السَّرد بين «الرَّاوي العربي» .. و «البطل الأجنبي»

الجسرة الثقافية الالكترونية
لؤي خالد
كثيراً ما نجد ضمائر الغائب حاضرة في القصص والروايات العربية، إذ يتولّى الرَّاوي، الذي تبدأ القصة وتنتهي ونحن لم نعلم من هو، سرد الأحداث، وكشف أفكار الأبطال، وهو ما يؤدي إلى نوع من الملل والرتابة.
إن غالبية القصص تحكي عن أحداث مضت، أي أنها نوع من المذكرات، تكون مليئة بالأسرار والخواطر والتعليقات.. وهل يحلو الاستماع إلى الأسرار بوجود مجموعة من البشر؟
لا أظنُّ، فجمال السر يكمن في قِلَّة عَارفِيه، وهذا ما يخلق نوعاً من العلاقة الحميمة بين القارئ والكِتاب، لذلك أجد أن معظم الكتابات المُقدمة للمراهقين والنَّاشئة في العالم الغربي، يكون بطل القصة فيها هو ذاته من يقصُّ الأحداث، وهذا يُضفي نوعاً من علاقة الصداقة بين من يقرأ الكتاب وبين بطله، كما تكون خواطره وتعليقاته أشد وقْعاً وأكثر تأثيراً، لكن لو كان الرَّاوي هو من يخبرنا بهذه التعليقات لجاءت مفتعلةً وفي غير موقعها، ولا بد للخواطر من أن تبقى في ذهن البطل حتى يحين موعد ذكرها، فالأخيرة تفصح عما ينوي البطل فعله، أمّا إذا كان الراوي هو من يقص القصة فسيذكر الخواطر في غير موعدها، ويفسد الإثارة الموجودة.
البطل هو دائماً أدرى بالذي حصل، ففي النهاية هو من قام بتلك الأفعال أو سيقوم بها، الرَّاوي أيضاً على دراية بها، لكنه لن يتمكن من التعبير عنها بنفس أريحية البطل وبلاغته، كما أن تعليقات البطل، التي قد لا يكون لها تأثير في مجرى القصة، يكون الهدف منها السخرية على جملةً قيلت أو فعل قام به أحدهم، ولا بد لهذه التعليقات من أن تكون عفوية ونابعة من انفعالات البطل، وهنا يكون وجود الراوي مُفْسداً للعفوية ومُحطّماً للتلقائية، أي أنه حطم -نوعاً ما- رابط الصداقة، لكونه أصبح وسيطاً بين الكِتاب وقارئه.
من حقّ بطل القصة أن يحاول إظهار نفسه على أنه دوماً على صواب، حتى وإن لم يكن كذلك، وأن ينتقد أعداءه حتى وإن لم يخطئوا، ففي النهاية هو البطل، ولكن يد الراوي هي التي تحقق العدالة وتمنع انتقاد البطل، فتفسد عفوية القصة، وفي رأيي، القصة الناجحة هي التي تترك فيها عملية السرد للبطل فيظهر حسناته ويحاول إخفاء مثالبه، وعلينا نحن القراء أن نحس أن العالم يتمحور حوله فعلاً.
وهم البطل المثالي
كثيراً ما يطلب الأهل والمعلمين من الأطفال والمراهقين مطالعة الكتب العربية من أجل التسلية والمتعة، غير عابئين بحقيقة عدم وجود هذه الكتب بلغة العربية، فحتى وإن لم تكن فكرة الكتاب تعليمي ولم يتضمن جملاً رتيبة، نجد أن محاولة التعليم مازالت ظاهرة من خلال الشخصيات الخيالية لحد بعيد، ليست خيالية؛ لأنها تنفث النيران أو تمارس السحر، بل خيالية؛ لأن صفاتها من المستحيل أن تتوافر في طفل أو إنسان حقيقي.
في المقابل، نجد البطل في معظم الكتب الأجنبية -أقصد هنا المكتوبة بالإنكليزية تحديداً- غير محبوب، وأحياناً منبوذاً، وفي بعض الأحيان أخرقَ، وقد اتضح أن الكتب التي تتضمن هذه الشخصيات، حققت نجاحاً باهراً؛ فالكل قد يرى في نفسه من وقت لآخر أنه شخص بَأْس، وفي كتب أخرى كثيرة تكون الشخصية ليست بالضرورة طيبةً، بل في بعض الأحيان قد تكون هي المتسببة في المشكلات.
صحيح أنه -كما قلت سابقاً- يجب أن نحس أن البطل هو محور العالم وأن نتعاطف معه ونكره أعداءه، لكن لا يقصد من ذلك أن يكون شخصية مثالية، إنما الهدف أن يكون شخصية محببة قريبة إلى كثير من القراء، تخطئ حيناً وتصيب حيناً آخر.
الشخصيّة الشريرة
ذكر الكاتب الروائي جيف كيني -مؤلف مجموعة رواياتDiary of a Wimpy Kid الموجهة للمراهقين- في حوار صحافي: «أن أحد أسباب نجاح عمله هو: أن بطله يخطئ في كثير من الأحيان، وهذا ما يجعله محبوباً وعفوياً، وأن عدم كماله هو ما يعطيه رونقه»، بينما نلاحظ في كثير من الكتب العربية أن الأبطال يمتازون بصفات، منها: العدل، الصدق، الأمانة، وغيرها من الصفات، التي قد نجد بعضها ولكن من المستحيل أن نجدها كلها في أشخاص حقيقيين.
ليست شخصية البطل هي الشخصية الوحيدة المُبالغ في تعداد صفاتها؛ فعلى النقيض تأتي شخصية البطل الشرير كاملة الخبث والدهاء، تكيد المكائد بلا كلل أو ملل، ولا تمتلك أي موهبة أو قدرة، ما يبعدها هي الأخرى عن أرض الواقع، فمن المستحيل وجود شخص لا يمتلك أي صفة حسنة، كما أن وجود عيوب في شخصية البطل يفتح المجال أمام القارئ ليرى حسنات الشخصيات الأخرى، وقد تعجبه شخصية أخرى، ومن يدري، فقد تكون هي الشخصية الشريرة.
المصدر: الحياة