الدراما التركية ومقومات الحضور القوي عربيا

الجسرة الالكترونية الثقافية-الجزيرة نت-
سجلت الدراما التركية حضورا ملفتا على الشاشات العربية متفوقة على نظيرتها العربية من حيث الإقبال ونسب المشاهدة لأنها أكثر عمقا وجمالا وجرأة في طرح القضايا التي تتعلق بالشباب والحرية والانعتاق من التقاليد والأعراف السائدة في الحياة الاجتماعية، كما يؤكد عدد من النقاد.
جاء ذلك في ندوة نقاشية بعنوان “الدراما التركية.. الواقع والآفاق” ضمن اللقاء الثقافي الأردني التركي “همزة وصل بين ثقافتين” الذي نظمته رابطة الكتاب الأردنيين والمركز الثقافي التركي بالعاصمة الأردنية مساء الأحد.
وفي مداخلته بالندوة، رفض الكاتب السوري عبد القادر عبداللي نظرية المؤامرة على المجتمعات العربية وقيمها من خلال هذه الأعمال، خاصة ما يتعلق بالاختلاط والمساكنة والعلاقات خارج الزواج وشرب الخمور، لكن رئيس رابطة الكتاب الأردنيين الدكتور موفق محادين رأى أن غالبية المسلسلات التركية لا تجيب على أية قضية كالصراع الطبقي وقضايا المجتمع المدني.
استثمار فني وجمالي
وقال عبداللي الذي ترجم 51 كتابا عن التركية، إن الفكرة الأساسية لدبلجة (تعريب) المسلسلات التركية تجارية وفتح مجال جديد للاستثمار وتشغيل آلاف من خريجي معهد التمثيل، معتبرا أنها عوضت النقص في الدراما السورية التي كانت تنتج 170 ساعة تلفزيونية سنويا.
وأشار إلى أن اللهجة السورية الأقرب إلى الدمشقية ساهمت في انتشار الدراما التركية المدبلجة التي فتحت الباب أمام بعض الجماليات البصرية وساعات درامية أطول، لكن الدراما التركية رغم انتشارها تعاني أيضا من الرقيب في بعض البلدان العربية.
بدوره يرى رئيس منتدى النقد الدرامي بالأردن محمد القباني أن الدراما التركية استحوذت على المواطن العربي، فرصدها وتابعها وحفظ نجومها الذين باتوا يشكلون مزاجه ورؤيته للأمور الحياتية التي يعيش معها نتيجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة وكبت الحريات.
وأضاف أن غالبية الأعمال العربية ابتعدت عن مناقشة القضايا الكبرى كقضية فلسطين في حين طرحتها الدراما التركية كما حدث في مسلسلي “الأرض الطيبة” و”وادي الذئاب”، وتطرقت لتفاصيل كثيرة لم يتطرق إليها بهذا العمق والوضوح أي عمل درامي عربي، الأمر الذي زاد من إقبال المواطن العربي عليها ومتابعتها رغم مآخذه أحيانا على بعض خطوطها ومضامينها.
وأكد القباني أن الأعمال التركية “بتفش الغل” بخوضها في المناطق الممنوعة على الدراما العربية أو التي يروجون أنها ممنوعة لضمان التسويق الأمثل لأعمالهم في المحطات العربية.
وقال في مداخلته إن الدراما التركية اختلفت شكلا ومضمونا عن الدراما العربية، فكانت أكثر عمقا وأكثر جمالا وجرأة في طرح القضايا التي تتعلق بالشباب، وركزت على الحرية والانعتاق من التقاليد والأعراف السائدة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والمذهبية وقدمتها بدبلجة عالية الجودة ولهجة أحبها الناس.
كما راعت -حسب رأيه- الجمال وسحر الطبيعة والمكان وأظهرتها للمتلقي الذي تعود على المشاهد الداخلية بسلاسة ويسر مقصود لم يعتد المواطن العربي على رؤيتها بهذا الزخم والإتقان فبدت له طبيعية ومن واقع الحياة التي يحب أن يحياها.
رقم صعب
ويرى القباني أن الدراما التركية أصبحت رقما صعبا ضمن الدورات البرامجية للفضائيات العربية، وتدل الإحصائيات على أن مسلسل “حريم السلطان” بيع لأكثر من 55 محطة عالمية وكذلك “الحب الممنوع ” و”وادي الذئاب”، الأمر الذي يروج تركيا اقتصاديا وسياسيا وسياحيا وثقافيا.
وحسب القباني فإن القائمين على صناعة الدراما التركية استطاعوا فهْم عناصر النجاح فنجحوا، وهذا أمر يبعث على الإعجاب من ناحية والغيرة من ناحية أخرى.
أما عن مدى تأثيرات الأعمال التركية على المشاهد العربي سواء بالسلب أو الايجاب، فيرى القباني أن الإجابة ملتبسة، فهي ايجابية لأنها حفزت صناع الدراما العربية على الارتقاء لمستواها التقني العالي وأسلوبها السهل والجميل في تناول المواضيع المطروحة والتشويق المتصاعد وبتنا نرى درامات عربية لإعادة جذب المشاهدين كمسلسلات “روبي” و”عمر” و”الجذور” وغيرها فنجحت في بعضها وفشلت في أخرى.
أما الناحية السلبية فهناك من يصف الدراما التركية بأنها جريئة تقتحم الخطوط الحمر وأحيانا غير محتشمة ومن وجهة نظرهم تتناقض مع التابوهات (المحرمات) التي تشكل المجتمعات العربية خاصة ما يتعلق بالاختلاط والعلاقات خارج الزواج والحمل المرافق واحتساء الخمور رغم أنها آتية من بيئة إسلامية تحرمها.
وأشار إلى أن بعضهم صنّف الأعمال ضمن نظرية المؤامرة على الأمة العربية والإسلامية والتي برأيهم تقوض المجتمع وتبث الأفكار والسلوكيات التي تخلخل البناء المجتمعي وقيمه خاصة عند فئات الشباب والنساء الذين يرون في الدراما التركية المدبلجة والمقدمة بلسان عربي متنفسهم لما يعتقدون أنه تحرر من قيم المجتمع التي سلبت حرياتهم وحقوقهم.
من جانبه أشار موفق محادين إلى أن المسلسلات التركية معدة لمخاطبة الجمهور التركي، وباستثناء مسلسل “وادي الذئاب” فكلها ذات علاقة ببلد يحاول إنتاج نفسه للعالم الرأسمالي، لكنه استدرك قائلا إنه لا مسافات ثقافية بين شعوب المنطقة، متمنيا أن تحقق الثقافة ما عجزت عنه السياسة.