الساحة المسرحية تتجاهل مصممي الديكور

الجسرة الثقافية الالكترونية
*اشرف مصطفى
يشعر الفنانون أحيانًا بأن هناك ما ينقصهم ويؤثر بالتالي على قدرتهم في تقديم الخدمات الفنيّة للجمهور، إلا أن هناك من يتهمهم في بعض الأوقات بالتقصير، وبين اتهاماتهم التي يلقونها على أكتاف البعض والاتهامات التي توجّه إليهم نرى أنفسنا نقف في المنتصف، وعلى ذلك نحاول من خلال تلك الزاوية تقريب وجهات النظر ومحاولة الخوض في بعض تفاصيل أبرز الإشكاليّات التي تواجه الحراك الفني لمعرفة أصوله وتداعياته من خلال عرض كافة الآراء، وذلك عبر محاكمة افتراضيّة يتمّ خلالها توجيه اتهام أو أكثر إلى الضيف، ثم ننتقل إلى مرحلة أخرى يقوم خلالها الضيف بدور وكيل النيابة الذي يُلقي بالاتهامات على من يراه مقصرًا، ثم يقوم في المرحلة الأخيرة بإلقاء عددٍ من الأحكام على هؤلاء المُقصّرين.
وفي باب اليوم نستضيف الفنان التشكيلي “أحمد سلطان” ليكون ضيف باب “محكمة ثقافيّة”، وهو فنان تشكيلي له العديد من المعارض الشخصية كما أنه يعدّ أحد أبناء الحركة المسرحية القطرية، حيث شارك في العديد من الأعمال المسرحية كمصمم للديكور، وكانت آخر أعماله في هذا الجانب مسرحية “كلني يا جناب السلطان”، فضلاً عن تصميمه العديد من الأعمال الهامة كمسرحية “شرباكة”، و”الصانع الأول”، وغيرها العديد من الأعمال التي لاقت نجاحًا في وقت عرضها.
ديكور مسرحي
القينا على مسامع الفنان “أحمد سلطان” الاتهام الموجّه إليه بالابتعاد عن تقديم تصاميم الديكور المسرحي وقلّة أعماله رغم كونه واحدًا من الفنانين القلائل الذين تخصصوا في هذا المجال قبل أن يتمّ إهماله من عروضنا المسرحية واستئثار المخرج أو السينوغرافي بإنجازه، والأمر المُثير أن سلطان لم ينفِ هذه التهمة بل أقرّها، وقال إنه لم يبتعد برغبته وطلب منا أن نسأل القائمين على الأعمال المسرحيّة لماذا لا يستعينون بالخبراء والمتخصصين في هذا المجال، مؤكدًا أن الساحة الإبداعية بها العديد من الفنانين الذين قاموا بدراسة الديكور المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية سواء في القاهرة أو الكويت، مشيرًا إلى أن غياب هذه الأسماء لم تأتِ من إرادتها في الابتعاد عن تصميم المناظر في المسرح القطري لكنه يرجع إلى رغبة المخرج في أغلب الأحوال إلى الفوز بنصيب الأسد من إجمالي الأجور المخصصة للإنتاج، فلم يكفه أجر المخرج فقام هو بالتأليف والديكور والسينوغرافيا والعديد من عناصر المسرحية، علمًا أنّ مصمم الديكور المتخصص في هذا المجال هو من يملك وحده القدرة على إنجاز هذه المهمة بأقلّ التكاليف، ما يوفر الكثير على الإنتاج، وذلك يرجع لقدرته على توظيف الإمكانات المتاحة بصورة أكثر إبهارًا، كما أنه يفهم جيدًا بحكم تخصصه ما يحتاجه المسرح من مناظر تلائمه وتلائم المنهج الذي يعمل من خلاله المخرج، بالإضافة إلى أهمية تعدّد وجهات النظر داخل العمل الفني، ورؤيته بأكثر من منظور عبر مشاركة أكثر من طرف كلٌّ في مجاله، وهو الأمر الذي يكسب العمل قيمة أكبر ورؤية ذات مفهوم أوسع، كما برّر سلطان ما يجري قائلاً: إنه يتعجّب من قلة طلب أهل التخصص من أجل الأعمال المسرحيّة التي تحتاج إلى مصمّم ديكور مُتخصص أو محترف، وأضاف: يبدو أننا أصبحنا في زمن غياب التخصص، في وقت بات فيه الغرب يؤمن بتخصص التخصص. ويتذكر سلطان آخر عمل شارك في تصميم ديكوره كان عمل “كلني ياجناب السلطان” في أول احتفال بمهرجان المسرح المحلي عام 2010، ومسرحية “شرباكة” التي أنتجتها فرقة الأضواء، ومسرحية “الصانع الأول”، وغيرها الكثير من الأعمال المسرحية.
