السيرة الذاتية تطرح سؤال الهوية أم البحث عن الذات؟

الجسرة الثقافية الالكترونية-الاتحاد-

عن منشورات دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، وضمن سلسلة «جائزة الشارقة للإبداع العربي»، صدر للناقد المصري محمود فرّاج النّابي كتاب نقدي مهم بعنوان «السيرة الذاتية فعل الكتابة.. وسؤال الوجود/ قراءة في إبداع المرأة نماذج مختارة».

 

في 190 صفحة من القطع الصغير، أثار المؤلف سؤال الذات: من أنا؟ والكينونة: من أكون؟ باعتبارهما يحققان الوجود الكامل للإنسان، وفي إطار محاولته الإجابة عن هذين السؤالين، قسّم المؤلف دراسته إلى جزءين: الأول وجاء تنظيريا تحت عنوان «السيرة الذاتية محاولة للتأسيس»، ضمن مباحث: السيرة الذاتية في الإطار الزماني والمكاني، والمفهوم الاصطلاحي للسيرة الذاتية، محاولا تطبيقه من خلال ما أرساه نقاد الغرب على الأعمال السيرية العربية، وقد رأى خلطاً شديداً عند استخدام هذا المصطلح وأيضاً في تداوله في الأوساط الأدبية، ما استدعى منه وضع مبحث بعنوان «ميثاق السير ذاتي»، ليكون حداً فاصلًا في الأنواع ذات الحدود المائعة/ الزئبقية، للدخول تحت نوع أو دائرة السيرة الذاتية حسب المفهوم الذي ارتضاه المؤلف، متطرقا من خلاله لمناقشة أدبية السيرة، متخذا من تساؤل الناقد محمد عبد الستار، عن ما أدبية السيرة، والسؤال المضاد الذي قدّمه (تيتز روكي) هل هناك سيرة ذاتية غير أدبية؟ حافزا لمعرفة الأدبي من اللاأدبي. واختتم النّابي الجزء التنظيري، بمبحثين بمثابة نواة تجذرية للمصطلح، الأول: ألا وهو دوافع السيرة الذاتية، والثاني: وجاء تحت عنوان «انحسار السيرة الذاتية» محاولا معرفة دوافع الكتابة، وكذلك أسباب الانحسار، مكتشفا أن أسباب هذا الانحسار، كانت بمثابة العامل الأساسي لظهور نوع جديد/ هجين، هو (رواية السيرة الذاتية).

 

أما الجزء الثاني وهو تطبيقي، في محاولة لاختبار المقولات النظرية السابقة مثل (الهوية الذات الوجود) وقد رأى أن أفضل اختبار حيوي لتفعيل مثل هذه المقولات، هو وضعها في سياقها العملي من خلال دراستها تطبيقيا على الأعمال الأدبية، وقد قسّم المؤلف الجزء التطبيقي إلى ثلاثة مباحث: الأول بعنوان «تحوّلات الذات تحولات الواقع»، والثاني «رواية المرأة رواية الذات» وقد ناقش من خلاله سؤالًا مهما: ما علاقة ذات المرأة بما تكتبه، محاولًا الإجابة عنه من خلال قراءة المتون الروائية التي قدمتها المرأة وما طرحته هذه المتون من موضوعات وعلاقتها بذات المرأة، وقد قرأ متون رواية «الخباء» لميرال الطحاوي، ورواية «دارية» لسحر الموجي، و«دنيا زاد» لمي التلمساني، و«قميص وردي فارغ» للروائية نور أمين. أما المبحث الثالث والأخير، فقد طرح المؤلف من خلاله تساؤلا عن شكل الكتابة وطرائق السرد من خلال دراسته لمتن لطيفة الزّيات «حملة تفتيش في أوراق شخصية» مكتشفا أن مثل هذه المتون تطرح أشكالا خاصة بها.

ربما يكون أجمل ما في كتاب السيرة الذاتية، هو أن مؤلفه كان موفقا في تأكيد وجهة نظره حول كتابات وسرد وإبداع المرأة من خلال وجهة نظر نقاد آخرين، ومن ذلك قوله في صفحة 124 من كتابه: «وقد حاول البعض تحديد ملامح الكتابة في المحاولات النسائية اعتمادا على درجة العفوية والتعبير الصريح عن الانا، على نحو ما فعل سعيد يقطين الذي حدد أهم الملامح في أن النساء يكتبن بطريقة أكثر عفوية وحدسية، وأن الكتابة الأنثوية تعكس الطبيعة الداخلية للمرأة وهكذا يصبح النص والبطلة الأنثى امتداداً نرجسياً للمؤلف، وأن الناقد إبراهيم فتحي يجزم بأن ما يحدد كتابة المرأة بالأساس هو تجربتها الذاتية وما تتميز به من غنى شعوري يسهم في تشكيل رؤيتها للذات».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى