الحضارة الهندية في تجلياتها الدينية والثقافية

الجسرة الثقافية الالكترونية
المصدر: الحياة
عن مشروع «كلمة» للترجمة – أبو ظبي صدرت ترجمة لكتاب «الهند في العصور الوسطى: دراسة حضارة» للمؤلف عرفان حبيب ونقله إلى العربية أحمد عبدالعزيز العباسي.
يتناول الكتاب الجوانب الثقافية المتعددة للهند في العصور الوسطى ولثلاث فترات زمنية طويلة تمتد ما بين الأعوام 600 و1750. ويناقش المؤلف جوانب مرتبطة بثقافة الهند وحضارتها مثل: النظام السياسي والدين والآداب والفنون الجميلة والفن المعماري والتعليم. ويركز على الكيانات والطبقات الاجتماعية والاقتصاد والتكنولوجيا ومدى ارتباط تطور هذه الجوانب بالأحداث التي دارت في الهند ومنها وصول المسلمين إليها واندماجهم في المجتمع الهندي ومساهمتهم الملحوظة في شتى مجالات الحياة، بخاصة مجالات التعليم والعلوم والتكنولوجيا.
ونظراً إلى طول الفترة الزمنية التي تمت دراستها في الكتاب، تمّ التركيز على دراسة ثقافة الهند وحضارتها خلال ثلاث مراحل وهي بالترتيب: من 600 إلى 1200، ومن 1200 إلى 1500، والمرحلة الأخيرة من 1500 إلى 1750. ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن المرحلة الأخيرة أخذت حيزاً أكبر من الدراسة والتحليل، ولم يكن هذا الاهتمام بهذه المرحلة التي امتدت لقرنين ونيف بسبب قربها من عصرنا فحسب، بل بسبب توافر المواد والمصادر الأولية والسجلات والوثائق والروايات التأريخية المفصلة والشاملة ووجود عدد كبير من الكتب التي تم الحفاظ عليها من خلال المخطوطات ومدونات الرحالة الأجانب والسجلات التجارية للأوربيين.
ومن أبرز المحاور التي تناولها مؤلف الكتاب والمتصلة بالهند طبيعة تكوين المجتمع الهندي، إذ تناول جغرافية الهند وتركيبتها السكانية المتناثرة وانتشار التجمعات السكانية القروية منها والحضرية، إضافة إلى التجمعات السكانية في الغابات، وأثر هذا الوضع على تأسيس نظام الإقطاع وظهور الطبقات الأرستقراطية المحلية. ووفق كثر من المؤرخين، فإن الفترة التي سبقت بداية نظام السلاطين في دلهي عام 1206، كانت قد اتسمت بفشل الدويلات الهندية المتعاقبة، والتي هيمن فيها نظام الإقطاع في الهند.
وأشار الكتاب إلى مختلف العلوم التي ازدهرت في الهند أو التي انتقلت إليها من ثقافات أخرى مثل علوم الطب والفلك والرياضيات والزراعة والهندسة المدنية والصناعة الحربية وغيرها.
وتناول الكتاب أهم الديانات التي انتشرت في الهند والمعتقدات والأديان الرئيسية مثل الهندوسية والسيخية والمسيحية والإسلام، واستعرض المؤلف عوامل التأثير والتأثر وطبيعة التعايش بين مختلف هذه الأديان والطوائف وكيف ساهم هذا التنوع في تكوين ملامح الثقافة الهندية وإرساء قواعد حضارتها.
وتناول الكتاب أيضاً ما ذكره المؤرخون الهنود من أن دخول الإسلام إلى الهند كان هو البديل الرئيسي في ظل الظروف الدينية التي كانت سائدة في أوائل العهد الوسيط في الهند. كانت الجزيرة العربية حاضرة ومأوى للرحالة والمسافرين والمزارعين بمدنها وأسواقها المنتشرة في أماكن كثيرة، ولعلّ مدينة مكة عام 600 تقريباً، كانت هي الأكثر ازدهاراً بين سائر المدن، في حين كانت تعيش الهند أوضاعاً غير مستقرة. وعندما فتح المسلمون بلاد السند، سعى الحكام العرب إلى إرساء نظام تعايش في ظله المسلمون وغير المسلمين من أهل السند. ووفق إحدى الوثائق التأريخية المهمة، فإن هناك أدلة واضحة ومفصلة تشير إلى حقيقة المعاملة المتساوية التي حظي بها الهندوس في السند مع أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، بحيث مثلت هذه المعاملة أعلى درجات التسامح الديني مع الناس وأماكنهم المقدسة.
ويتضمن الكتاب ما شهدته الهند من تطور في مجالات الفنون (العمارة – النحت – الرسم)، فهي شهدت منذ القرن السابع فصاعداً تطوراً في فنها المعماري الكلاسيكي القائم على الأحجار والصخور. فنجد أن الآثار المعمارية الباقية حتى الآن هي في معظمها عبارة عن كتل من الكهوف ومبانٍ تم تشكيلها من صخور حية، وتركزت الأنماط المعمارية على بناء المعابد والسراديب والقباب والأبراج والأقواس، وكل ذلك ساهم في تطور فن النحت على الصخور.
مؤلف الكتاب عرفان حبيب، أستاذ فخري للتأريخ في جامعة أليجاره الإسلامية في الهند، ويعد من أهم مؤرخي الهند في العصور الوسطى. وله كتب عدة تتناول الجغرافيا السياسية وأثر الاستعمار على الهند والتأريخ الاقتصادي والإداري للهند في العصور الوسطى.