السيسي يروي حكايات الصحراء

الجسرة الثقافية الالكترونية

*أيمن رفعت

 

في كتاب “حكايات الصحراء” للكاتب أيمن السيسي جاءت أولى حكاية من حكايات الصحراء، بعنوان “قارة أم الصغير”، يقول الكاتب: لم تكن فكرة زيارة هذه الواحة أقل إرهاقاً من مغامرة الوصول إليها، فالطريق طويل 270 كيلومتراً من سيوة ولا بد من تصريح أمني.

 

سكان الواحة يشبهون أهالي سيوة من كل الوجوه ويعيشون بنفس طرق وعادات الحياة حتى اللغة والملابس، عند جلوسي إلى رجال الواحة كان بعضهم يطلون برؤوسهم من خلف الأبواب وهم يتدافعون مفتحة عيونهم على آخرها كعدسة مصور تلملم زوايا اللقطة، فأضحك لهم وأرفع يدي بالتحية رداً على تحيتهم برفع أيديهم التي تختلط فيها بدفع أو “هش” الذباب من حول رؤوسهم ومن على وجههم، وهو ما كان يفعله الشيخ حسن خليفة بمنشة في يده يدفع بها الذباب عنه وعني.. اسمها “الجارة” وهو الشائع على الألسن، أما اسمها الذي وقع على الخرائط وفي الكتب الرسمية “قارة أم الصغير” وإن كانت “قارة” بالاسم فهي أصغر واحات العالم.

 

وبعنوان “سيوة.. واحة الجن والملائكة”، يقول المؤلف: سيوة.. تلك منطقة أو واحة أو مكان يتشكل من خليط من مخلوقات الله على اختلاف أشكالها وألوانها، ولا تخلو رحلة المتعة الممتدة بطول 800 كم، تفصلها عن القاهرة إلى واحتك المسكونة بالجن والملائكة من عنزات تزين المشهد الطبيعي الفطري في ليالي الأضاحي وأسماك تلد الجينات في عين فطناس، ناهيك عن عيون ماء درجة حرارتها تصل إلى 75 مئوية.

 

ويتساءل: هل صحيح أن سيوة هي محطة الترانزيت بين حضارتين هما قارة أطلانتس المفقودة في مثلث برمودا والحضارة الفرعونية العظيمة؟

 

بعض الآراء ترجح ذلك، وتؤكد أن سيوة كانت المنتصف الزماني والمكاني بين هاتين الحضارتين، وعندما تذهب إلى سيوة وقبل عشرة كيلومترات من بوابتها تجد أن الطريق المكشوف في الصحراء بدأ يتلوى بين الجبال التي تقف كأنها حراس المدخل أو فيلق الدفاع الأمامي لهذه البقعة كثيفة الخضرة في قلب الصحراء. ودخلت الواحة لأول مرة برفقة اللواء عبدالوهاب طاحون بعد الثامنة مساء وجدتها ساكنة وفي هدوء استقبلتنا عشرات الأعمدة الكهربائية المضاءة. سيوة هي إحدى روائع الدنيا في جمالها وتكوينها وصلابة أهلها وطيبتهم، ظلوا منعزلين عن العالم حتى وقت قريب.

 

ويذكر الكاتب: الفرافرة.. أصغر واحات الصحراء الغربية، ورد ذكرها في النصوص القديمة بداية من الأسرة الخامسة، وتقع الفرافرة في منتصف المسافة بين الواحات البحرية والداخلة، ولذلك فقد اعتمدت في معظم تاريخها على الواحات البحرية، كما ورد في النصوص القديمة التي تذكر أن هروات الفرافرة كانت لها شهرة واسعة كما جاء في البردية التي ترجمها جون ولسون عن القروي من وادي النطرون الذي حمل مجموعة من الفرافرة أهمها “الهروات”، وينتشر بأرض الفرافرة الحجر الجيري الطباشيري، وهو أحد المعادن المهمة التي كانت تورد إلى وادي النيل منذ الأسرة التاسعة عشرة، وذكر بيدنل عن هذه الواحة أن أرضيتها مغطاة بكسر كبيرة وصغيرة متبلورة من كبريت الحديد والماركست وعدد من المعادن الأخرى تعتبر ثورة قومية إضافة لتدفق المياه الجوفية، حيث يوجد تحت أرض الفرافرة أكبر حزان جوفي في الواحات.

 

ويضيف الكاتب: أشهر أكلات واحة الفرافرة القديمة هي الزميطة، وتتكون من شعير مخلوط بالبلح منزوع النوى وزيت الزيتون، ورغم بساطتها فإنها مغذية إلا أنها لم يطلبها سوى المسنين والعجائز.

 

ومن أكلات الفرافرة التاريخية أيضاً العصيدة، وتصنع من دقيق الدخن وزيت الزيتون ويتم بعد ذلك تسويتها على النار وتغمس في البريدية، وهي مياه مع شطة وليمون، وكانت أسرع الأكلات وأشهرها.

 

أما عن الزواج في الواحات، فيذكر المؤلف: في الواحات الداخلة لم يزل الزواج في نظر أهل القاهرة والصعيد ومحافظات وجه بحري ببلاش، فتكلفته قليلة وتجهيزاته بسيطة وإن كانت قد عرفت مثل المدن الأخرى بعض الاشتراطات في تجهيز الغرف وشراء الأجهزة الكهربائية، ولكنها على أية حال أقل تكلفة، أما القصر وهي أغنى قرى “الداخلة” فيتجه عدد كبير من رجالها للعمل في الخليج لسنوات، حتى إن الشارع الأرقى فيها يسمى شارع الكويت، والعروس فيها يشترط تجهيز ثلاث غرف يساعد والدها بتجهيز واحدة منها.

 

أما عن العادات والتقاليد التي مازالت مستمرة في المناسبات المختلفة، أن يذبح أهل العريس ذبيحة يأكل منها كل أهل البلدة جميعاً، وتظل أم العروسة لمدة سبعة أيام تذهب لأهل العريس بصينية بها سبع أزواج حمام، والذبيحة يأخذون منها القلب مع جوز جمام يسمى “عشاء العروسة”.

 

ويتناول المؤلف الموروثات الشعبية عند الموت، قائلاً: للموت قداسة خاصة لدى عموم المصريين، وحمل المعتقد في الموروث الشعبي الكثير من الأساطير والأفعال التي أحياناً ما تتنافى مع العقل والحكمة والدين، خصوصاً في مظاهر الحزن على المتوفى، وإن زاد الوعي الديني مؤخراً بسبب ارتفاع نسبة التعليم بما ساهم في اندثار بعض هذه العادات.

 

ولكن مازالت بعض طقوس الدفن والجنازة وطرق مجاملة أهل المتوفى سائدة حتى الآن ببعض الخرافات. قديماً كان الإعلان عن الوفاة يتم بقيام امرأة من أقارب المتوفى بالصعود إلى أعلى سطح المنزل والصراخ بأعلى صوتها حتى تأتي نساء البلدة فيشاركنها الصراخ ويولولن معها، ثم يطفن بالبلدة سبع مرات، ولا أحد يعرف السبب في هذا العدد، إلا أن ارتباطه بعدد السماوات وأيام الأسبوع وأسبوع المولود، وتسمى هذه اللغات (الدورة)، عادة أخرى كانت سائدة وهي أن تمسك إحدى السيدات (الطار) أو الدف وتضرب به بالمقلوب، وتعدد من خلفها مجموعة من النسوة وهن يطفن في القرية ويرددن:

 

يا مركب نبوتة وياما طن الخايف

 

ياما كان مليح والهلف الندل واقف شايف

 

وأثناء اللطم يقلن:

 

يبكي عليه المال ويا المال

 

يبكي عليه هجان من الديوان

 

يبكي عليه من الخدم ثلاثة مسعد ومسعود وزيد المال

 

يبكي عليه من البنات ثلاثة أخته وبنت أخته وبنت الخال

 

يبكي عليه من الوحوش ثلاثة الديب والتعلب وأبو سرحان

 

يبكي عليه من الناس ثلاثة دابو فلايدهم من الهجران

 

وبعد أن يعلن عن المتوفى يخرج جموع أهل البلدة لحفر المقبرة وتجهيزها للدفن، وتتكون المقبرة في الواحات جميعها من حفرة كبيرة وعميقة.

 

يشار إلى أن كتاب “حكايات الصحراء” للكاتب أيمن السيسي صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ويقع في نحو 167 صفحة من القطع الكبير.

 

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى