‘الدخول الى الخارج’ تتطلب قبولا روحيا صافيا

الجسرة الثقافية الالكترونية
أقام الشاعر زانا خليل في مجموعته الشعرية والمترجمة عن اللغة الكردية الموسومة “الدخول الى الخارج” شكلا من أشكال العلاقات التكتيكية بين لغته المستخدمة لرفع مستوى حيويتها وهو يهيئ فرصته للتوقد وخلق محيطه الملائم، حيث استطاع من خلال ذلك تجديد انبعاثه وتواصل انسيابيته ولذلك أعطى لنصوصه الحرية الواسعة لتماسك جمله الشعرية بما تريد من تشكيلات صورية وتناغم سمعي.
وعمل بذلك على تقديم سيلاً من الإغراءات للمتلقي عبر ملامح متنوعة ومتعددة في النص الواحد، مستخدما لذلك قدراته الإستكشافية تارة ضمن ميزة العبث وتارة ضمن نظامه التخيلي والذي اشتغل به لمعاكسة الواقع للوصول للأداء الشمولي للنص عبرَ إمكانية تجربته الشعرية التي استوعبت الفيض النفسي والعاطفي واللذين ارتبطا باللحظة التي أرادها الشاعر زانا خليل، وهو يؤمِّن مساحات اشتغاله ويهيئء قدراً من الإنتباه الى الظهور الطارئ لمتغيرات النص وفق نزوات الخيال وتقلباته والتي أمدَت الشاعر بمفهوم كولردج بالضرورات ما بين الانتباه الى حركة الخارج والتأمل في انعكاساتها على باطن الأشياء الداخلية.
لذلك نراه يمسك دائماً بالأشياء الجوهرية في عملياته التقاربية والتركيبية عبر تنسيق جمالي لدالات الصورة الشعرية المُستحدثة تتابعياً.
إن النظام البنائي لهذه المجموعة الشعرية الجديدة نظاما يتعدى الشكلية والمألوفية في النظر الى اللغة وتراكيبها ووظائفها لأن الشاعر أراد أن لا يضع أي تقدير مسبق أو أي توافق على صعيد الإحلال والإستبدال والترتيبات والتشكيلات التي تحققها حركة المفردة الشعرية وكأنه يبحث في كل ذلك عن الأبجدية الساحرة بقول مالارميه.
لذلك لم يساور الشاعر أيِّ خوفٍ من الولوج الى الحياة اليومية حيث هي مادته الرئيسة في هذه المجموعة، والإبداع هنا أن كل تلك الموجودات الحياتية والتي نستخدمها يوميا ضمن العلاقات الفردية والجمعية حوّلها الشاعر الى أشياء غير قابلة للإستهلاك.
حوّلها الى أشياء ثرية ومتجددة، أشياء رغم أن البعض منها من الأشياء المادية لكنك تراها وكأنها تتحرك، تنمو، تتكلم، تشير، تمارس رغباتها وقادرة على الإيحاء، لذلك يشعر المتلقي حين يقرأ هذه المجموعة أنه بحاجة للقراءة الأعمق كونه ـ أي المتلقي ـ سيشعر مع كل انتقالة يشعر بقدرة تذوقية جديدة تنقله لحالة متقدمة للإرتباط مع الزمن إرتباطا سديميا ومع المكان إرتباطا عضوياً لتظهر الأشياء بعد ذلك بخصوصيتها. وفحوى هذه الخصوصية أن تذوقها يتطلب قبولا روحيا صافيا وليس جهدا عقلياً لأنه أراد أن لا يكون وسيطاً لنقل أي من الرؤى، إنما هو الباعث والمجدد والخالق والمعبر عن الشعور الخفي ضمن قوانين حركة موجوداته والتي تساهم في تصعيد القدرات التخيلية ليصل مراده في الطغيان الشامل للإنفعال مع كل خاتمة لأي نص من نصوص هذه المجموعة الشعرية في:
“لا أريد أن أتقدم على أحد،
أو في ريح أوكتوبر بيضاء،
أو الحب من أجل العشق،
أو حيال الأبدية،
أو الكل يعرف هذا”.
وكذا في باقي نصوصه، ولا شك أن الشاعر قد استطاع من الوصول إلى تثبيت قوام شكل النصوص المنسقة، وكذا التأثير الثر للصور الشعرية وكذلك صقل رشاقتها وتحسين أداء العبارة في الدلالة على أن المعاني خزينة بالمشاهد الوافية من حيث استيعابها لمساحاتها وقدراتها الوقائية، فحين يقرأ المتلقي ويعيد القراءة سيجد أن هناك دالة شخصية لجمال شخصي لا يمتلكه شاعر آخر سوى الشاعر نفسه الذي كتب نصوصه بطريقة وجدانية تثير الإنبهار وتؤسس لرؤية جمالية جادة وجديدة.
ولا بد لي هنا أن أشير الى الترجمة الخلاقة لـ نهاد النجار التي استندت إلى إيصال المضمون بضوء عميم لذلك قرأت هذه المجموعة بشوقٍ وبمحبة.
المصدر: ميدل ايست اون لاين