الشاعرة البحرينية فاطمة نعيمي: لا نريد حداثة مزيفة

الجسرة الثقافية الالكترونية
زكي الصدير
المتابع الجيد للمشهد الثقافي البحريني لن يجد فيه أثرا لحضور الشاعرة فاطمة نعيمي، لا على منصة شعر، ولا في تمثيل ثقافي ضمن الأسرة البحرينية للأدباء والكتاب، أو في مؤسسات أخرى. لقد تعمّدت الغياب، واختارت مراقبة المشهد عن بعد.
تجربة متوازنة
تحدّثنا فاطمة عن ذلك “حقيقة، هو ليس تعمدا للغياب، أو هروبا أو انزواء، بقدر ما هو مراقبة ذاتية للتجربة وتطويرها بمعزل عن المؤثرات الخارجية التي قد تسبب لي إشكاليات لست راغبة في مواجهتها وأنا في طور الإعداد لمشروعي الشعري. وهذا بالطبع لا يعني انعزالي عن مراقبة ما يجري والاستفادة منه. لكنني آثرت عدم الظهور إعلاميا والانتماء إلى إحدى الجهات الثقافية إلا في الوقت المناسب، وأعني به الوقت الذي أشعر فيه بأنني وصلت حدّا من القناعة الشخصية، وهذا ما يسفر عن توقيت طباعتي لمجموعتي التي أعتبرها الخطوة الأولى على طريق مشروعي الشعري”.
تقول فاطمة نعيمي عن مجموعة “مطاف”: نصوص المجموعة أغلبها وجدانية، كتبت بين عامي 2005 و2007، مستلهمة من تجارب واقعية عايشتها مع أناس حولي. هذا الإصدار وإن جاء متأخرا قياسا لعمري وبداية ممارسة الكتابة إلا أنه كان استجابة طبيعية لرغبة ملحّة تبلورت مع الزمن.
حرصت فاطمة نعيمي على أن يكون ثمة توازن بين أفكارها ومواضيعها وثيماتها الشعرية وبين الشكل والصورة الفنية للنصوص الحاملة للخطاب، دون أن تربك المتلقي بين طلاسم المجاز والصورة المباشرة للخطاب الشعري.
وتعبّر عن ذلك بقولها: إنني لم أنجرّ للأفكار والمواضيع على حساب تجلياتها الفنية/ البلاغية، وعلى مختلف الآليات المجازية كي لا أسقط في فخ المباشرة والتسطيح. ومن جهة أخرى حاولت ألا أعمد إلى تحميل مواضيعي صيغا بلاغية مثقلة بالتعقيد أوالتعالي الجمالي لأني سأكون حينها قد سقطت في الغموض والتعقيد والضبابية التي من شأنها إضاعة الفكرة وكذلك نفور وتشتيت ذهن المتلقي”.
فاطمة نعيمي تكتب نصها الشعري وهي تخبرنا أنها امرأة تتوسّد اللغة، وتخرج من رداء القصة، لتدخل في سيمياء المسرح، وأحيانا تتداخل الأصوات في فضاء قصيدة واحدة من نصوصها لنقف على مجموعة نسوة يحاولن أن يصرخن بوجعٍ في وجه العالم. وعن ذلك تقول نعيمي: ليست رغبة بقدر ما هي حتمية وحاجة ملحة لإغناء النص الشعري بالتناص الجمالي مع باقي الأجناس الفنية/ الشعرية من مسرح وقصة ورواية وتشكيل ودراما وسينما ومختلف الأجناس الأخرى. فعلى ضوء أطروحات الحداثة وما بعدها لم تعد الأشياء نقية الجوهر، صافية الهوية، كل شيء أصبح متعالقا. كل شيء أصبح بحاجة للأشياء الأخرى دون استثناء الشعر الذي لم يعد مجرد صور شعرية خالصة، أو أداء تعبيريا له مجرى نسقي يمضي على نمط واحد ووتيرة بعينها. وخصوصا في وقتنا الراهن وقت الثورة التقنية، وعبر مختلف قنواتها الاتصالية من إنترنت وقنوات فضائية ومعلوماتية مختلفة، إذ سقطت الحدود وتلاشت الفواصل وأصبح كل شيء متنافذا”.
الشاعر الكوني
في مجموعة “مطاف” يبرز صوت الشاعرة الثائرة التي أخذت على نفسها أن تتكلّم باسم قبيلة النساء، وباسم أحلامهن، وانتكاساتهن. يشعر القارئ للمجموعة وكأنه أمام شاعرة مشغولة بقضايا حقوق المرأة البحرينية بالخصوص، والمرأة بصفة عامة بين المتن والهامش. وهذا ما أكّدت عليه: ليست المرأة البحرينية فقط، المرأة بصفة عامة، مازالت ترزح تحت وطأة إرث ثقيل من التابوهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بشكل عام. وبما أنني أؤمن إيمانا تاما بأن المثقف/ المبدع يجب أن يكون صاحب موقف ورؤية، ومعنيا بكل ما يدور حوله، فمن الضروري ومن المنطقي أن يتضمن نصي الشعري خطابا نقديا ذا طابع شعري لفضح هذه التابوهات التي تمتهن المرأة، وتحط من شأنها أو تسلب حقوقها، خطابا يسعى إلى التحريض من أجل إشاعة روح النقد والمواجهة لوضع النقاط على حروفها وتصحيح الكثير من المسارات الخاطئة.
في محاولة للاقتراب من عوالم فاطمة نعيمي (مواليد البحرين 1974)، وقفنا معها حول الأسئلة التي تؤرقها كشاعرة تنتمي إلى الجيل الجديد، وكيف تنظر إلى الأجيال الشعرية السابقة لها، سواء التسعينات، وما قبلها، حيث للجيل الجديد قلقه الخاص وأسئلته المختلفة.
تعلق فاطمة نعيمي: بطبيعة الحال، وكامرأة قبل أن أكون شاعرة، الأسئلة التي تؤرقني هي أسئلة لا تنحصر في ذاتي فقط، بل في الغالبية العظمى من النساء، من حيث المساهمة في خلق واقع أجمل يناسب تطلعاتنا وآمالنا وأحلامنا. ولإيماني بكون الكتابة إفراز طبيعي لكل ما تحمله الذاكرة أو ما يعاني منه الجيل المعني، فلا يمكن إلا أن تعكس ما يؤرق كل جيل من هموم وأحلام وحقوق. بذلك هذه العناصر هي المحرضة المنطقية والأساسية للنتاجات الأدبية لكل جيل. وحيث إن كل مبدع يوظف خطابه وفق تجربته ونظرته الذاتية لواقعه المعيش، ليس من المستغرب أن نجد شاعرا من هذا الجيل يكتب بثيمة التسعيني أو حتى السبعيني.أما عن جيلنا فهو دون ريب محظوظ بكون العالم أصبح بين أيدينا قرية صغيرة تتيح لنا النهل من موارد عديدة، وبذلك اتجهنا إلى نصوص شعرية أرحب متجاوزة الإيقاع التقليدي، مقتربين بذلك من الحراك الأدبي العالمي. الشاعرة فاطمة نعيمي ملتفتة إلى أن سؤال الحداثة في الاشتغال الإبداعي ليس شكليا، فلا يكفي أن نخرج النصوص نثرا لتكون حداثية. تقول: الحداثة جاءت للإطاحة بكافة القيم والمعايير التقليدية، سواء وفق أطرها الشكلية أو بخطاباتها المفاهيمية. وبالتالي، فالعملية متلازمة شكلا ومضمونا. وبخلافها سنكون إزاء حداثة زائفة أو منقوصة أو مشوهة. وبما أن قصيدة النثر هي إحدى منتجات الحداثة، إذ تخلت عن الشكل الجمالي التقليدي، فقد أتاحت لي، ولكل من يكتب هذا النمط هامشا من الحرية لأعبر دون قيود أو إكراهات جمالية مفروضة”.
فاطمة نعيمي بالإضافة إلى كونها شاعرة هي خريجة بكالوريوس أدب إنكليزي ومهتمة بالترجمة، وتنشر ترجماتها عن الأدب الإنكليزي في صفحتها بالفيسبوك. تقول عن علاقتها بالترجمة: الترجمة شغفي، ولا شك أنها أغنت تجربتي وأضافت لها الكثير لكونها سياحة معرفية في ثقافة الآخر عبر التعرف على نصوصه الإبداعية وهويته الثقافية، بوصفها منظومة من التقاليد والأفكار والموروث والعادات والفنون.
المصدر: العرب