السينما في فضاءات المدن.. غايات الإبداع ورغبات الترويج

الجسرة الثقافية الالكترونية -وكالات   -ناجح حسن -ألوان من الجماليات المليئة بالشغف والبهجة والمتعة والألق، وبالعديد من المزايا الفريدة، نثرتها طاقات سينمائية متنوعة الأساليب والرؤى والأفكار باتجاه عواصم ومدن موزعة في القارات الخمس، لدى تصوير جملة من الوقائع والأحداث، ظلت عالقة في ذاكرة ووجدان الملايين من رواد وعشاق الفن السابع.
منذ بدايات السينما، اهتم صناع أفلام بتصوير قصص وحكايات متعددة الموضوعات؛ منها الملحمي والتاريخي والتشويقي والعاطفي، سرت أحداثها داخل مدن كبيرة وصغيرة، حيث جذبت خصوصية مواقعها الشاهدة على أحداث من الواقع أو الخيال، مبدعي السينما، وهو ما أسهم إلى جانب مناخاتها الآسرة وتنوعها الثقافي ومناظرها المميزة ومفردات طبيعتها الخلابة: قلاع، قصور، أطلال، صحاري، سهول، وديان، شواطيء، وواحات، في تحويلها إلى معالم جاذبة للسياح والزوار من أرجاء العالم.

والسينما، هي التي وثقت بصورها وأصواتها المعالم العمرانية للمدن وفضاءاتها المختلفة، وكانت شاهدة على أحداثها السياسية والاجتماعية والثقافية الكبرى ، بل أكثر من ذلك ساهمت بالتعريف في العديد من المدن والمناطق التي احتضنت تصوير احداثها أو جزءا منها، نظرا لفرادتها على الصعيد الجمالي أو ما خلفته من اثار لدى ساكنيها وانعكس على عاداتهم وتقاليدهم، وبالتالي كرست السينما بانجازاتها المتنوعة تلك المعالم الطبيعية والانسانية ومنحتها المرتبة اللائقة على الخريطة السياحية التي استحوذت على اعجاب الزوار من ارجاء العالم.

معالم المدن
ويؤشر تاريخ السينما على مبدعين سينمائيين كبار، كان لهم ولأفلامهم ارتباط جد وثيق بمدنهم، نذكر منهم على سبيل المثال الاميركي مارتن سكورسيزي ومواطنه وودي ألان في جملة افلامهما عن مدينة نيويورك، والإيطالي فيدريكو فلليني وتصويره العذب لمدينة روما، ومن مصر تحضر أفلام صلاح أبو سيف ومحمد خان وحسن الإمام، وهي تعاين معالم مدينة القاهرة وطقوسها اليومية، وما صورته ثلاثية يوسف شاهين عن الإسكندرية في كشفه وبوحه الجريء عن جوانب من نشأته وسيرته الذاتية داخل مدينة الإسكندرية.
يضم تاريخ الفن السينمائي العديد من الأفلام التي صورت في مناطق ومدن عربية وعالمية، برع مخرجوها في توظيف معالمها ضمن الأحداث، مثلما كان بفيلم «الدار البيضاء» أو (كازا بلانكا) الذي انجزه المخرج المجري الأصل مايكل كيرتز العام 1942، وأصبح من بين اشهر كلاسيكيات السينما، حيث تدور قصته حول رجل أميركي – يؤدي الدور الممثل همفري بوغارت- يملك حانة في مدينة الدار البيضاء خلال الحرب العالمية الثانية، حين كان المغرب خاضعا لحكم فيشي الفرنسي الموالي لألمانيا النازية، ويلتقي ريك مصادفة بأمراة–إنجريد بيرجمان – سبق ان تعرف عليها، قبل ان تلجأ إلى الدار البيضاء مع زوجها وهو يعمل في صفوف مقاومة الاحتلال النازي،الذي هرب من أحد سجن في أوروبا.
ويعمل الزوج بالتعاون مع زوجته الحصول على تأشيرة خروج في مهمة شاقة للهروب من النازيين، مما يضطر همفري بوغارت إلى مساعدتهما مع أنه يعرض حياته للخطر ، وذلك بعد سلسلة من التطورات المعقدة والمواجهات والمفاجاءات اثناء عملية الفرار، على نحو يستعيد مواقف بوغارت اثناء فراره الى الدار البيضاء من باريس عندما كان الألمان يوشكون على احتلالها.

حنين إلى كازابلانكا
صورت أغلبية مشاهد الفيلم «الدار البيضاء»، في أستوديوهات بهوليوود، حيث جسد مخرجه ببراعة وإتقان، الكثير من مناظر المدينة مثل مشاهد أسواق مدينة الدار البيضاء وأزقتها وحاناتها والملابس التقليدية لدى أهالي وسكان المدينة الأصليين، وهو ما أضفى جماليات من سحر وبيئة الشرق على العمل من زوايا فنية وجمالية وفكرية جعلت تيمة مدينة كازابلانكا تسكن الوجدان والعواطف والقيم للتحفيز على زيارتها وتصبح وجهة الكثير من مشاهدي ومتابعي وعشاق هذا الفيلم لدى عروضه العالمية المتكررة بالعديد من المناسبات.
وفي جانب آخر من كلاسيكيات السينما التي أثرت المكان بهجة ومتعة للناظر، أتت تحفة المخرج البريطاني الشهير ديفيد لين المعنونة «لورانس العرب» العام 1964، التي تستعرض بمشهدية جمالية الأمكنة الأردنية (البترا، وادي رم، الصحراء الأردنية )، التي دارت فيها فصول من سيرة حياة الجنرال البريطاني لورنس التي أوردها بكتابه المسمى (أعمدة الحكمة السبعة).
اتسم الفيلم الذي اضطلع بأداء أدواره الرئيسية أنتوني كوين وعمر الشريف وبيتر اوتول، بتلك التلاوين من تفاصيل حياة البدو الذين يشكلون شريحة أساسية ضمن مكونات المجتمع الأردني في حقبة زمنية مليئة بالتحولات تعود إلى أوائل القرن الفائت، والتي قادت إلى تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية.
تمكن فيلم «لورنس العرب»، من جذب الملايين من السياح والزوار إلى الأمكنة الأردنية، التي كانت شاهدة على الأحداث والتي قدمتها كاميرا الفيلم على ارض الواقع الحقيقي المثبت في كتاب الجنرال لورنس، وهي محملة بالمشاهد الملحمية الفائضة الجماليات لمجاميع في مغامرات تسري في مناخات وأجواء تضاريس الصعبة؛ من جبال ووديان وتكوينات المكان وهو مفتوح على فضاء شاسع يشمل مناظر ساحرة.
ولم يكتف المخرجون في فترة تلك الفترة الذهبية من إبراز مزايا المدن الكبرى وبذخها ونعومة الحياة التي يتمتع بها الأثرياء، بل انكبوا أيضا كما يؤكد الناقد الفرنسي نينو فرانك على إبراز الجوانب السلبية كالفقر والعنف الاجتماعي والتهميش الذي تعاني منه الشرائح ذات الدخل المحدود، تماما كما عاين علماء الاجتماع المدينة بوصفها ايضا مجال الخوف والضياع والاستلاب كما يتضح ذلك في افلام ما عرفت بالفيلم الأسود الذي سيتألق بشكل خاص في هوليود، وفيما ستعرف ما بعد الحرب العالمية الثانية بتيار الواقعية الجديدة الذي انبثق بشكل خاص ومتميز في إيطاليا حال الفيلم الشهير «روما مدينة مفتوحة» لروبيرتو روسلليني.
كما يرى الباحث والناقد السينمائي الاميركي توني ماكيين ان مخرجي السينما الهوليودية فى عقد الستينات من القرن الفائت اخذوا الكاميرا بعيدا عن الاستوديوهات وصوروا فى الشوارع، مثلما لجأ مخرجو السبعينات فى هوليود الى الذهاب ابعد من ذلك حيث صوروا افلامهم عبر مدن عديدة منتشرة في احياء الولايات الاميركية المتحدة.
ويشير ماكيين الى ان فيلم «التفاصيل الاخيرة» واحدا من افلام امريكية عديدة ظهرت فى السبعينيات ووضعت على عاتقها استكشاف الامة الامريكية، فقد تميزت سينما السبعينيات الامريكية بتقديمها لافلام الطرق مثل «خمس مقطوعات سهلة» و»الاراضى الوعرة» و «الصاعقة» و»الراكب السهل» و»واندا»، فالمخرجون كان يبحثون فى المساحات الشاسعة للولايات المتحدة الامريكية.
والمخرجان البلجيكيان لوك وجان بيير داردن بحسب ما اورده الناقد السينمائي المصري ممدوح شلبي لم يكونا من مخرجى الافلام الاستكشافية عبر الامكنة، فافلامهما بشكل عام، تم تصويرها فى او حول مدينة (ليج) الصناعية فى بلجيكا، لكنهما كانا يقدمان افلامهما باتباع نظرية جمالية تميل كثيرا جدا الى الواقعية، بينما وفى نفس الوقت يبرزان اهتمامهما بالسرد الانفعالى ضمن اتجاه تيار السينما الواقعية الجديدة الذي يفيض بطرح اسئلة بليغة.

المكان في الأردن
وإزاء سطوة المكان الأردني على عين المشاهد ، قدم المخرج الاميركي ستيفن سبيلبرغ بعضا من مناظر فيلمه المسمى «إنديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة» في ذات الأمكنة وتحديدا في منطقة بترا الأثرية التي استخدمها كخلفية تقطر دهشة والماعات بصرية تتأسس على مغامرة أسطورية بمزيج بين المغامرة التاريخية وبراعة العين السينمائية، حيث مشهد الفيلم الأخير المطاردة على ظهر الخيل في (سيق) البترا، ما زال عالقا في ذاكرة عشاق السينما على اختلاف ثقافاتهم.
وتقول مسؤولة الاعلام والاتصال في الهيئة الملكية الاردنية للافلام ندى دوماني: «ان الهيئة تأسست منذ عقد من الزمان، لكي تكون احدى المؤسسات الجاذبة للاستثمار في حقل صناعة الافلام، من خلال جلب مشاريع سينمائية عائدة لشركات الانتاج الكبرى، مبينة ان الهيئة نجحت في مهمتها بحكم ما يتمتع به المكان الأردني من فرادة، قادرة على منافسة المكان الذي كانت تقبل عليه الشركات العالمية في المنطقة».
في حين رأى الناقد والمخرج الاردني عدنان مدانات « ان تصوير الافلام العالمية في الاردن، جاء نتيجة لتوجهات السينما العالمية في تصوير احداث جرت عن بيئة منطقة الشرق الاوسط، لافتا الى ان هناك البعض من المشاريع كانت وجهتها المغرب كما في فيلم «متن من الاكاذيب» لرادلي سكوت، مع ان احداثه تسري بين الاردن والعراق، في حين جرى تصوير افلام بالاردن وهي تصور وقائع في الحرب الدائرة بالعراق او افغانستان، داعيا الى ضرورة البدء في تأسيس بنية تحتية لصناعة الافلام بالاردن ليغدو المكان الاردني وجهة دائمة لاصحاب المشاريع السينمائية».
عبر المخرج المخرج المغربي نور الدين خماري بفيلميه: «كازانيغرا» و»زيرو» عن رؤيته لميدنته الدار البيضاء من خلال تأسيس أسلوب سينمائي خاص، حيث اختار الغوص في غياهب «الفيلم الأسود» كما يبن في حوار مع الناقد خالد المنوري، وذلك في اللجوء الى توظيف تقنيات تحمل ابهارات سينما التشويق، سواء على مستوى المونتاج والتمويه على مستوى السرد الحكائي، أو من ناحية التعبير عن زوايا النظر والجوانب السيكوباتية والنفسية للشخصيات، في سعي منه الى وضع بصمة خاصة لإعطاء هوية للفيلم تستمد خصوصيتها من عمق الشخصيات وثقافتها المحلية جاعلا من حكايتها امتدادا للمكان لذلك اخترت أبطالا عاديين من قاع المجتمع في مدينة الدارالبيضا، التي وجد فيها مادة خصبة، أستمد منها واقعيته التي عرف بها في فيلمه «كازا نيغرا» ، وأختار منها نماذج حية ليعيد طرحها وفق رؤية فنية خاصة على الشاشة الكبرى.
أثارت مدينة الضباب (لندن) شغف الملايين من زوارها والقاطنين في أرجاء العالم، لما مثلته في خيالهم الآتي من مشاهداتهم المتتالية لتلك الأفلام المتنوعة التي جالت كاميرات مخرجيها في صخب أحيائها وأسواقها وشوارعها وحدائقها وبذاخة فنادقها وعراقة متاحفها وجسورها وقصورها على نهر التايمز، بأحداث تنهل من الواقع ومخيلة صانعيها في معالجات مثقلة بمواقف من الميلودراما التاريخية المستمدة وقائعها من أدب شكسبير وديكنز، ومن فنون التشويق والإثارة والمطاردات التي دارت قصصها وحكاياتها في مجموعة أفلام معلم الرعب الفريد هيتشكوك، أو في سلسلة أفلام جيمس بوند.

إبهار بصري
في سائر تلك الاشتغالات السينمائية، التي صورت العاصمة البريطانية (لندن) مرتعا لأحداثها، أبهرت عشاق السينما الذين ما زالوا يختزنون بذاكرة نشطة لقطات ومشاهد من أفلام متفاوتة المستوى التي أدى أدوارها الرئيسة العديد من أشهر نجوم الفن السابع: لورانس اوليفييه، انتوني هوبكنز، وجوليا روبرتس، هيو غرانت، رينيه زينجلوير، ايما تومسون، كينيث براناغ، وسواهم كثير..
استقطب حضور مدينة (لندن) اللافت طاقات الإبداع السينمائي بالعالم، التي باتت وجهة الكثير منهم: مارتن سكورسيزي، ودي ألان، رومان بولانسكي، ورون هوارد صاحب فيلم «شيقرة دافنشي».
فعلى سبيل المثال كانت هناك تجربة المخرج الاميركي وودي ألان الذي انتقل من فضاء مدينتيه الأثيرتين نيويورك وباريس، إلى أجواء الضباب في لندن كما اختار سكورسيزي متحف فيكتوريا آند ألبرت في تصوير عدد من مشاهد آخر أفلامه «هيوجو».
فعلى غرار ما كانت لندن تنفرد به من امتلاك بطل سينمائي خاص بها هو العميل جيمس بوند، الذي كان ينطلق بمغامراته من لندن ليجول في أرجاء المعمورة، باحثا ومتعقبا لعصابات الإجرام، فأنها غدت تحظى ببطل آخر آتى من سحر وخيال السينما الرحب هو هاري بوتر، حيث احتضنت لندن
تصوير سلسلة الأفلام الثمانية التي حمل اسمه، والتي ألفتها الكاتبة الإنجليزية جوان كاثلين رولينج، والتي من اتساع شهرة هذه السلسلة فإنها حققت لمدينة لندن المزيد من الافواج السياحية يوميا، اغلبيتهم من متابعي سلسلة هاري بوتر السينمائية، حيث وتنظم من اجلهم رحلات وجولات لتفقد واستكشاف ومعاينة المواقع التي صورت فيها احداث السلسلة.
تحتفي لندن على غرار تلك المدن الاثيرة لصناع الافلام، بالكثير من فرق وطواقم التصوير السينمائي، التي تعمل يوميا في شوارع مدينة الضباب، حيث تحتل مرتبة عالمية متقدمة الى جوار مدن باريس ولوس أنجلوس ونيويورك ونيودلهي وكلكتا ومراكش ، من حيث توفير مواقع جاذبة للتصوير السينمائي.
وتظهر لندن بشكل دائما منذ البدايات الاولى للفن السينمائي، كما في تلك الأفلام الاتية من أرجاء العالم بدءا من مشاريع افلام عائدة للشركات الكبرى في عوالم استوديوهات: هوليوود باميركا وبوليوود بالهند، مرورا في استوديوهات هونغ كونغ بالصين ومانيلا بالفليبين، وصولا الى حققته شركات الانتاج والاستثمار في قطاعات السينما اللبنانية والمصرية حيث جرى انفاق الكثير من الاموال التي تصل الى حدود المليار في العام الواحد.

مرآة السينما
وكانت حظوظ مدينة النور باريس في مرآة السينما غزيرة بلقياتها الممتعة والمفيدة لعين المشاهد، ليس من خلال ما تحتشد به من معالم سياحية وعمرانية فحسب، بل لعناقها الدافيء والحميم لثقافات انسانية متعددة، وجدت في هذه العاصمة منبرا للابداع الادبي والفني والفكري، حيث برع في ايصالها لذائقة المتلقي مخرجون شديدوا الولع بالنظريات والتيارات في مفاهيم السينما الجديدة.
ان اركان الموجة الفرنسية الجديدة، التي قوامها جان لوك غودار وفرنسوا تروفو الان رينيه وغيرهم كثير من مخرجي السينما العالمية، تناول كل منهم باسلوبيته الخاصة مدينة باريس بوصفها الاغزر بشخصياتها الاثيرة والمهمشة، والمشرعة على طاقات وامكانيات معرفية شكلت وجه المدينة في سياقات متباينة من داخل تفاصيل الحياة اليومية ومصائر وهواجس ورؤى واحلام قاطنيها.

باريس في الليل
قبل ان يلتفت المخرج الاميركي وودي ألان الى باريس بفيلمه المعنون «منتصف الليل في باريس»، فانها ظلت بالنسبة اليه هاجس يصعب سبر غورها رغم ما تفيض به من وقائع وقصص عديدة في الماضي والحاضر، وانه عقب قراره بكتابة نص عمله الجديد عن ليل باريس المثير، آثر اختيار شخصيتين محوريتين هما شاب وخطيبته يقومان بزيارة لباريس مع والدي الخطيبة المحافظين والثريين.
يتعمد وودي الان، بأن يكون بطله قادم من السينما، حيث الشاب كاتب سينمائي في هوليوود بجري تهميش طاقاته، الا أنه يحلم بكتابة رواية تتوازى مع كتاب الرواية من ذوي الشهرة في عالم الادب، خصوصا اولئك الذين كانت وجهتهم باريس، كحال الروائيين الأميركيين إرنيست همنجواي وإف. سكوت فيتزجيرالد، وغيرهما من الروائيين الأميركيين الذين عاشوا في باريس في عشرينيات القرن العشرين.
مثل هذا الحلم الرومانسي لدى بطل وودي الان في العيش والاقامة بباريس، يدفع باتجاه الصدام مع خطيبته التي تؤثر مدينة لوس انجليس في الاستقرار فريبا من اسرتها الثرية، حيث يطلق المخرج صاحب فيلم «وردة القاهرة القرمزية» العنان لمخيلته الخصبة، وهو يصور خطيب الشاب في لحظة تجواله ليلا بشوارع المدينة، عندما يقترب منه مجموعة من الفتيان، وهم في سيارة من موديل قديم يصطحبونه الى امكنة ما زال يعيش فيها العديد من الادباء والفنانين الموسيقيين والتشكيليين والمسرحيين وفق طقوسهم الخاصة المثبتة في جوانب ومحطات من سيرهم الذاتية.
كما بدت في الفيلم تلك اللمسات الخاصة للمخرج الشديدة الاعتناء في الازياء والالوان وقطع الديكورات والاكسسوارات السائدة وهي تتلائم مع احداث صيرورة تلك الفترة التي تشكل العصر الذهبي لمدينة باريس.
تتكرر هذه العودة الى الماضي في حياة بطل الفيلم، لكنه يقرر في الجولة التالية اصطحاب خطيبته لاطلاعها على هذا الماضي الجميل الذي كان دائما يحلم به، الا انها تصده عن هذا التفكير وتبدي فتورها من انغماسه في مثل هذا الخيال، لتتصاعد احداث الفيلم الذي يمزج بين الخيال والواقع.
تبدو باريس في الفيلم بصورة جميلة تنطوي على مشاعر مجبولة بالحميمية والرومانسية والمشبعة بالألوان والأحاسيس الدافئة تلتقطها كاميرا مديرا التصوير الايراني الاصل داريوس كونديجي والفرنسي يوهان ديبا اللذان اشتغلا على لعبة الإضاءة كثيراً لتبدو صورة باريس بين حدي القديم والحديث وتجوالها على مقاهي باريس وشوارعها وأزقتها وضفاف نهر السين مزنرة بموسيقى الجيتار والجاز في ترانيم ساحرة.

ازدهار ورواج اقتصادي
لقد انعشت صناعة الافلام حياة مدن كثيرة موزعة في ارجاء المعمورة واستفاد من خدماتها الكثير من ابنائها، لدى التنافس بينهم من ناحية تقديم الخدمات، او برغبة العمل ضمن مجاميع تلك المشاريع السينمائية ذات الميزانيات الضخمة، حيث يحسب لها ما حققته من ازدهار ورواج اقتصادي وسياحي.
وعلى هذا الصعيد، يستذكر عشاق السينما، مدنا ومناطق عربية وعالمية عديدة، أثبتت بمكانتها الفريدة في ان تكون وجهة لصناع الافلام، وعرفت تطورا جعلها ذات شأن وقيمة في دنيا الاطياف والاحلام، كما في مناطق الصحراء التونسية ووبلدة الوزازات بالمغرب التي احتضنت تصوير العديد من الافلام العالمية في اكثر من حقبة زمنية احدثها فيلم «متن من الاكاذيب» و» مملكة الجنة» لرادلي سكوت، ولا شك ان (هوليوود) باميركا بما غدت تمتلكه من استوديوهات وبنية مؤهلة لصناعة الافلام الضخمة.
وهناك أيضا ما تتميز به مدينة (كان) في الساحل الجنوبي لفرنسا، كمنبر للمنافسة بين صناع الافلام من خلال مهرجان سينمائي عالمي ذائع الشهرة والصيت يحمل اسم المدينة، ويجري التنافس فيه بين افلام العالم وتعقد فيه صفقات الانتاج والتوزيع، فهما يشكلان نموذجا صارخا لحكايات نجاح السينما، والحال نفسه يسري على مدن أوروبية أخرى مثل برلين في المانيا،موسكو في روسيا، وفينيسيا بايطاليا، وسان سبيستيان باسبانيا، جميعها ساهمت بمن خلال مهرجاناتها السينمائية في الترويج لها سياحيا بشكل لافت، مثلما جرى اعتبارها ركائز ابداع وبهجة وامتاع للناظر وعناوين شهرة في افاق الفن السابع الرحبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى