الحيز اللامرئي في نصوص الشاعر العراقي كريم ناشور

الجسرة الثقافية الالكترونية
اد. علي حسون لعيبي
بدون تحضير أو تحليل وجدت نفسي أنساب مع وقع الصور المذهلة المتنوعة في نصوص الشاعر كريم ناشور.
تجبرك جمله أن تكمل ما ابتدأت فيه.. فهو يتنقل بنا في مساحات واسعة من الفرح والحزن والتمرد والتأمل. ويبدو أن هناك افقا آخر يراه هو ويدعونا أن نلتحق به لنكون معا. هذا الكريم الواسع بالتجدد يمنحننا بعض من ديالكتك الحياة ويعرض لنا الواقع كما هو وكما يتمنى. هموم مشركة لواقع مزري فيتحدث نيابة عنا:
نحن في الظهيرة يا صديقي …
نحن في عز الظهيرة …
حتى انني …
أرى الكلمات …
لحظة انبجاسها من حبالك الصوتية …
حمراء …
ولزجة …
كرؤوس مقطوعة …
وحين تلسعني سخونتها …
أتحسس زرقتي …
وأخجل …
نيابة عنك
البحث عن حقيقية ما يحدث وعرض الأسباب والنتائج لأن ما يحصل وسيحصل كارثي، حيث ثمة جشع وظلم ينتشر. والناس في جحورهم خائفين.. وكانهم خلقوا فقط ليأكلوا ويتنفسوا ذلك الشهيق المجاني ويحبسون زفيرهم برعب. هذا السكوت المسكون بالالم رغم العوز لكنه مازال يجعل الآخرين هاربين من الخنازير التي لا تحب أن ترى على جانبيها احدا.. فتغتال من يقف امامها. هناك قناعة زائفة مفروضة.. فيصورها قائلا:
يبحثُ عن طحلبٍ في الحديقةِ
هل نسيت وقلت الحقيقة؟
كلا …
ولكنه لم يجد سوى طحلبٍ واحدٍ …
يكفي …
لكي يتجنب بعض المثالب …
حين يقول:
إن الحديقةَ فسحةٌ من طحالب …
هل ذكرت الحقيقة؟
ثم يحملنا في مساجلة طردية وأخرى عكسية، في كيفية الوصول الى تلك الفسحة من الآمال، حيث هذه الزهور التي يراها من بعيد.. جميلة لكنها تحمل أشواكا وضعها الجشعون.
معادلة بين المهم والاهم.. والقيادة والانقياد.. السلطة والدولة.. الانسان والحيوان.. والنوايا المعلنة والخفية:
الشيخ الذي قاد كلبهُ مرةً …
برسنٍ يطوق قائمتيهِ …
الى نزهةٍ عابرة …
أخطأ الطريقَ الى بهجة الكلب …
الكلب الذي قاد شيخه مرة …
بحبل يطوق معصميه …
الى وحشة غابرة …
أصاب الطريق الى لوعة الشيخ …
وليس الطريق الى بهجةٍ …
كالطريقِ الى لوعةٍ …
في حساب النوايا …
وليس …
النوايا …
سوى فكرة خاثرة …
الشيخ يعوي:
آهِ قلبي …
قلبي مهماز فرسٍ نافرة
والكلاب تغني:
تلك لحظتنا النادرة
الحياة قصيرة والأعمار بيد الله سبحانه وتعالى.. والمسافة بين الموت والحياة شعرة.. وكذلك المسميات الاخرى الاقدام والخنوع.. الحق والباطل.. الشجاعة والجبين.. الاستسلام والنهوض.. مسافات يجب اختراقها وتجاوزها.. حتى نحتفظ بآدميتنا:
لم يتبق من الوقت …
الا قليلا :
بضع صباحات … تكفي
لأنثر قلبي …
هناك …
تحت الشمس الساطعة …
حين تزيح غلالتها السوداء …
وترمي خيوط الحرير …
على العشب الندي …
في المروج البعيدة …
حيث العصافير …
تمرغ مناقيرها في فضة النهر …
وتغني للحرية
اذا الوصول للغايات السامية تلك تحتاج ارادة وقوة ومجابهة.. وحتى تصل عليك بالبحث عن الوسائل المشروعة.. للسعادة وحياة الفضيلة التي يمقتها ويحاربها الطغاة.. تحتاج لصرخة من نوع آخر .. ضرب من نوع خاص حتى نضمن حياة الفرد والجماعة:
لن أدع الأوغاد …
يفترشون حشائش روحي …
ويلتحفون غلالة (أحلامي …
أولئك الذين غلفوا أوقاتنا بالضجر…
سأنتزع أصابعي من رائحتهم …
ولن أمنحهم لذة: أن أهتم بهم …
حتى في أن أقول
أنا هنا أيها السفلة)
الخيار هنا أن نختار بين الضياء والظلمة.. وأن نعرف جيدا.. أن من يصنع التغيير الحقيقي هم العامة من فقراء الامة.. وطليعتها المثقفة الواعية.
كريم ناشور يخاطبنا أن لا نبتئس.. فطريق الالف ميل يبدأ بخطوة واحدة.
المصدر: ميدل ايست اونلاين