السينما تعيش حالة من الإفلاس الإبداعي والإنتاجي

الجسرة الثقافية الالكترونية-الراية-
*هيثم الأشقر
أعرب عدد من الفنانين عن أسفهم الشديد لحال الحركة السينمائية في قطر، مؤكدين أنه لا توجد صناعة حقيقية للسينما في قطر، وأن التجارب القليلة التي ظهرت مجرد اجتهادات فردية لا ترقى إلى المستوى المطلوب، من جهة أخرى رأى الشباب السينمائيون أن الأفلام القصيرة التي ظهرت في الآونة الأخيرة حققت قدرًا لابأس به من النجاح، وأنها سوف تشكل النواة الأولى لصناعة حقيقية في المستقبل القريب.
ولفت هؤلاء إلى أنه عند الحديث عن إمكانية قيام صناعة للسينما في قطر يجب أن يكون هناك مقومات لهذه الصناعة سواء كتاب السيناريو، والنقاد السينمائيين، وتوفير عدد مناسب من أستوديوهات التصوير السينمائي، وكذلك المشتغلين بالسينما من مديري تصوير وفنيي مونتاج وإضاءة، وأمور أخرى كثيرة يجب أن تكون هي المقومات الأساسية التي تستطيع أن تستوعب معنى كلمة صناعة. فضلاً عن ذلك السوق المحلي الذي تبتلعه السينما الأمريكية ولا تتيح المجال أمام تحقيق صناعة للسينما المحلية، فهناك حسابات وأرقام لهذه الصناعة تحتاج إلى زمن طويل وربما عقود من الزمن، وحتى لو توفرت الإمكانات المالية، نحتاج في قطر إلى وقت كي نحقق ذلك.
واعتبر الفنانون أن ما يحدث في قطر الآن يمكن أن نعتبره صناعة أفلام، فالفرق بين الحديث عن صناعة سينما وصناعة أفلام يرجع أساسًا إلى أن صناعة السينما تعنى في الأساس بإنتاج أفلام روائية طويلة معدة للعرض الجماهيري على شاشات دور العرض.
غياب المواهب
الفنان صلاح درويش الذي شارك في أول فيلم روائي طويل “عقارب الساعة”، أكد أنه لا توجد صناعة للسينما في قطر بالمعنى الحقيقي، فتاريخ السينما القطرية عبارة عن فيلمين أو ثلاثة، مشيرًا إلى أن فيلم “عقارب الساعة” تم إنتاجه في عام 2010 وبعد مرور أكثر من 4 سنوات لم تظهر لنا أي تجربة سينمائية روائية طويلة أخرى.
وأضاف درويش: إن منطقة الخليج بصفة عامة لا تمتلك صناعة للسينما، فليس هناك أقلام سينمائية، أو مخرجون يستطيعون أن يقدموا أعمالاً من قلب البيئة الخليجية، كما أن دور العرض في المنطقة تسيطر عليها السينما الأمريكية.
وأشار صلاح درويش إلى أن التجارب الشبابية التي ظهرت مؤخرًا لن تستطيع أن تنتشل السينما القطرية من النفق النظلم، مؤكدًا أنها لا تخرج عن كونها مجرد اجتهادات شخصية من شباب يمتلكون الموهبة وينفسون عنها من خلال إنتاج أفلام قصيرة، فالأمر بحاجة لوجود منظومة سينمائية متكاملة تدعم الموهوبين، وتقدم لهم كل الإمكانات المادية والتعليمية، لكي يقدموا لنا صناعة حقيقية، فهناك دول كبرى مثل سوريا ولبنان لديها المواهب الفنية الكبيرة ولكنها لا تمتلك سينما قوية.
الدعم المؤسسي
الفنان عبدالله غيفان حمل “مؤسسة الدوحة للأفلام” مسؤولية عدم إنتاج فيلم روائي طويل رغم مرور عدة سنوات على تأسيس تلك المؤسس من أجل النهوض بصناعة السينما، مشيرًا إلى أن قطر تملك كل مقومات النهوض بذلك الفن، من مخرجين وممثلين وروائيين، وكذلك الجمهور المتعطش لأن يذهب لدور العرض لمشاهدة فيلم قطري يعبر عن واقعه المجتمعي.
