“السياحة الآثرية” مستقبل الحركة الثقافية القطرية

الجسرة الثقافية الالكترونية
*مصطفى عبد المنعم
السياحة الأثرية هي مستقبل الحركة الثقافية القطرية، وهذه الآثار ستصبح لغة وهوية أهل قطر ومتاحفها ولكل المهتمين بالآثار، هذا ما أكدته الدكتورة فاطمة السليطي في حوارها مع الراية بمناسبة اختيارها من قبل اليونيسكو و”ايكروم” -المركز الدولي لدراسة صون الممتلكات الثقافية وترميمها- ضمن عشرين خبيرًا بالآثار من بين 56 دولة وأكثر من مائة متخصص ليقوموا بدور خبراء بالإسعافات الأولية للتراث القومي على مستوى العالم.
وقالت د.السليطي إن اجتماع لجنة التراث العالمي الثامن والثلاثون الذي عقد بالدوحة مؤخرًا نجح في تثبيت الرؤية الوطنية القطرية نحو تفعيل التراث القطري ضمن التراث العالمي ولفت الانتباه إلى ثراء فاعل لمنظومة التراث القطري الذي سوف يصبح خلال خططنا القادمة المستقبلية أحد العلامات البارزة في منظومة التراث العالمي، مطالبة في الوقت نفسه بوضع مناهج دراسية وبرامج لا صفية لتوعية النشء بأهمية التراث، مشيرة إلى أن العمارة الإسلامية جمعت خصائص جميع حضارات العالم.
> بداية ما سر تعلقك بالآثار والعمارة الإسلامية؟
— من يتأمل الحضارة الإسلامية سيجد أنها خلال فترة قصيرة لم تتجاوز المائة عام نجحت في أن تصهر جميع الحضارات التي اندمجت معها لتذوب بين جنباتها وتنتج شخصية فنية متكاملة في العمارة والفنون وتخطيط المدن، لها خصائصها التي تميزها عن غيرها من الحضارات في كل بقعة من البقاع التي انتشر فيها الإسلام، واتّصف الفن المعماري والعمراني الإسلامي باستيعابه المدارس التي سبقته كافة، ومن هذه المدارس الفنية السابقة للعمارة والآثار الإسلامية المدرسة البيزنطية أو المسيحية الشرقية، المدرسة الفارسية والمدرسة القبطية.
وقد استفاد العرب المسلمون من العمارة والفنون التي كانت سائدة في البلاد التي فتحوها في إشادة المباني والمنشآت، وذلك في الفترة الأولى من المدرسة الإسلامية، ثم ما لبثت أن تبلورت مدرسة فنية متكاملة تحمل هوية متجانسة على البلاد الإسلامية قاطبة، وصار من الصعب معرفة الأصول المقتبسة منها فتميزت من غيرها من المدارس الفنية، وجميع هذه الخصائص تجعل من الصعب ألا نفتتن بالآثار والعمارة الإسلامية.
> وما أكثر ميزة تفردت بها العمارة الإسلامية؟
— تميزت الآثار والعمارة الإسلامية بغنى مفرداتها المعمارية، واهتمامها بالنواحي الحياتية جميعها والبعد الفكري وتتجلي الرمزية أيضاً في العمارة الإسلامية بتأكيدها أشكال المربع والدائرة والعلاقة الجدلية بينهما، وهو ما يُلاحظ في مساقط الأوابد المعمارية المشهورة في التاريخ الإسلامي، فالمربع يمثل العناصر الأربعة المكونة للطبيعة في الفلسفة الصوفية وهي (النار والهواء والماء والتراب). وجاءت المئذنة لتعبر عن الارتقاء نحو السماء عن طريق الآذان والدعوة إلى أداء فروض الصلاة، ولم تبتعد هذه الرمزية عن تنظيم المدن الإسلامية وتجلت في مخطط مدينة بغداد الدائري حيث المدينة حول المسجد الكبير.. ولمع مهندسون معماريون أسهموا في تطوير العمارة الإسلامية، وسجلوا أسماءهم في تاريخها، أمثال معمار سـنان الذي انتشرت أعماله في معظم العواصم الإسلامية، وأنا أري أن المدرسة الإسلامية هي مدرسة فنية متكاملة ضمّت أنواع الفنون جميعها، من معمارية وعمرانية وفنون تطبيقية وغيرها، وأسهمت ولا تزال في بناء الحضارة الإنسانية.
> ألا ترين أن التنقيب عن الآثار بمواقع دولية مهنة شاقة على النساء ؟
— اقتحمت المرأة العربية حاليًا مجالات عدة، لم تكن تخطر على البال حتى وقت قريب، وخلال السنوات الأخيرة شاهدناها وهي تقتحم ميادين بعض المهن التي كانت حكرًا على الرجل، وهناك من يعتبر هذا الأمر تحديًا من جانب المرأة لتثبت نفسها، وهناك من يرى أن هذا هو اعتداء على حقوق الرجل، وآخرون يرون أنها مجرد فرصة عمل وعلى كل امرأة تسنح لها فرصة يجب استغلالها مهما وصلت ذروة قسوتها، والتنقيب مع صعوبته وقساوة العمل به ليس بأصعب مجال دخلت به المرأة ولعل شغفي بالآثار والعمل الميداني جعلني لا أفكر كثيرًا بالعقبات بل انشغلت بالتفكير في النتائج الإيجابية وخصوصا عندما تكون أنت المكتشف لآثر معين، وأتذكر أنني في إحدى عمليات التنقيب التي قمت بها وجدت بقايا أعمدة مملوكية، ومرة عثرت على قنابل عثمانية من الفخار فضلا عن العديد من الاكتشافات الأخرى من الفخار كالجرار وغيرها، وهذا الأمر يجلب السعادة لأي مكتشف حيث يشعر صاحب الكشف بأنه يقدم للإنسانية الكثير والكثير، وبالنسبة لأهم المواقع التي نقبت بها كانت سوق الصاغة، باب كيسان وبستان سكر ومعبد الحوريات الروماني بمدينة دمشق القديمة بالإضافة للتنقيب في بعض الأماكن بالبحر الميت في الأردن وكانت بحثًا عن مصانع السكر التي ترجع للعصر الروماني.
> ما هي رؤيتك لمستقبل السياحة الأثرية في قطر؟
— مستقبل السياحة الأثرية في قطر هو مستقبل الحركة الثقافية القطرية الفاعلة التي سوف تثبت الأيام أن ما يحتويه التراث من آثار وما تشتمل عليه عاداتنا وتقاليدنا من مقتنيات أثرية وتقليدية هي محل اعتزاز لدى كل قطري، وسوف تصبح هذه الآثار لغة وهوية أهل قطر ومتاحفها ولكل المهتمين بالآثار، وتكمن أهمية السياحة الأثرية بأنها المفاعل الأول والأساسي اليوم الذي يجذب السائح جذبًا حقيقيًا يرى فيه تاريخ نهضة معاصرة بل أصول تلك النهضة التي جعلت من قطر رقمًا مميزًا في الساحة العالمية وجعلت من قطر أيضًا قبلة السياحة الخليجية.. فمواقعنا هي رأسمال ثقافي فاعل ومستقبلي في خطط قادمة ناهضة.
> ما هي أهم مكاسب مؤتمر لجنة التراث العالمي الثامن والثلاثون الذي عقد بالدوحة مؤخرا؟
— نجح الاجتماع في تثبيت الرؤية الوطنية القطرية نحو تفعيل التراث القطري ضمن التراث العالمي، بل ونجح المؤتمر في لفت الانتباه إلى ثراء فاعل لمنظومة التراث القطري الذي سوف يصبح خلال خططنا القادمة المستقبلية أحد العلامات البارزة في منظومة التراث العالمي إن شاء الله، وأن استضافة قطر لاجتماع لجنة التراث العالمي برئاسة سعادة الشيخة المياسة بنت حمد ونجاحه دليل على التعاون والتواصل مع اليونسكو، لأنها اللجنة الوحيدة المعنية عالميا بالتراث الإنساني الثقافي والطبيعي حول العالم. وكانت مبادرة الحكومة القطرية بدعم صندوق الطوارئ في اليونسكو بعشرة ملايين دولار يؤكد اهتمام الدولة بالتراث الإنساني في ظل ما يهدده من كوارث طبيعية أو نزاعات وحروب، كما ظهر جليًا اهتمام الدولة بتعريف الشباب والنشء بالمواقع الأثرية وإطلاعهم على تراثهم الثقافي حتى لا نفقد التواصل بين الأجيال.
> ما هي أفضل الطرق لتوعية المجتمع بأهمية المحافظة على التراث؟
— الاهتمام بما يحتويه البيت القطري من منظومة العادات والتقاليد وأشياء تراثية قديمة هي محل اعتزاز كل القطريين وإحياء العادات القطرية القديمة أيضا تساعد كثيرًا على المحافظة على هذا التراث.. وأتصور أن الاهتمام بالتوعية بمثل هذه العادات والتقاليد في مختلف المناهج الدراسية، والاهتمام بما يسمى الأنشطة اللا صفية خارج جدران المدارس المتعلقة بالتراث والعادات والتقاليد أمر هام جدًا للمحافظة على التراث. وكذلك توعية الناشئة بأن الآثار أصبحت شأنًا وطنيًا وذلك لارتباطها بصميم الهوية الوطنية وتاريخ قطر.
> تم اختيارك مؤخرا ضمن أفضل 20 خبير آثار في العالم من قبل اليونسكو ..ما هي طبيعة عملك في هذا المنصب؟
— عملي في هذا المكان تكليف لا تشريف، إذ سوف نمثل كفريق محاولة إنقاذ المواقع التراثية العالمية التي تواجه أخطار، وسنسعى لرصد هذه المواقع كل على حدة وتحديد مكانة وقيمة كل منهم التاريخية وكل ما يتصل به من معالم متجددة، وسوف نسعى كفريق للمحافظة على التراث الإنساني.
وطبيعة عملنا كخبراء إسعافات أولية للتراث الثقافي في أوقات الأزمات هي دراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية وخصوصًا التي تكون تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، وأيضًا من ضمن مهامنا تحديد وتجهيز الخبراء بالمهارات الضرورية والمعرفة لتوفير استجابة فورية في حالات الأزمات، وتشكيل استراتيجيات فعالة وهادفه في خفض المخاطر والاستعداد للكوارث التي تصيب التراث الثقافي.
وقد تم اختيار الخبراء بحيث يكونون مؤهلين في تقييم الضرر ولديهم القدرة على استعادة وإجراءات الإسعافات الأولية للمواقع والمجموعات واتخاذ قرارات مدروسة وصحيحة تحت الضغوط.
> هل هناك نية لضم مواقع قطرية جديدة أثرية لقائمة التراث العالمي؟
— بالطبع نحن بمتاحف قطر نطمح لدراسة مواقع أثرية أخرى والتي تتطلب خطة ودراسة دقيقة لإضافتها كمعلم تراثي عالمي، لأن الاعتراف الدولي بالقيمة الاستثنائية العالمية التي تتميز بها أي منطقة تؤكد على غنى الموروث الحضاري لأي دولة، إذ يسهم ذلك في الحفاظ على هذه المنطقة وصونها وترميمها ضمن المعايير الدولية التي حددتها منظمة الـ”يونسكو”، والتعريف بها وتسويقها على المستوى العالمي، مما يعزز مكانة الدول على الخريطة السياحية العالمية، والآن يوجد لدينا “خور العديد” ضمن القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، وهو إنجاز جديد يعكس ثراء التراث الأثري الطبيعي في قطر.
> الجساسية منطقة آثارت جدلًا بين الأثريين والمنقبين ..هل يمكن استثماره سياحيا؟
— نحن نعمل معًا من أجل تحقيق المنفعة العامة للتراث، وما لم يتحقق اليوم يستحقق غدًا بإذن الله، ونحن نسير في الطريق الصحيح ونعمل جاهدين في سبيل تحقيق الأهداف المطلوبة منا.. وكل موقع سوف نقوم بالحفاظ عليه وسوف يتم استثماره بشكل فاعل في تنشيط السياحة الأثرية العالمية، ونحن نقوم حاليًا بتطوير مواقع أثرية عديدة من أهمها موقع الجساسية ومن أجل ذلك نقوم بدراسة الموقع وتاريخه بشكل علمي يثمر في إثراء تاريخ قطر وبصورة صحيحة ومثل هذه المواضيع لا يجب الاستعجال بذكر النتائج التي قد تكون متسرعة.
> كيف ترين استعانة متاحف قطر بأعمال كبار الفنانين العالميين ؟
— تقوم متاحف قطر بالتعاون مع فنانين عالمين في إضافة رسالة ولمسة فنية في الأماكن العامة الهامة وهي بالفعل رسالة سامية لتقدير أهمية الفن وإغناء دولة قطر بأعمال فنية متميزة سوف تصبح مع مرور الزمن جزءًا مهمًا من التاريخ الثقافي والفني وتسجيل للأجيال القادمة بمكانة قطر الدولية في الثقافية الفنية
> وما هي نصيحتك لأي مجتمع يرغب في الحفاظ على آثاره وتراثه؟
— تحرص الدول الحضارية في العالم بالاهتمام بالآثار والتراث وتعتبر المعالم الأثرية واجهة حضارية مضيئة للسياح والزوار والتي تعتبر شواهد حية على عراقة حضارة تلك البلدان، وأرى أن أهم خطوات لأي مجتمع يرغب في الحفاظ على آثاره وتراثه بالتوعية والتعريف بالآثار والتراث وهناك طرق عديدة مثل تأسيس مفاهيم البعد الحضاري للمجتمعات في مناهج التعليم العام. برنامج الشراكة مع المؤسسات التعليمية لطلاب المدارس. عمل أفلام وثائقية عن الآثار والتراث والومضات الإعلامية عن الآثار والتراث. التراث الوطني يكون بين أيدي شابه. والقيام بحملات إعلامية مصاحبة للفعاليات التراثية والمعارض لتحفيز المجتمع بالمشاركة.
> ما هي طموحاتك وآمالك المستقبلية على صعيد العمل؟
— الطموحات لا حدود لها، ومادام المرء قادرًا على العطاء فلن يتوان في خدمة وطنه، والعمل من أجل قضيته، سواء على المستوى المحل أو العالمي، وهدفي بأن نكون في قطر رائدين عالميا في المحافظة وصيانة التراث الثقافي الإنساني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الراية