الشاعر باعتباره ضمير الناس وصحيفتهم

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

زكي الصدير

 

يعني محمد خضر من خلال كتابه “تحديث بيانات”، ذلك الشاعر الذي يشهد هذه المتغيرات والتحولات السريعة أمامه، بدءا بالتكنولوجيا، ومرورا بمواقع الإنترنت الاجتماعية السريعة، وقبل ذلك ما يشهده عالم الرقميات والصورة الفوتوغرافية وشاشات التلفزيون والفيلم القصير، وقبله السينما بكل أشكالها والبطاقات البصرية وما حولنا من المشاهد والفنون الأدائية والمفاهيمية، واللحظة الراهنة المليئة بالآني واليومي.

هذا ما كتبه الكاتب والشاعر محمد خضر، متسائلا في كتابه الجديد “تحديث بيانات”، وهو قراءة في مشهد الشعر، تستجلي تمظهراته وتحولاته وتجاربه، قراءة تحتاج إلى تجدد في كل مرة.

 

يرى خضر أن الكتاب لا يقدم التجارب الشعرية كحالة رصد للأسماء، وإنما للتجارب التي طالع فيها ما يمكن أن يكون إضافيا، وركز في ذلك على ما صدر منها، وخصوصا ما صدر بعد عام 2000 في العالم العربي، وقد حاول خضر قدر ما يطيق البحث عن النصوص بعيدا عن الأسماء ولمعانها.

 

 

قيمة الشعر الوجودية

 

يقول محمد خضر لـ”العرب”: بحثت عن تلك النصوص التي وجدت أنها قد تضيف إلى فكرتي وتعطي جدوى أكثر لمطالعاتي. وخاصة في قصيدة النثر وليس جميعها، قصيدة النثر في مشهد مليء بالتجارب منذ جيل الثمانينات وقبلها بقليل، مرورا بالعقد التسعيني وما بعد الألفية. لهذا فالكتاب لا يرصد بدقة منهجية نقدية، وإنما هي مطالعات أجد معها ما يتوازى مع تجربتي الشعرية وما يكمل أسئلتها، تطرقت إلى مطالعات عن محمد الثبيتي كذلك، وإلى غيره من الشعراء كنماذج لمن أضافوا شيئا إلى التجربة الشعرية الجديدة على مختلف أشكالها.

 

وفي سؤال عن قيمة الشعر الوجودية، وإذا ما كان يعتقد أنه مازال قادرا على تغيير شيء في زمن ديناصور تويتر والفيسبوك اللذين خلقا جيلا شعريا غير نمطي يجيب خضر “كان هذا السؤال الجوهري الذي حاولت أن أجيب عليه وأن أحاوره في الكتاب كذلك. ولذا خلصت إلى السؤال التالي: هل أخذت هذه القنوات بمختلف أوجهها عن الشاعر الكثير من قصيدته، وهو الذي كان في أزمنة مضت يوصف بكونه ضمير الناس وصحيفتهم، ولديه آخر ما يمكن أن يكون صوتهم الجمعي، بل هل استوعب شاعر اليوم هذا المتغيّر ولربما هذه الأزمة، أم أنه لا يزال على رهان اللغة والتجريب والجمالي والإلهامي وما تفرضه الموهبة والدرس الشعري؟”.

 

ويواصل تساؤلاته “هل هي لحظة جديدة، وآن للشعر أن يمضي نحوها بعيدا عن حسابات الشعراء وما يتشكّل في أذهانهم من صور ونمطية؟ أم بات الشاعر يخشى الخطوة الأولى دائما تحت ذريعة المتعارف والسائد وهيبة الشعر نفسه؟ أقول هذا وأنا أدرك أن لكل شاعر حالته الخاصة، وعالمه وفضاءاته ولغته وطريقته. ولكني لا أستطيع أن أغفل أهمية بحثه الدؤوب عن خلاصه الذي قد يصل به إلى التوقف في أفضل الحالات وأكثرها أثرا، ولا أستطيع كذلك تصوّر ما قد يصل إليه الشعر وفق هذه المعطيات مع شاعر لا يزال في لذة إرثه الكبير”.

 

 

مفاهيم متنوعة

 

صرّح الشاعر والكاتب محمد خضر في إحدى الجرائد الإماراتية “يمكن القول إن هؤلاء الشعراء يشكلون مجموعة تحيط بها مفاهيم متنوعة وثرية عن الفن، وباحثة عن شيء مختلف وسط كل الوسائل الحديثة التي أخذت من الشعر بعض ما كان يعوّل عليه في مادته الخام تاركة له تحدّيا جديدا وفي مساحة ضيقة، فذهبوا نحو نبرة ملتصقة بالحياة بكل تداعياتها، متخففة من اللغة مقابل الصورة والمفردات الجديدة واليومي والمهمش، وبعيدا عن القضايا الكبرى بالمعنى التقريري أو ما يشف عنه النص بل مأخوذين بالتجريب وبفضاءات وعوالم ملتصقة بواقعهم وقضاياهم التي تخصهم، ونزوعا في كتابة الخاص والفردي الذي يشف بشكـل أو آخر عن ذلك الواقع أو يختفي خلفه”.

 

ويضيف قوله “مع مطلع الألفية الثالثة كان هناك عدد من التجارب، في السعودية مثلا، وهي في تنام مطرد مع حلول سنة 2005 وما بعدها، يطلّ من المشهد وفي ما سمي بقصيدة النثر، ولكنه جيل جاء في قصيدة النثر بعد تجارب فوزية أبوخالد وإبراهيم الحسين وعبدالله السفر وأحمد الملا ومحمد الحرز ومحمد عبيد الحربي ومحمد الدميني وكتوعه وعلي العمري وكثير من الأسماء المهمة التي تطرق لها الكتاب”.

 

محمد خضر من مواليد أبها جنوب السعودية، يعدّ من أهم الأصوات الشعرية الشبابية في المملكة، أصدر بداية الألفية الثالثة مجموعة شعرية تحت عنوان “مؤقتا تحت غيمة” (2002)، ومجموعة “صندوق أقل من الضياع” (2007)، ثم أصدر مجموعة “المشي بنصف سعادة” (2008)، و”تماما كما كنت أظن” (2009)، و”منذ أول تفاحة” (2013)، وقبل عامين أصدر روايته الأولى “السماء ليست في كل مكان”. له مؤخرا مجموعة مختارات شعرية تحت عنوان “لئلا ينتبه النسيان” عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة ضمن سلسلة آفاق عربية.

المصدر: العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى