الخليل.. معالمها وملامحها حب لا يقاوَم / ثورة حوامدة

الجسرة الثقافية الإلكترونية- خاص-
ذات صباح ، لا ينسى من الذاكرة ، توجهت مع صديقاتي في الجامعة إلى الحرم الإبراهيمي لنصلى صلاة “الضّحى” ، أثقلت الحقيبة كاهلي من طول الطريق الذي مشيناه سيرا على الأقدام بدأ من عين سارة ، مرورا إلى باب الزاوية ، وصولا إلى البلدة القديمة ثم باحة الحرم الخارجية ، حجارته العتيقة ، ودرجاته المتراصة قبل الباب الرئيسي ، وبساطة زير الماء عند المدخل ” جرة من الفخار ” ، برودة مائه صيفا وشتاءا ، تجعلك تشعر بأنها زمزم الحرم الإبراهيمي , أذكر جيدا حينما ذهبت لزيارته , لم أستطع بعدها إلا أن أزوره شهريا , رغم أنني كنت أعاني دائما من إجراءات التفتيش من قبل الجنود الإسرائيلين ، عند الدخول للحرم، قامت المجندة بعملية تفتيش لجميع الحقائب، وقبل أن تسمح لنا بالدخول، أنتشلت من حقيبتي الخاصة زجاجة العطر ، ووضعتها في مكان فوق رأسها يشبه الرف، وقالت بالعربية الثقيلة “بس تروح من هون بتاخدها”.
عندما صلينا وجلسنا جلسة صفاء روحانية تختلط فيها الأحاسيس الدينية متحدة مع جمالية المكان ، بجانب قبر سيدنا إبراهيم، وقبر السيدة سارة، وفجأة دب الصوت خارجا ، ثم دلف علينا قطعان المستوطنيين ، دنسوا المسجد بأحذيتهم ، وأخذوا يمشون فوق السجاد المخصص للصلاة بكل جلافة، ذهلنا للمشهد ، فصاحت صديقتي هيا بنا ، وخرجنا مثقلين بالدموع ، للمغادرة قبل صلاة الظهر، وفي الخروج هممت أن آخذ زجاجة العطر، من فوق رأس المجندة ، كانت تسرح في شيء ما ، فانتبهت وذهلت لأنني أردت أن أخذ أشيائي دون استئذانها، وصوبت السلاح الذي تحمله إلى جسدي، وأرادت أن تطلق النار ، لولا أنني ابتعدت قليلا وتأكدت بأنني سآخذ الزجاجة .
السوق القديمة
في طريق العودة من الحرم ، كانت البلدة القديمة تقف شامخة، بعراقة محلاتها التجارية ، وصبر مالكيها ، على ما يتعرضون له من أذى وإزعاج المستوطنيين بشكل يومي ، ومصادرة البيوت منهم وتحويلها لثكنات عسكرية مغلقة، كل هذا في الطريق الذي يقف شاهدا على هذا الزمن.
هنا.. ترى بائعي الملابس والأغذية والنثريات على طول الطريق ، فالشوارع مرصوفة بالحجارة القديمة، وزقاقها لا يسمح للسيارات بالدخول ، فتدخل بقدميك وتكتشف سلسلة المحلات المتلاصقة بجانب بعضها البعض، ولعل شوارع البلدة القديمة تحمل ما لم تحمله الجبال فيها، فكثيرا ما استشهد في أزقتها الشبان الذين يدافعون عن أرضهم ، وشهدت على عمليات اعتقال للصبية، , ومضايقات المستوطنين اليومية للنساء والرجال، بشكل يجعل من الحياة صعبة جدا .
وكلما هممت لتبتاع شيئا من إحدى المحلات يعرض عليك صاحب المحل أن تشرب القهوة السادة، لأن هذا نابع من كرم الضيافة ، والجميل أن للمباني رائحة غريبة كلما دخلت لها أشمها حتى وإن كانت معطرات الجو موجودة .
العادات والمطبخ
المحافظة الأكبر في الضفة الغربية ، يتميز أهلها بإكرام الضيف ، والتعاون في الأفراح والأتراح ، فعادة ما تبدو مناسباتها الإجتماعية في الأعراس حشدا كبيرا ، لمست هذا في مناسبة لأقربائي في مدينة دورا جنوب الخليل ، تحديدا في قرية بيت عوا ، لعائلة المسالمة ، حيث الأقارب وأهل القرية جميعهم بلا إستثناء يشاركوهم فرحتهم ، ثلاث ليال وأكثر يتجمع الشباب للإحتفال على الطريقة الفلسطينية التقليدية ، بالرقص على أغاني الدلعونا ، والدبكة التي تتميز بتجمع عدد كبير من الشباب ، عادة ما يلبسون نفس الزي ويؤدون نفس الحركات . وفي المناسبات الحزينة ، ترى الأشخاص يتكاتفون إلى جانب بعضهم البعض كأنما نزل الحزن عليهم جميعا ، فتذهب النساء لأهل الفقيد ، يشاركن ذويهم قراءة القرآن والأدعية ، وتخفيف المأساة على أمه وأخواته .
المأكولات في الخليل مختلفة ولها طابعها الخاص ، هنا نجد “القِدرة” و”المقلوبة” تتصدّران قائمة الأكثر طبخا. في ظهيرة اليوم الماضي أعدت أختي الغداء، وكانت “القِدرة” المطبوخة تفوح منها رائحة السمنة ، يسيل لعابك حين تشمها، لم أستطع أن أقاومها، كما أن النساء تبدع في إعداد الخبز على التنور ، له نكهة مختلفة .
ملابس وأزياء
في القرى تحديدا، سواء قرى الخليل أوى قرى رام الله ، حافظت النساء على اللباس التقليدي لمن يفوق عمرها 50 عاما ، جدتي وأمي يرتدين الثوب الفلسطيني ، أنا أتقن تطريزه ، وقمت بتطريز ثياب لأمي تتزركش بألوان الأخضر والزهري والنهدي، وهذا يعد إحياءً له بشكل أو بآخر، كما أن الصبايا يبدعن في تصميم الملبوسات التقليدية ، لارتدائها في المناسبات الإجتماعية، فأنا مثلا قمت بخياطة ثوب لي ، ارتديته في عرس أخي ، في العادة لا يكون قصيرا بل على طول الجسم .