وقال: إن هناك العديد من الفنانين الذين درسوا “ديكور” ولكنهم ابتعدوا عن المجال بسبب عدم طلبهم للعمل أو لتنفيذ تصميمات الديكور في الأعمال المسرحيّة واكتفوا بالعمل في الفنون التشكيلية، مؤكدًا أن عشقه للمسرح دفعه للسفر إلى مصر والالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في قسم الديكور، وفي الوقت الذي يوجد في الساحة الكثيرون ممن قرروا التخصص في هذا المجال إلا أنه لم تتحْ الفرصة الكافية، كما أشار سلطان إلى أنه اكتفى بممارسة العمل في الساحة التشكيلية بعد أن أغلق المسرح القطري بابه في وجه المتخصصين في مجال تصميم الديكور، مؤكدًا أن اتهام البعض له بأن أعماله التشكيلية تأتي في الغالب أشبه بخلفيات الأعمال المسرحية هو في محله، لأنه ينتهج في أعماله دائمًا الشكل الأقرب للدراما، وتشغله الحركة أكثر من السكون في خطوطه على اللوحة التشكيلية.
وكيل النيابة
في المحور الثاني من الحوار، انتقلنا مع الفنان علي سلطان ليؤدّي معنا خلال هذا الحوار دور وكيل النائب العام، ويتلو بعض الاتهامات ضدّ من يراه سببًا في أي تقاعس ضدّ مسيرة الحياة الإبداعيّة، سواء كان من الوسط الفني، أو من الجمهور، أو من المسؤولين وليطلب تنفيذ أقصى عقوبة عليهم، وفي هذا السياق قال سلطان: أوجّه الاتهام إلى كل من لا يعترف بالتخصص ولا يسند العمل إلى أهله؛ لأنهم بذلك أساؤوا للحركة الفنية، كما أتهم من لا يسعى لتطوير ذاته والبحث عن كل ما هو جديد في عالم الفنّ والاطلاع على المدارس الحديثة التي تفتح مدارك الفنان وتساعده على الإبحار في عالم الإبداع من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين.
قاضٍ
في المرحلة الثالثة قام الفنان علي سلطان بدور القاضي وألقى نصّ التهمة وأصدر حكمه، مؤكدًا أنه ما زالت منطقتنا لديها سوء فهم وعدم وضوح بين الديكور والسينوغرافيا والمنظر بسبب عدم وضوح المصطلح حتى الآن لدى المسرحيين، وطالب بأن يدخل تخصص مصمم الديكور إلى الخدمة من جديد، ومنح أهل الاختصاص دورهم كاملاً على أكمل وجه، ولتنفيذ ذلك أوجب إقامة ورش خاصّة بهذا العنصر الذي رأى أنه لا يقل أهمية عن غيره من عناصر المسرح حتى يتم توظيفه بشكل يخدم الحركة المسرحيّة، وأشاد بتخصيص كلية المجتمع قسمًا للديكور ضمن دراستها المسرحية المزمع إنطلاقها الموسم الدراسي المقبل، متمنيًا أن يجد خريجو هذا القسم مجالاً مفتوحاً في سوق العمل.
المصدر: الراية