وأثنى غيفان على التجارب السينمائية لمجموعة الشباب الذين ظهروا في الفترة الأخيرة، لكنه عاد وأكد أن كل هذه التجارب لن تكون هي حجر الأساس لتأسيس فن سينمائي، وأضاف قائلاً: إلى متى سنظل ننتج أفلامًا تسجيلية وقصيرة، فمنذ عدة سنوات ونحن متوقفون عند تلك المرحلة ولن نتقدم خطوة واحدة للأمام، فالسينما تعني إنتاج 3 أو 4 أفلام روائية طويلة سنويًا.
وأكّد عبدالله غيفان أن على مؤسسة الدوحة للأفلام أن تدعم هذه المواهب الشابة وتحتضنها، ليس بمساعدتها في إنتاج أفلام قصيرة، بل يجب عليها أن تبعث بهم إلى هوليوود وبوليوود لتعلم فن السينما، واستبعد غيفان أن يكون هناك شركات إنتاجية خاصة تتبنى تلك الصناعة، مؤكدًا أن تكلفة إنتاج الفيلم كبيرة والعائد لن يكون مجديًا، مضيفًا إن صناعة السينما في بدايتها تحتاج لدعم مؤسسي وحكومي.
تجارب واعدة
من جانبه، أكّد المخرج أحمد الباكر أنه لا يوجد غياب فعلي لصناعة السينما، بل هناك حركات وأفلام شبابية واعدة ظهرت مؤخرًا أثبتت وجودها على الساحة الفنية، مشيرًا إلى أن مؤسسة الدوحة للأفلام أصبحت في الآونة الأخيرة تقدم الدعم الكامل لهذه المواهب، لافتًا إلى أنه مع بداية ظهور تلك الحركات الشبابية كان هناك تخوف من أن يكون الأمر غير جدي، لكن بعدما أثبت الشباب وجودهم، وأصبحوا يشاركون في المهرجانات الخليجية والعالمية ويحصدون الجوائز، بات الوضع المختلف والمستقبل القريب قد يكون مبشرًا بظهور بصمة حقيقية لأولئك الشباب في تقديم أفلام روائية طويلة خلال السنوات القادمة.
وأضاف الباكر: إن صناعة الأفلام الخليجية تمر بمرحلة صعبة، فالسوق الخليجي صغير، ما يجعل أي منتج يتجنب أن يقدم إنتاجًا فنيًا محليًا ضخمًا لا يستطيع تحقيق إيرادات في دور العرض، مؤكدًا أن الأمر سيتغير كثيرًا إذا تم السماح بإنشاء دور عرض سينمائي بالمملكة العربية السعودية، لأنه سيفتح الباب أمام عدد كبير من الجمهور السعودي الذي يعطي الدافع لشركات الإنتاج في خوض هذه المغامرة.
وأشار الباكر إلى أنه كي يمكن القول إن هناك صناعة سينما، يجب أن يكون إنتاجنا السنوي من الأفلام كبير، وأن يكون بشكل دائم ومستمر، وما نستطيع التحدث عنه هو صناعة أفلام، وأكد الباكر أن التجارب الروائية القصيرة الموجودة حاليًا، هي التي ستصنع جيلاً من السينمائيين قادرًا على تقديم أفلام طويلة في المستقبل.
حقبة جديدة
من جانبها قالت المخرجة أمل المفتاح إن صناعة السينما في قطر عانت خلال الفترة الماضية من غياب المقومات الأساسية لهذه الصناعة، فلم يكن هناك اهتمام ودعم بهذا المجال، وعانت كذلك من قلة العاملين بها لتخوف الكثير من الدخول في صناعة قد لا تحقق لهم عائدًا ماديًا جيدًا، أما الآن ومع ظهور جيل جديد من المخرجين الشباب الذين يحملون أفكارًا جديدة وواعدة للفن السابع، ومع وجود مؤسسة الدوحة للأفلام التي أصبحت ترعى تلك التجارب، فإن مستقبل السينما قد يكون مبشرًا للخير خلال الفترة القادمة، وأشارت إلى أن هناك الكثير من الشباب يدرسون الآن في الخارج كل عناصر تلك الصناعة، من إخراج وتمثيل وتصوير ومونتاج، وسوف تظهر إبداعاتهم خلال الفترة المقبلة.
وأضافت: نحن الآن في بداية تكوين جيل جديد سوف يؤسس لحقبة جديدة للسينما القطرية، وسوف يكون هناك قريبًا أفلام روائية طويلة تعبر عن طموحات الشباب وآمالهم.