السيد نجم وأدب الطفل

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

د. محمد هندي

يعدُّ السيد نجم من الكُتَّاب المصريين المعاصرين الذين اهتموا بفئة الأطفال؛ إيمانا منه بأنهم هم بناة الحضارة في أي أمة من الأمم، ولذلك ركز في أعماله على المجالات العلمية، لاسيما المخترعات، والتكنولوجيا الرقمية، وقد أفرد فصلا مهما عن الطفل وثقافته في كتابه: “الثقافة والإبداع الرقمي”، الذي قدَّم فيه رصدا موجزا تاريخيا عن أدب الطفل، وأهم القواعد التربوية، ونتائج البحوث في مجال مخاطبة الطفل (في القرن العشرين)، ثم تحدث بصورة واضحة عن علاقة الطفل بالنشر الإلكتروني، وتعامله مع المواقع الإنترنتية المتعددة، مثل موقع: “أدب الأطفال”.

 

وذكر أيضا أن لهذه المواقع سلبيات متعددة، منها: عدم الالتزام الدقيق بخصائص المرحلة العمرية، وكذلك مخاطبة الطفل الأنثى والذكر على قدر واحد من التناول، والبعد عن روح الطفل في التناول مع تقديم المعلومة.

 

ومن هنا فقد اتصل السيد نجم بعالم المعلوماتية المتمثل في عالم الإنترنت، محاولا توظيفه في خدمة الطفل، خاصة بعد أن رأى العلاقة القوية التي تربط طفل اليوم بهذا العالم الجديد، ولذلك رأى لزاما عليه تحديد ركائز أدب الطفل الرقمي، أو الأدب المقدم من خلال وسيط الحاسوب المتصل بالإنترنت.

 

فكاتب أدب الطفل الرقمي – من وجهة نظر نجم – هو المتعامل الواعي بأسرار التقنيات السردية/المشهدية، بالإضافة إلى أسرار التقنيات التكنولوجية، في بناء العمل الأدبي الرقمي، مع القدرة في توظيف هذا العنصر أو ذاك، وبدرجة نجاح مناسبة تحقق توظيف العناصر المختلفة في بناء العمل الإبداعى الرقمي.

 

ويتحلّى الكاتب الرقمي بالآتي (الركيزة الأولى):

 

1- البحث في جوهر خصائص الثقافة الرقمية. وعلى الكاتب مواكبة وفهم دلالة بعض القضايا مثل: غلبة الصورة – وتوظيف التقنية الرقمية.. وغيرها.

 

2- على الكاتب الإلمام بأسرار الكمبيوتر ولغة البرمجة، وعليه أن يتقن لغة الـ HTML وغيرها. كما عليه أن يعرف فن الجرافيك والإخراج السينمائي، وأن يعرف فن الـ Animation .

 

3- أن يكون ملماً بأسرار فنون الكتابة السردية.. وسيناريو السينما وكتابة المشاهد المسرحية.

 

4- أن يكون ملمًا بأبعاد القضية / المشكلة المطروحة.. ومن أية وجهة نظر سوف يطرحها.

 

5- مع الوضع في الإعتبار أن المنفذ الفعلي للتقنيات المهارية، ربما يكون مبرمجا أو مهندسا، أو تقنيا.

 

6- قد يكون التخصص فى مجال أدبى معين حاليا غير متاح، إلا أنه مستقبلا يفضل الكاتب الرقمي المتخصص، مثل كتابة الأعمال الأدبية للطفل.

 

7- الوعي بسلبيات “الصورة”، مثلما الوعي بكل معطياتها الايجابية.

 

8- الوعي بسلبيات الشبكة العنكبوتية، مثل: سهولة النشر وإقدام البعض على نشر ما يعد تجارب أولية وغير جديرة بالنشر، وأيضا السرقات الفكرية، وكذلك إدمان الانترنت.

 

الركيزة الثانية: محتوى أدب الطفل مع التقنية الرقمية.

