الشعر صار يكتب للحصول على الجوائز

الجسرة الثقافية الالكترونية

*مصطفى عبد المنعم 

المصدر: الراية

 

احتفل الصالون الثقافيّ بوزارة الثقافة والفنون والتراث باليوم العالميّ للشعر، الذي يصادف 21 من مارس من كلّ عام، حيثُ نظّم على مدار يومين أمسية شعريّة حضرها كَوكبة من الشعراء القطريّين، وذلك تحت رعاية سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري وزير الثقافة والفنون والتراث.

 

وجاء الاحتفال بمُشاركة الشعراء من جنسيّات مُختلفة تأكيدًا على أن اليوم العالميّ للشعر، لا يخصّ جنسيّة أو فئة بعينها، بقدر ما يخصّ طيفًا واسعًا من الشعراء على مختلف جنسيّاتهم.

 

وقال الشاعر راضي الهاجري، الذي أدار الأمسية إنّ هذا الاحتفال يأتي في إطار الاحتفال العالميّ الذي خصّصته مُنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” للاحتفال باليوم العالميّ للشعر، وأوصت بأن يكون يومًا دوليًّا يحتفل به العالم أجمع.

 

ودارت الاحتفاليّة على مدى يومين، ألقى خلالها الشعراء أروع قصائدهم، التي لقيت استحسانًا جماهيريًّا من قِبل الحضور، الذين جمعتهم ذائقة شعريّة، وإن تفاوتت خلالها المدارس الشعريّة ذاتها، التي انتمى إليها الشعراء.

 

وشارك في الأمسية الأولى كلّ من الشعراء علي ميرزا محمود، د.أدي ولد أدب، جمال الصليعي، حسين حرفوش، محمود الباتع. بينما كان نجوم الأمسية الثانية كلاً من الشعراء: محمد السادة، علي معيض، د.أحمد قران الزهراني، ابتسام الصمادي، هناء البواب، بسام علواني، الصحفي عبدالله الحامدي.

 

وقدّم الشاعر ميرزا خلال الأمسية أبياتًا من قصائد شتّى اتّسم بعضها بالقومية، بينما قدّم السادة العديد من قصائده الوطنية، كما ألقى الحامدي قصيدته الرومانسيّة “أحبك”، وغيرها من قصائده.

 

كما قدم الشاعر الباتع أبياتًا من قصيدة “فتات البوح”، بينما صدح حرفوش بقصيدته “سيجئ حتمًا”، وغيرها من القصائد.

 

وقرأتْ البواب قصيدتها “دموعي خاطرة للطريق”، بينما ألقى علواني على مسامع الحضور أبياتًا من قصائد شتى له. وقرأ الصليعي قصيدته “نحاول ملكا”، وألهبت الصمادي الحضور بقصيدتها “العرس”.

 

وحرصًا من الصالون الثقافي على رصد التّحديات التي تواجه الشعر في عالم اليوم، خصّص فقرة للشاعر العراقي علي جعفر العلاق، الذي وصف المرحلة للشعر العربيّ بأنّه بلغ مرحلة من النضج، ما جعله أكثر جاذبيّة وعمقًا، “بعدما استطاع جيل جديد من الشعراء الارتقاء إلى مستويات عالية من الأداء المُحكم الصافي، وأن يربط نصوصه بحركة الحياة وعالمها السفليّ الذي يضجّ بالحلم والقهر على حدّ سواء.

 

واعتبر العلاق تلقّي الشعر، كتابة وإنشادًا أهمّ التّحديات التي تواجهه، ليس في هذه المرحلة وحدها، ولكن في تاريخ الشعر كله، “ولهذه العلاقة طبيعة معقّدة إلى حدّ ما، ففي الحديث عن الشاعر وجمهوره، لابدّ من المرور على تلك المفارقات التي تكمن في التضادّ العجيب بين اكتمال القصيدة وسعة انتشارها بكلمات أخرى”.

 

وتعرض العلاق لحال الشعر المعاصر، قائلاً: مع كل ذلك فليس هناك ما هو أكثر ارتباكًا وفوضى من مشهدنا الشعري الراهن الذي يبدو، أحيانًا، وكأنه تداخل محموم، وعصيّ على التفسير ربما، لخليطٍ لا تجانس فيه من الرؤى والأجيال والأساليب.

 

وفي مقابل ذلك ثَمّة نصوص شعريّة تُكتب تلبية لدوافع غير شعريّة، في مسعىً محموم ومُخطط له بإصرار للحصول على جائزة محدّدة مسبقًا. وصارت هذه النصوص تكيّف وتفصّل وَفْق مقاسات نفعية معلنة على الشاعر أن يلتزم بها. القصيدة في هذه الحالة لا تمرّ خلال لهب روحيّ، حقيقيّ، بل تخرج مبرّأة من لفحة الأسى، أو بشاشة القلب، ليس هناك إلاّ الصنعة وأدوات الصياغة ومطالب الذكاء النفعيّ.

 

وهكذا صار الشعر وقودًا لبرامج الترفيه الجماهيريّ الساذج والفرجة السطحيّة، بعد أن نزل إلى حضيض الحاجة وإغراء الجوائز والجمهور المعدّ للتصويت بمقابل ماديّ، ونقّاد خلت ملاحظاتهم في الغالب من المادة المعرفية العميقة، والإشارة الثاقبة، وكأن بعضهم قد صار، منذ سنوات، جزءًا لا يتجزأ من منصة التحكيم.

 

وأوضح علي جعفر العلاق: إن القصيدة عمل خاص جدًا، لا تذهب بنفسها إلى الآخرين دائمًا، ولا تفتح مغاليقها لهم جميعًا وفي كل وقت؛ فهي ليست أغنية أو حكاية، أو إعلانًا. بل هي عمل غائم ومشعّ في آن واحد. ولذلك فإنّ ما فيها من ضوء يظل كامنًا أو مؤجلاً في انتظار قارئ مُرهف، لا قارئ عام ، قارئ قادر على إحداث ذلك التماس المُقلق بينه وبين النصّ. وليس كلّ القرّاء قادرين، بطبيعة الحال، على الوصول إلى نقطة التماس تلك: حيث مكمن الضوء، أو الرعد، أو الإثارة.

 

وهكذا، كلّما ازدادت القصيدة إحكامًا أو تعقيدًا قلّ عدد قرّائها المُتميّزين. أعني القادرين على الوصول إلى نقطة الاندماج بالنصّ وتفجير مكنوناته الفكريّة والوجدانيّة والبنائيّة. وفي ضوء ذلك يمكننا أن ندرك ما في قول أدونيس من نباهة فائقة: ليس لي جمهور ولا أريد جمهورًا… الخلاقون لهم قرّاء. لافتًا إلى أن التفاعل بين الشاعر وجمهوره يمكن أن يرتقي بالقصائد المقروءة إلى مستويات عليا، كما أن أية علاقة خاملة بين هذين القطبين كفيلة بالإجهاز على تلك القراءات وإطفاء جذوتها تمامًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى