الفحيص أولى نوافذ (جرش) الحوارية

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات -اللقاء، الذي جمع إعلاميين ومهتمين وسياسيين ومثقفين في نادي شباب الفحيص مع مدير مهرجان جرش، في دورته التاسعة والعشرين، محمد أبو سماقة، ارتكز على أنّ المهرجان هو منارة فكرية وثقافية ورسالة لم تعد فقط سياحيّة إلى العالم، بل وثقافية تُمرر من خلالها السياسة الأردنية الحكيمة القائمة على الوسطية وحريّة الاعتقاد والمذهب؛ فعلى الجميع النظر إليه بوصفه مشعلاً من مشاعل الفرح والعطاء؛ يحظى برعاية جلالة الملك عبدالله الثاني، ويعبّر عن الملمح الأردني العربي العالمي، بكلّ ما في ذلك من فرص ومكاسب، وعلى أكثر من صعيد.
المراقب للمهرجان في دوراته الأربع منذ 2011 يلمس ذلك التغيّر الصارخ في توزيع فعالياته، على الصعيد الثقافي، وتلك فرصة درجت عليها المهرجانات ومعارض الكتاب العربية والعالمية؛ تبثّ من خلالها ثقافتها وسياستها وأمنها وأمانها واستقرارها وحساسيّة أبنائها تجاه ما يمكن أن يؤثر على أيٍّ من هذه المكتسبات الوطنية، وفي حالة (جرش) فقد أصبحنا أمام برنامج ثقافي، ليس فقط يُقام فيه الشعر أو نحتفي فيه بتواقيع الكتب، بل يحمل هاجس المثقفين وطموحهم و(الرؤية) التي تضطلع بها الثقافة في مواجهة الرواسب، ونشدان الوعي النخبوي، الذي لا بدّ أن يستميل الجمهور، ليصبحوا جزءاً منه، ومن رسالة الأردن إلى العالم.
في معرض القاهرة الدولي للكتاب، مؤخراً، في دورته الخامسة والأربعين؛ بوصفه المعرض المهم والرقم الصعب عربياً، حتى مع ما تعانيه مصر من ظروف، كان العنوان السياسي استثماراً في المعرض، الذي يمكن تسميته مهرجاناً، لتوسّع قاعاته وفضاءاته ومثقفيه وجمهوره، وكانت الدولة، بكلّها، مثقفيها ومفكريها وناسها البسطاء، والأسرة المصرية الزائرة، تحمل هذا العنوان، في ندواتٍ تنوّعت بين الأدبي الذي يحمل السياسي والسياسي الذي يسمح بتداول الفكرة، وغير ذلك من تقنيات استثمار الفرصة الثقافية للفكرة السياسية، بين قطبين. وفي (جرش)، والمثقفون أمام رسالة عمان وبيانها التنويري، وأمام الندوة المهمّة (الثقافة والتكفير)، ما يؤكّد جديّة إدارة المهرجان في توسيع البرنامج الثقافي إلى الحدّ الذي بتنا فيه نقترح الأسماء على المهرجان ورابطة الكتاب الأردنيين، بوصف الرابطة حاملة الهمّ الثقافي والإبداعي الأردني، وهنا فإنّ فعلاً فكرياً وحراكاً إبداعياً، و(رسالة دولة) ضدّ كلّ ما من شأنه أن يجرح التعددية أو يقصي الرأي الآخر أو ينال من المكتسبات.
وإذ انطلقت إدارة المهرجان من دعم جلالة الملك عبدالله الثاني ورعايته، وكون جلالته الضمانة الأكيدة لديمومة المهرجان، وأن يظلّ الأردن محجّاً سياحيّاً وثقافياً وفكرياً ودرّةً في المنطقة، لتوافرها على ثقافة الأردنيين ووعيهم تجاه ما يمكن أن يؤثر على الصورة الحضارية والإنسانية الأردنية،.. فإنّ ما يُفهم من هذه الرسالة هو أنّ (جرش)، بكلّ ما يحمله من عراقة وتاريخ وجذب سياحي وثقافي إنّما يشكّل فرصةً لا ينبغي أن تضيع أو يقلّ شأنها، وهي رسالة- يتفق مع تفصيلاتها المتفقون أو يختلفون في كيفية تبنيها- فإنّ الجزم بقوتها وثمارها هو الاتفاق العام الذي ينطلق منه المهرجان.
اليوم، بات المهرجان محطّة ثقافية وعنواناً يمكن من خلاله استقطاب أكبر الأسماء الإبداعية في فضائه، فضاء حريّة الفكر والمعتقد والمذهب، التي ينعم بها الأردن، وهنا فإنّ البرنامج الثقافي لم يعد فقط للتمثيل البرامجي بين الثقافة ورعاية المواهب وحفلات الفنانين، بل أصبح فعلاً مكرّساً تُعدّ له العدّة قبل المهرجان بفترة طويلة، لمفاجأة المهتمين بالأسماء والندوات واستضافة المفكرين. وإذا كانت المهرجانات العربية تفعل ذلك، كمهرجان الجنادرية في تاريخه العريق الذي يناقش كلّ عام في المملكة العربية السعودية قضايا الإصلاح والسلفية والحوار وقبول الآخر، فإنّ النظر إلى مهرجان (جرش) نظرةً ضيّقة، ومن مدخل أنّ غايته هي اللهو والطرب، يجب أن يحفزنا على الحديث عن الغايات الاجتماعية والثقافية والتوعوية و(السياحيّة) الحضارية في هذا المهرجان، الذي تقلّب قبل سنوات، وعاد يحمل مسماه الحقيقي بدلالة نعرفها جميعاً، هي (جرش).
إذا كان الاتفاق العام، إذن، هو على أن يبقى المهرجان، فإنّ مناقشة تفصيلاته ليست بهذه الصعوبة أو (الحديّة) أو (الحروبيّة) من غير سبب، وليس الغرض هنا هو تقديمم المسوّغات، بل الوقوف مع إدارته على ما ينفع أو يمكن تعزيزه في مستقبل دورات المهرجان.
(الرؤية) هي الطريق الأسرع للنجاح وترك البصمة، وذلك ما حاول المدير التنفيذي للمهرجان أبو سماقة أن يوضّحه في جلسة أولى تعصف بالأفكار والمقترحات وتداول الرأي الآخر والمشورة في المنتديات والهيئات الثقافية ووسائل الإعلام، وفي اللقاء طُرحت قضايا مهمّة، من مثل إدارة المهرجان بين القطاعين العام والخاص؛ وفي ذلك كاشف مدير المهرجان بأهميّة أن تكون الإدارة شراكةً بين القطاعين، وأن تُفعّل الشراكة المجتمعيّة ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات الثقافية والفنية والأدبية وسواها، يعزز ذلك ما ترسّخ من برنامج لرابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، ورابطة التشكيليين الأردنيين، ونقابة الفنانين الأردنيين، في ترشيح الأسماء والمبدعين واستثمار المهرجان للإعلان عن الجوائز وتعظيم دور الفن والأدب والفكر في فعاليات تشيع التنوع ويطلبها ذوو الاختصاص والمهتمون.
وإذا كان المهرجان أنموذجاً حقيقياً للشراكة مع محيطه، ورسالة الأردن إلى العالم، وإذا كان مكسباً سياحياً، فإنّ نقطةً جديرةً بالنظر، وهي طموح إدارة المهرجان إلى اليوم الذي يقدّم فيه (جرش) الدعم اللوجستي والخبراتي إلى أشقائه من المهرجانات؛ من مثل مهرجاني الفحيص والأزرق على سبيل المثال، وتلك مسألة طيبة طرحها أبو سماقة، متمنياً فائضاً من ميزانية المهرجان يصبّ في شرايين مهرجان الأزرق، مثلاً، فيصبح سنوياً، ويموّل من (أبو المهرجانات) في الأردن، مهرجان جرش.
في الحوار والنقاش تتوالد الأسئلة وتزيد مساحة الطرح، ولعلّ اللقاء الأول لإدارة المهرجان في الفحيص، بادرة كما قال أبو سماقة لبث رسالة المهرجان من غير تشويشٍ أو تجميل عبر هذه النافذة المهمّة ذات النخب السياسية والفكرية والثقافية والإبداعية، الفحيص، إذ كانت السقوف عالية في السؤال والوقوف على المفاصل والعموميات، وكانت الإجابات صريحة وغير مواربة أو متوارية.
وحتى انطلاقة المهرجان في التاسع عشر من الشهر المقبل، نتوقع كثيراً من تداول الرأي مع المنتديات والنوادي والنقابات والروابط والاتحادات الثقافية، وكلّ المدن الأردنية والمحافظات، شأنها شأن الفحيص؛ بواباتٌ غنيّة للثقافة والفكر والمعرفة والعطاء.