 

إن محتوى أدب الطفل، بات على صلة أوثق بخصائص القرن الجديد، حيث التشابك بين الثقافة والأدب الرقمي والطفل، وخصائص ومعطيات التقنية الرقمية، أفرزا لوناً جديداً من الثقافة والأدب للطفل، تمثَّل في عدة أشكال على الشاشة، منها: شيوع وغلبة الثقافة العلمية وأدب الخيال العلمي للطفل. كما أن تقنيات الحواسيب أتاحت إنتاج نصوص رقمية متنوعة تحت اسم “ألعاب الفيديو”. ثم توظيف التقنيات الرقمية في الحاسوب لإعادة إنتاج قصص وحكايات تراثية أو حديثة، مع الاستفادة من هذه الإمكانات. وأخيرًا توظيف الشاشة كصفحة ورقية.

 

من أهم أعمال ” السيد نجم” القصصية التي كتبها للطفل:

 

• قصص “سامح يرسم الهواء”.

 

• قصص “الأسد هس والفيل بص”.

 

• قصص “حكايات القمر”.

 

• قصص “المباراة المثيرة” (خيال علمي).

 

• الأمومة في عالم الحيوان” .

 

• رواية ” الأشبال على أرض الأبطال”.

 

• قصص” روبوت سعيد جدا”.

 

• قصص ” حكايات الولد”.

 

• رواية “كامس.. ابن الشمس”.

 

• رواية “مرنبتاح فرعون الخروج”.

 

وبتأمل العناوين السابقة يمكن مباشرة الوقوف عند الموضوعات والمخترعات العلمية من ذلك: ” قصص” روبوت سعيد جدا”، و”سامح يرسم الهواء”، و”حكاية قمر”، و” المباراة المثيرة” (خيال علمي).

 

ففي قصص مجموعة “ربوت سعيد جدا”، يتحدث السارد عن التقدم العلمي وأثره في المجتمع، وأن الروبوت أصبح حاليا يشغل مساحة كبيرة من حياتنا، والربوت كما يعرفه السارد هو:

 

“آله على شكل جسم إنسان، له رأس داخلها يوجد المخ، أو الجزء المسئول عن إصدار الأوامر أو السيطرة على الآلة، وهو في ذلك مثل الإنسان أيضا، كما توجد بالآلة “الذاكرة” وهي عبارة عن أسطوانة صغيرة، عليها ثقوب كثيرة..” ومخ الربوت يشبه سويتش التليفونات، السويتش هو الذي يربط بين كل خطوط التليقونات وكذلك يوصل المكالمات…” ( ص10-11).

 

ويلاحظ أنّ السارد في النص السابق قدَّم على لسان الوالد مفهوما مبسطا حول هذه الآلة بطريقة تتناسب مع الأطفال، لاسيما في عنصر الشرح والتفصيل، ومن هنا راح الأبناء يتساءلون:

 

هل يأكل ويشرب؟

 

هل يجيد شراء ما نريده من السوق؟

 

هل يجيد القراءة؟ (ص 11).

 

ويعيش الربوت مع الأسرة، التي مع مرور الوقت لم تستطع العيش معه، وقد اكتشف الجميع أن الروبوت مجرد برنامج يقوم مخترعه بتزويده بالمعلومات المطلوبة فقط، وفي هذا يؤكد السارد أنه رغم فائدته، فإنه لا يمكن الاعتماد عليه بصورة تامة، إضافة إلى تأكيد السارد على مادية الروبوت، وافتقاده للعنصر المعنوي (الروح)، كما أن الأم حذرت الأبناء من الكسل في أداء الواجبات اعتمادا على الربوت، يقول السارد:

 

ضحكت “مي” و”بسمة” وقالتا معا وفي صوت مشترك، وكأنهما اتفقا على ذلك: ياه.. هذا الروبوت جدا.. سوف يريحنا من الأعمال الشاقة، وسوف يجعلنا سعداء بإصدار الأوامر فقط! فهمت د. عزة ما يقصدانه، فأسرعت إليهما وحذرتهما. إن لم يستفيدا بالوقت والجهد الذي سيوفره لهما الروبوت، لن تتردد في ارتجاعه إلى المهندس علم الدين لكنها لم تسمع ردا” (ص11)

 

والأمر نفسه في قصة “حرب الكائنات الدقيقة”، تلك الكائنات التي صنعها الدكتور حرب (العالم الشرير الذي أراد السيطرة على العالم)، لكن الكائنات الدقيقة مثل: البكتريا والأميبا، تنتقم منه في النهاية وتخلص العالم من شره، تقول ملكة الكائنات الدقيقة في ختام القصة: ” أطلب منكم الاحتفال بهذا اليوم العظيم. لقد نجحنا على العالِم الشرير ورجاله باستخدام نفس السلاح الذي أعده للقضاء على كل الكائنات الحية…” (ص45).

 

وفي قصة “مفاجأة على سطح القمر”، ضمن مجموعة “روبوت سعيد جدا” يعرض السارد قصة “العالم صيام”، وسفره إلى القمر؛ ليكتشف في النهاية أن هناك اختلافا في طبيعة الفترة الزمنية بين الحياة على سطح القمر والحياة على الأرض.

 

من ناحية أخرى لم يغفل الكاتب أهمية الحيوانات وعلاقتها بالإنسان لاسيما الطفل، الأمر الذي جعله يقدم قصصه على لسان الحيوان والطير، من ذلك مجموعة الديك كوك، التي احتوت مجموعة كبيرة من القصص على لسان الحيوان، والتي تضمنت أهدافا تعليمية متعددة من ذلك قصص:” دجاجات أميرة، وابن الظبية المغرور، والديك كوك وصديقه، ولم يعد القط جميلا، دهاء أرنب يحب أسرته”.

 

ويلاحظ بشكل عام أن طبيعة الموضوعات التي قدمها السيد نجم تميزت ببساطة تركيبها، وبحبكتها المتماسكة التي تتناسب مع عقلية الطفل، مع الاعتماد على السرد الموضوعي أو السرد بضمير الغائب، الذي يتناسب في سرد الحكايات المتعددة للأطفال.

 

كما أنه اعتمد على اللغة الفصيحة الموجزة الواضحة التي تعتمد على البنية الحوارية في أكثرها، مع توضيح ما غمض من مفردات في كثير من الأحيان، إلى جانب الاعتماد على الخيال المفهوم، والبعيد عن التعقيد.

 

كذلك يلاحظ أن نجم قد أعطى للصورة أو للرسومات أهمية كبيرة في قصصه، حيث جعل الصورة تتآزر مع اللغة في أداء المعنى، وتقريب الفكرة إلى ذهن القارئ، خاصة في تقديم المشاهد الحركية في صورة هيئات مجسّمة متحركة، فالروبوت ينتقل في فضاء البيت، والقط يقفز من مكان على آخر في الحديقة، والأرنب يجري هنا وهناك.

 

كل هذا قدمه الكاتب في هيئة رسومات مصاحبة للنص، وكأنَّه أراد أن ينقل الطفل مباشرة للعيش في الجو الخيالي للنص، مما يساعد في إيجاد التفاعل سواء الداخلي للنص، أو تفاعل الطفل مع المحيط الخارجي.

 

كما يتضح من خلال هذه القصص السابقة أنّ أدب الأطفال – ممثلا في قصص الأطفال – يستمد موضوعاته بحسب رؤية الكاتب وأهدافه التي يريد توصيلها لصديقه الصغير – الطفل – بحيث تتناسب مع تطور الزمن الذي يصاحبه تطور في عقلية الطفل، فطفل المخترعات العلمية والتكنولوجيا الرقمية يختلف عن طفل العصر الجاهلي أو طفل قصص “ألف ليلة وليلة”، و”كليلة ودمنة”.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى