجوائز التي أعلنت على هامش المهرجان، فنال فيلم «عشاء للبعض» للمخرج اليوناني «ناسوس فاكاليس، جائزة أفضل فيلم تحريكي. أما جائزة ريشة «كرامة» لأفضل فيلم روائي قصير، فكانت من نصيب المخرج الألماني ديفيد م. لورينز عن فيلمه «كان بإمكاننا، كان علينا، لم نفعل..». بينما ذهبت جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل إلى فيلم «حقيقة وامضة» للمخرج النيوزلندي بييترا بريتيكلي.
وفيما يتعلق بالموسيقى، جاءت الدورة الرابعة لمهرجان موسيقى البلد بأمسيات غنيّة ومتنوعة، إذ شارك في المهرجان تسع فرقٍ موسيقية، ثلاث منها أردنية، فيما توزعت الفرق الأخرى بين العراق وفلسطين ولبنان وسورية وتونس. وتنوعت الأنماط الموسيقية بين الراب، والروك، والموسيقى الصوفية التجريبية، والموسيقى المعاصرة.
الإنجازات والجوائز الثقافية
وعلى صعيد الإنجازات والجوائز الثقافية، حقق الفيلم الأردني إنجازا عالميا بوصوله إلى اللائحة القصيرة للأفلام المتنافسة على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. «ذيب» مغامرة صحراوية ضخمة مدتها 100 دقيقة تحفر عميقاً في كثبان الرمال الصحراوية، وهو أول الأفلام الطويلة للمخرج والكاتب الأردني ناجي أبو نوّار الذي بدأ بكتابته وإخراجه منذ عام 2010. ونال الفيلم جائزة أفضل فيلم من العالم العربي وجائزة لجنة النقاد من مهرجان أبوظبي السينمائي 2014 وشهادة تقدير من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2014، كما حصل أبو نوار على جائزة أفضل مخرج في قسم (آفاق) في مهرجان البندقية السينمائي. ومن أهم الجوائز التي نالها الكتاب والشعراء الأردنيون، حصول الشاعر الأردني جلال برجس على جائزة «كتارا للرواية العربية» عام 2015، من ضمن 711 رواية عربية، عن روايته غير المنشورة «أفاعي النار/حكاية العاشق علي بن محمود القصاد».
فيما حصل الروائي والأديب الفلسطيني رشاد أبو شاور، على «جائزة القدس» لعام 2015، تكريمًا لمسيرة تقدر بنصف قرن من الكتابة التي شملت المؤلفات الإبداعية والدراسات الأدبية. وأبو شاور من مواليد عام 1942، وكان فاعلا في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وصدرت أولى مجموعاته القصصية «ذكرى الأيام الماضية» عام 1970، ثم توالت مؤلفاته ومنها روايات «أيام الحرب والموت» 1973 و«البكاء على صدر الحبيب» 1974 و«العشاق» 1978 و«الرب لم يسترح في اليوم السابع» 1986 إضافة إلى دراساته السياسية.
وعلى صعيد الأفلام، حصل الفيلم الأردني القصير المعنون «بعد النفس الأخير» على جائزة أفضل فيلم روائي قصير ضمن مشاركته في مهرجان مونديال القاهرة الإعلامي. تمثيل أنور خليل وصبا يونس وخالد القيش ورهام عزيز، ويتناول حكاية تلك الفتاة الشابة التي وجدت نفسها في أتون تقاليد وعادات تجبرها على الزواج من رجل ثري مُسن، لكنها في مواجهة هذا المصير تقرر الانتحار، بيد أن الفيلم يجعل من هذه النهاية باب أمل وتساؤلات فلسفية تنادي بحق المرأة في الاختيار.
عام الرحيل
خسرت الساحة الثقافية الأردنية عددا من الفنانين والكتاب، ومنهم الفنان محمد القباني الذي يعد رمزا من رموز الحركة الفنية والأدبية، وعُرف بأعماله الدرامية المتنوعة منها التاريخي والسينمائي والمسرحي.
القباني من مواليد عام 1947، وحصل على إجازة في الحقوق، وبدأ مسيرته الفنية في السبعينيات، لكن الاحتراف جاء بعدها بـ10 سنوات. ويصنّف القباني بين مؤسسي رابطة الفنانين الأردنيين، الذي كان رئيسها في ما بعد لدورتين بداية تسعينيات القرن الماضي. كما تمتع الراحل بصوت إذاعي من الطراز الأول وأنامل كتبت روايات شعرية وأدبية، أسهمت جميعها في إثراء الحركة الثقافية في الأردن. وشارك في مسلسل «إبراهيم طوقان» ومات قبل أن يحقق حلمه في تجسيد شخصية شاعر فلسطين محمود درويش.
كما توفي الفنان إسماعيل خضر بعد مشواره الفني الطويل، فاشتهر بأغنيته «على جناح الطير لابعث سلامي واقول يا مسا الخير أول كلامي طولتوا علينا كثير وبتقولوا بكير»، التي كشفت عن كنز فني أردني ثمين في بداية الستينيات من القرن الماضي، حيث ذاعت وانتشرت تلك الأغنية الأردنية في الإذاعات العربية قاطبة ومنها بالذات المصرية. وغنى خضر قصائد وأغاني اشتهرت مثل: «قسم الجندي قسماً سأضحي بدمائي لأروي أرض الكرماء وأزيل الغاصب من بلدي وأبيد فلول الغرباء… قسماً.. يا بلد الأقصى والحرم يا مهد النخوة والكرم صبرا فالنصر لنا صبرا والفجر يطل من الظُلم». وللفنان الراحل العديد من الأغاني الوطنية والشعبية مثل «أنا الأردن»، و»يا طير يا طاير دربك ع باب الله».
كما رحل القاص والروائي جمال أبو حمدان، حيث طالبت الهيئات الثقافية في عمان بتخصيص جائزة أدبية سنوية تخليدا لدوره في إثراء الحركة الثقافية والمسرحية، وجمع مؤلفاته الأدبية والمسرحية. وله من الأعمال خمس مجموعات قصصية و11 مسرحية و12 عملا دراميا وستة برامج تلفزيونية. ومن أهم أعماله الأدبية «نصوص البتراء»، و«الموت الجميل»، و«حكاية شهرزاد»، ومن أعماله التلفزيونية «الطريق إلى كابول»، وحكايات من ورق»، و«الصخر ينطق».
كما غيب الموت العلامة والمؤرخ ناصر الدين الأسد، أول رئيس للجامعة الأردنية، وأول وزير للتعليم العالي في الأردن. والأسد من مواليد عام 1923، ويحمل شهادة ليسانس في الآداب عام 1947، وماجستير آداب عام 1955، ودكتوراه في الآداب، ومن أبرز مؤلفاته «مصادر الشعر الجاهلي». نال الأسد وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، بالإضافة إلى جائزة طه حسين لأول الخريجين في قسم اللغة العربية في جامعة فؤاد الأول 1947، وجائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي لعام 1982، وجائزة سلطان العويس الثقافية في حقل الدراسات الأدبية والنقد لعام 1994/1995، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من الأردن 2003.
فيما فقدت الصحافة الثقافية أحد أهم مناصريها في الأردن، برحيل الكاتب والإعلامي عبد الله حمدان، مؤسس مجلة «عمان الثقافية» التي استمرت في الصدور بدون انقطاع زهاء 15 عاما. كما خسرت الصحافة أيضا الكاتب خالد محادين وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، ونقابة الصحافيين الأردنيين، ومن أعماله الأدبية المجموعة القصصية «نسي أنها عذراء»، وأعماله الشعرية «ديوان الحجر»، و»وطن واحد ونساء كثيرات»، و»أمام الباب المغلق»، ومن أبرز المقالات التي عُرف بها «مشان الله يا عبد الله».
ولم يسلم الشاعر والصحافي جهاد أبو هديب من الأمراض العضال التي كانت سببا في رحيل القسم الأكبر من الكتاب هذا العام، ومن آخر أعماله المنشورة «تمثال مخمور» صدر عن دار فضاءات 2014 . ومن أعماله الأخرى «قبل أن يبرد الياسمين» و»ما أمكن خيانته ويسمى الألم» و»غروب كثير». عمل أبو هديب في الصحافة الثقافية الأردنية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم انتقل إلى دولة الإمارات إلى صحيفة «الخليج « ثم صحيفة «الاتحاد»، حيث عمل فيهما محررا ثقافيا. واختتم العام برحيل الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد، الذي يعتبر شاعرا أردنيا بسبب إقامته في عمان وحصوله على عضوية رابطة الكتاب الأردنيين.
المصدر: القدس العربي