…”الصنائع” كلوحةٍ فنية.. لا لموت المساحات العامة

لينا بعلبكي

بعد ثلاثة أيام تتحوّل حديقة “الصنائع” في بيروت إلى معرضٍ فنّي. بعد ثلاثة أيام يمتزج الفن بالطّبيعة، وينصهر “الماضي بالحاضر”. جمعيّة “Art In Motion” اتّخذت على عاتقها مهمّة “تعزيز الحوار الثّقافي من خلال تحقيق مفهوم الفن في الأماكن العامة”. اختارت لذلك “صنائعَ” العاصمة، قليلٌ من مساحةٍ عامّة متبقية للعوام.
يوم الأربعاء، تنتشر بين المساحات الخضراء منحوتاتٌ ومنشآتٌ فنية. 24 فناناً من مختلف الدول العربية والأوروبية قرّروا بثّ روحهم الفنية في ثنايا الطبيعة. المعرض، الذي يُقام برعاية وزارتي الثقافة والسياحة”، يحمل عنوان “الصّمود والإصرار”، ليحاكي بذلك صمود حديقةٍ كمعلمٍ عام تعدّى عمره قرناً من الزّمن. هو النشاط الأول لـ”آرت ان موشن”. وبحسب وزير الثقافة ريمون عريجي، “تضفي المبادرة على حديقة الصنائع نكهة حضارية وفنية وثقافية عاصمتنا بحاجة إليها”، مشجّعاً على تعميم هذه المبادرة “الفنية الراقية”.
للقيمين على النشاط، تنطلق “رؤية المبادرة من صميم تساؤلات اليوم في إمكانية المصالحة بين الماضي المؤلم والحاضر الفوضوي، نحو تمكين الفن من إيجاد علامات مرجعية ترسم طريقا منيرة”.

المصالحة
تلك الطريق المنيرة لا تُرسم إلا بمثابرةٍ تحملها مبادراتٌ من هذا النوع. وما المصالحة بين آلام ما رحل، تلك المخزّنة في كل زاويةٍ من زوايا العاصمة، وفوضى الحاضر المعاش، ذاك الذي يحاول استيطان الزوايا، سوى نوعٍ جديد من أنواع الفنون، وإن كان لا يحملُ وجهةً محدّدة.
تخرج المعارض الفنية من جدران صالاتها التقليدية وجمهورها المخصّص نحو المساحات العامّة. هو فن الشارع “المشروع”. مساحاتٌ مخصصة لتلاقي الثقافات وروح الفنون. عسى الفن يحاكي بلغته الحيّز الحضري للمدينة، وذلك عبر اتّصال محتواه بالمكان والواقع، وسعيه إلى الاختلاط بالنّاس بشكلٍ مباشر.
خلف أشجار حديقة “رينيه معوض”، وبالقرب من نافورتها “التاريخية”، يجلس الفنانون المعاصرون البالغ عددهم أربعة وعشرين. لأوروبا حصتها من المشاركة، وكذلك للبلدان العربية، وطبعاً لبنان. ولن يقتصر الأمر فقط على المنحوتات، بل يتعداه إلى الحوارات والنقاشات العامة وورشات العمل، وكذلك “دمج الخط العربي في الفن المعاصر” و”الهندسة المعمارية”.
ذاك ليس كثيراً على “الصنائع”. حديقة تشكل جزءاً أساسيا من تراث بيروت تستأهل أكثر من ذلك. هي رمز لبيروت وأهلها. مساحتها البالغة 22 ألف متر مربع تختزن الذكريات التي لا يجدر بها الموت. ويدل اسم “الصنائع” على الإبداع والحرفية، حيث قامت الحديقة على مساحة اقتُطعت من “مكتب الصنائع والتجارة الحميدي” والذي كان معهداً لتعليم البيارتة المهن والحرف والصناعات والموسيقى واللغات والمحاسبة وأصول التجارة. ليتمّ افتتاحها في العام 1907 خلال العهد العثماني، بوضع والي بيروت خليل باشا غرسة من شجر الصفصاف.

تبادلات فنية
مساحة التاريخ” هذه شهدت الكثير من الأنشطة الفنية والترفيهية عبر فرق موسيقية محليّة وألعاب بهلوانية، ورواة قصص، ورسّامي كاريكاتور وأنشطة مختلفة بعد تأهيلها منذ حوالي السنتين. كل ذلك يحمل رسالةً مفادها: لا لموت مساحاتنا العامة.
من هنا كان حرص “Art in Motion” على تعزيز “الفن العام”. هذا الفن الذي لا يعرف التمييز بين طبقة اجتماعية وأخرى، أو منطقة وأخرى. في “الصنائع” فرصة للتلاقي والامتزاج “ذي الطابع الفني”.
جمعية “Art in Motion” هي جمعية غير ربحيّة، تهدف لتشجيع الحوار الثقافي عبر الفن في الأماكن العامّة. ويهدف سعيها وأنشطتها إلى تشجيع جميع أشكال التعبير الفنّي،
في سياق لبناني، بحيث يجرى إرساء تبادلات مع هيئات فنيّة دوليّة لتشجيع اللقاءات مع الأفراد المحلّيين وجعل الفن في متناول الجميع.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى