الفكر العربي الإسلامي والفلسفة

الجسرة الثقافية الالكترونية – الراية

ضمن فعاليات «رمضان الشارقة»، نظمت إدارة الشؤون الثقافية في مساء أمس الأول الاثنين ندوة فكرية تحت عنوان «تأملات في الفكر العربي الإسلامي» مع أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي في جامعة زايد علي الكنيسي، وأدار الندوة الإعلامي محمد الحوسني.

واستهل الكنيسي حديثه بالقول: إن الفكر الإسلامي هو نتاج عقل المسلمين وغيرهم من الذين عاشوا على أرض الإسلام وفي ظل الثقافة الإسلامية، وهنا لا نستطيع أن نقول فكرا إسلاميا دون الحديث عن الفلسفة، لأن الفلسفة هي وعاء هذا الفكر، وللأسف الشديد فإن الفلسفة في الفكر والموروث الإسلامي لفظ سيئ السمعة، لأنه قد ارتبط بسوء ترجمة منذ البدء ففي عصر الترجمة الذي ساد الحضارة الإسلامية في القرنين الهجريين الثاني والثالث تسرب إلى الساحة الإسلامية لفظة فلسفة من اللغة اليونانية وكان في ذلك الوقت قد بدأت إرهاصات لحركة ترجمة، حيث تمت الترجمة من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية بتوسط من اللغة السريانية فلم يكن هناك ترجمة مباشرة من اليونانية إلى العربية، ومن هنا ارتبطت كلمة الفلسفة بجزء ضيق جدا وهي أنها كلمة تحمل الفكر الوثني الوافد الذي يتعارض مع الوحدانية أحيانا، فكانت أول علامة استفهام في الثقافة الإسلامية العربية، إلا أن اجتمع حولها فريقان الأول يدرسها على أنها تاريخ للفكر اليوناني فيدرس سقراط وأفلاطون، والثاني فهمها على أنها منهج في التفكير وأسقطها على القرآن وأخرج إلينا فلسفة رائعة تمثل الفكر الإسلامي الصحيح، وعندما اجتمع حولها أناس صعدوا بها إلى مراتب متقدمة صدرت فتوى في القرن الخامس عن ابن الصلاح تحرم تعاطي الفلسفة قائلا: «من تمنطق فقد تزندق».. ومن هنا أصبح كل من يقترب من الفلسفة مجرما شرعا، ومتهما بأنه يحيد عن العقيدة الصحية والسليمة، ونشأ عن ذلك عدة فرق، الأول يكفر أهل الفكر والفلسفة، والثاني ينظر إليهم بنوع من الموضوعية والحيادية، وفريق ثالث يقف على الحياد تماما ولا يقدم شيئا فظل الفكر الإسلامي في حالة توقف لمدة ستة قرون كاملة، إلا أن ابتعث من جديد مع أواخر القرن الثامن عشر.

وعن بدايات الفكر العربي الإسلامي ومدارسه ومناهجه، أوضح الكبيسي أنه في الوقت الذي نزل فيه الوحي في قلب جزيرة العرب، لم تكن الأسئلة الوجودية بحال من الضرورة إذ قدم الإسلام من خلال القرآن الكريم ميتافيزيقيا كاملة عن وجود الله ووجود الأنبياء والرسل وعن الغيبيات وتصور الجنة والنار وحرية الإرادة الإنسانية، ولكن بعد الفتوحات الإسلامية انتشر الإسلام على أراض كانت تدين بثقافات قديمة وهي أمم كانت متقدمة حضاريا في ذلك الزمان، أولها الحضارة الفارسية ثم الحضارة البيزنطية وريثة الحضارة الرومانية، فالأراضي في الشام والعراق ومصر وصولا للأندلس كان يوجد فيه ديانات سابقة، وكان على المسلمين أن يحتكوا بهؤلاء الناس وهذا الاحتكاك هو الذي بدأ يظهر مدارس الفكر الفلسفي، حيث اضطر المسلمون للمرة الأولى للدخول في جدال حول القضايا الإيمانية والدفاع عنها بالحجج والبراهين العقلية، فنشأ ما يسمى بعلم الكلام، وهنا برزت مدرستان كبيرتان هما الأشاعرة والمعتزلة، ثم بعد ذلك عندما ترجمت الفلسفة وبدؤوا يستعملونها كمنهج في تأكيد الجانب العقلاني للدين الإسلامي، أصبح هناك بنيان فلسفي إسلامي أخذ وعاءه من الفلاسفة اليونان ثم مادته من القرآن الكريم، وأفضل مثل على هذا الاتجاه هو الكندي أول فلاسفة العرب والمسلمين، ثم بدأ يظهر توجه آخر هو التصوف والذي ظهر فيه إبراهيم ابن أدهم وعبدالله بن المبارك.

واعتبر الكبيسي أن دراسة الفلسفة أمر في غاية الأهمية، لأن أول ما نزل من الوحي الإلهي على النبي المصطفى هو «اقرأ»، والمتعجل في التفسير يظن أنها القراءة المقترنة بالكتابة، ولكن المتأني في التفسير يدرك أنها تعني التفكر والتدبر والتأمل، وهذه هي الشروط الثلاثة الأولى للفلسفة التأمل والتفكر والتدبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى