الفنون الشعبية.. شاهد على الأصالة والتنوع في المغرب

الجسرة الثقافية الالكترونية-الجزيرة-

 

 

*نزار الفراوي

 

 

 

مثل الفنون الشعبية بالمغرب قيمة ثقافية رفيعة وتعد ذات أهمية اقتصادية كبرى، بالنظر إلى عراقتها وتنوع تعبيراتها بتعدد مناطق المملكة وتجاور التيارات والمرجعيات التاريخية والحضارية التي عبرتها، فضلا عن طابعها الحي وارتباطها المباشر بقطاع اقتصادي حيوي هو السياحة الثقافية.

ورغم الانتقادات المتواترة من لدن المهتمين بهذه الكنوز المتوارثة بضعف اهتمام المؤسسات الرسمية بتوفير أسباب بقاء وتطور هذه الفنون، يتميز المغرب باستمرار حضورها القوي في الحياة الاجتماعية والطقوس الاحتفالية للمغاربة، وإن كانت التحولات الهائلة التي تضمرها أجواء الحياة العصرية المرتبطة بالتحديث والتمدن تدفع في اتجاه تعبئة جهود أكبر من أجل حماية إبداعات تراث عابر للتاريخ ودعم حاملي أسراره وضامني استمراريته.

ويعد المهرجان القومي للفنون الشعبية الذي تحتضنه مدينة مراكش كل سنة منذ عقود بمثابة متحف حي وسجل تاريخي فني يوثق تعبيرات فنية تنفتح على بصمات وتأثيرات عربية وأندلسية وأمازيغية وأفريقية، تبدو بشكل متمايز أو في صيغ امتزاج حضاري متعدد الألوان.

 

لوحات ساحرة

وعلى مدى ثلاثة أيام، توجه الدعوة إلى عشرات الفرق الفولكلورية لتقديم وصلاتها، إيقاعاتها وأهازيجها، بحضور حشود من الجماهير المحلية والأجنبية التي تتوافد على المدينة الحمراء الوجهة السياحية الأولى في المغرب.

تلك اللوحات الساحرة التي تصنعها فرق شعبية بكل عفوية وإتقان في الوقت نفسه لا تحجب حقائق سلبية في مقدمتها التهديد بالانقراض الذي يواجه بعض التعبيرات الفنية التي فقدت قاعدتها الاجتماعية أو عجزت عن إيجاد أجيال جديدة حافظة للسر الفني الحضاري، وكذا الوضعية الاجتماعية والاقتصادية الهشة التي يعيشها الفنانون المتعاطون لهذه الأشكال الترفيهية التي لا تستفيد من التسويق اللازم، ويبخسها الناس والمؤسسات قيمتها الثقافية والفنية أحيانا.

ويتطلع الغيورون على مصير هذه الآثار الفنية إلى انكباب فعلي على بلورة منظومة حماية تعزز صمودها في زمن العولمة وتشجع مبدعيها وحاملي أسرارها على تطوير أدائهم ومواصلة مشاريعهم الفنية بكرامة واحترام، كما تنتقل بهذه الفنون من صيغة عرضها الفولكلوري الجامد الذي يجعلها أقرب لبطاقة بريدية من الماضي منها إلى وضع الفرجة الفنية الحديثة بكل مقوماتها.

ولعل الإعلان عن إحداث مؤسسة قومية للفنون الشعبية، على هامش مهرجان مراكش المنعقد بين 26 و28 سبتمبر/أيلول الذي نظم بساحة جامع الفنا الشهيرة، وسط المدينة الحمراء، يشكل خطوة مؤسساتية في هذا الاتجاه، من حيث الرهان على حماية التراث الفني الشعبي من جهة، وتأهيل هذا التراث للانخراط في منظومة الإنتاج الفني والثقافي الحديث من جهة ثانية.

ووعيا بالطابع الأفقي لهذه الفنون من زاوية ارتباطها بعدة قطاعات، مركزية وجهوية ومحلية، تضم المؤسسة وزارتي الثقافة والسياحة وممثلي المجالس المحلية والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية المهتمة.

وتكمن وظيفة المؤسسة، حسب وزارة الثقافة، في مواكبة ودعم وتأطير الفرق الشعبية والفنانين المتخصصين في هذا التراث القومي وتجويد العروض مع الحفاظ على الخصوصية الإبداعية المحلية.

 

مدينة الفنون

ومن الثمار العملية لهذا المشروع إحداث “مدينة الفنون الشعبية بالمغرب” بمدينة مراكش ابتداء من 2015، وذلك في إطار التصميم الحضري الجديد الذي يعيد النظر في مرافق المدينة ومعالمها العمرانية والثقافية وتخطيط مجالاتها.

وستضم مدينة الفنون الشعبية إقامة لفناني الفرق الشعبية كي توفر لهم مجالا للتمارين وورشات للتكوين المستمر، وقاعات للعروض ومكتبة متخصصة. كما عهد إليها بمهمة توثيق التعبيرات الفنية الشعبية، صيانة لذاكرة جمعية ضاربة في القدم.

ولا تنفصل هذه التحركات من أجل صيانة الفنون الشعبية بالمغرب عن الإستراتيجية التي وضعتها وزارة الثقافة تحت عنوان “التراث في أفق 2020″، التي تشتمل على ترسانة من التدابير التشريعية والإجرائية بغرض حماية التراث اللامادي بمختلف أشكاله.

ويتعلق الأمر بمراجعة القانون المتعلق بالمحافظة على التراث الثقافي ووضع الميثاق القومي للمحافظة على التراث الثقافي والطبيعي، فضلا عن منظومة الكنوز البشرية الحية بالمغرب٬ وهي آلية للحفاظ على التراث اللامادي.

وتهدف مراجعة القانون المتعلق بالمحافظة على التراث الثقافي إلى التعريف بكل مكونات التراث الثقافي وسن القواعد العامة لحمايتها وتثمينها.

أما الميثاق الوطني للمحافظة على التراث الثقافي والطبيعي، فيتضمن تقنين واستكمال عملية الجرد والتسجيل في السجل القومي للممتلكات الثقافية وتصنيف التراث الثقافي وإنشاء لجنة قومية للتراث.

وتنطلق منظومة الكنوز البشرية الحية من إعادة الاعتبار لحاملي التعابير الفنية العريقة وممارسيها بوصفهم ضامني استدامة هذه الفنون وتوارثها بين الأجيال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى