الفن التشكيلي يفتقد للنقاد المتخصصين

الجسرة الثقافية الالكترونية

*أشرف مصطفى

المصدر: الراية

 

معاناة المُبدعين لا تنتهي في كل زمان ومكان، وربما تلك المُعاناة هي التي يتمخض عنها الإبداع، لا سيما أن الفنان دائمًا ما يكون استشعاره للأزمات أكثر عمقًا لبحثه الدائم في التفاصيل، وتحاول الراية قدر استطاعتها من خلال هذه الزاوية، مناقشة أهم أزمات الإبداع، فتستعرض ما يطلبه الفنانون في كل حلقة، واليوم نستضيف فنانًا ينتمي إلى أحد أشكال الإبداع الذي يُمثل منافسًا قويًا لكافة أشكال الفنون الأخرى لما له من أرضيّة خصبة للنماء عليها من حيث عدد الفعاليّات والفنانين المُنتسبين له، وهو الفن التشكيلي الذي على الرغم من ازدهاره بشكل واضح على الساحة الثقافيّة القطريّة إلا أنه يُعاني، حسب وجهة نظر لولوة، من فن لا يلقى قبولاً مجتمعيًا نتيجة عدم العمل على توعية الجمهور وتثقيفه في هذا الشأن.

 

 

 

في البداية أكدت الفنانة لولوة المغيصيب أنه في الوقت الذي يشهد فيه الفن التشكيلي القطري طفرة كبيرة، لا تجعل الفنان المحلي يلقى أي صعوبات في البحث عن فرصة لإظهار مواهبه وإبداعاته التشكيلية إلا أن الطريق ما زال غير ممهّد لأن يصبح فنًا مجتمعيًا، حيث ما زال يُعاني هذا النوع من الفنون من تدني ثقافة الجمهور المحلي الفنيّة، مشيرة إلى أن الفن الواقعي قد يشهد بعض الحضور لكن لا يلقى الفن التجريدي قبولاً واسعاً إلا في الأوساط المُثقفة نتيجة لعدم قدرة الجمهور على استيعابه والتفاعل معه.

 

وطالبت لولوة المؤسسات المعنيّة بالعمل على توعية المجتمع بأهمية الفن التشكيلي والارتقاء بالذوق العام وأولى تلك المؤسسات المجلس الأعلى للتعليم الذي رأت أنه المعني الأوّل بتثقيف الأطفال فنيًا، مؤكدة أن إلغاء مادة التربية الفنيّة من المدارس يعتبر أحد أهم المؤثرات سلبيًا على الوعي الفني والثقافي وعدم الارتقاء بالذوق العام، وأشارت إلى أن غياب الأنشطة الطلابيّة التفاعليّة وتعليم الفنون أضرّ بالحركة الفنيّة عمومًا لأن ذلك هو الكفيل بتكوين جمهور في المستقبل فضلاً عن كونه إحدى وسائل التفريغ لطاقة الأطفال، ووسيلة فاعلة لاكتشاف المواهب المُبدعة، كما طالبت كذلك المؤسسات الثقافيّة بإقامة تظاهرات فنيّة موجهة للجمهور من خلال إشراكه بشكل مباشر بهدف تثقيفه فنيًا ودفعه للتفاعل مع الأعمال الإبداعيّة، بالإضافة لإقامة ندوات وورش تقيم حوارًا مباشرًا بين الجمهور والفن.

 

وترى المغيصيب أن غياب الأقلام المُتخصصة في الفن التشكيلي، كان سببًا في غياب العملية التثقيفية في مجال التشكيل، وفي الوقت الذي يلقى فيه الفنان اهتمامًا كبيرًا من قِبل الدولة وتمهيد الطريق أمام المُبتدئين في عالم الفن التشكيلي، لا نجد جهات تعمل على تفريغ نقاد تشكيليين أو إقامة دورات وورش لهذا الجانب الذي يشهد فراغًا كبيرًا، مؤكدة أن النقد والفن وجهان لعملة واحدة ولا بدّ لكي يرتقي الفن ويصل إلى ما نصبو إليه أن تسير العملية النقديّة إلى جانبه، وأضافت: إن أغلب الدورات التي تُقام في مجال الفنون التشكيليّة تعنى بالفن الواقعي بينما لا يلقى الفن التجريدي الاهتمام ذاته، وهو ما يجعل الفنانين مفتقدين لجانب مهم من أركان الحداثة التي تشهد اهتمامًا عالميًا كبيرًا، لكنها عبرت عن تفاؤلها بما وصل له الفن التشكيلي القطري في ظل ازدياد المؤسسات الفنية المعنيّة بالتشكيل، مؤكدة أنه بات يسير بخُطى متسارعة نحو العالمية.

 

وأوضحت أنه على الرغم من ميلها للمدرسة الواقعيّة إلا أنها لم تجد مانعًا في تجربة العمل من خلال المدارس الحداثيّة، مضيفة إنها لا تجد مانعًا يجعل الفنان لا يخرج عن خط وحيد في أعماله الفنيّة، ويتجه للتجريد والحداثة، لكنها اشترطت عند انتهاج المُبدع أساليب الفن الحديث ألا ينتج عملاً غير معبّر، فيجب أن يحمل أي عمل معنى ورسالة واضحة، حتى لا نطلق “مصطلح الفن الحديث” على أعمال لا تمتّ للفن بصلة كونها لا تتعدّى مجرد شخابيط وألوان تتبعثر هنا وهناك دون أي معنى ودون قصد محدّد من ورائها، مؤكدة أن أي غموض يعتري المُتلقي عند مشاهدته لعمل فني يعني غموضًا في عقل من أنجز هذا العمل، فالفنان عليه أن يحمل رسالة وقيمة لجمهوره كما أنه عليه أيضًا أن يحترم عقله، وتضيف: في الوقت الذي أرى فيه أنه لا مانع من الخروج عن الكلاسيكية وتقديم أشكال فنيّة حداثية إلا أنه يجب أن تكون تلك الأعمال ذات قيمة حقيقيّة وتحمل معنى بالفعل، وبرأيي أن الفن الواقعي هو القاعدة لجميع الفنون والمدارس الفنيّة، والفنان المُحترف يبدع في عمله سالكاً المذهب الذي يفضله ويتقن فيه سواء التعبيرية أو التجريدية أو غيرهما.. حسب ميوله للمدرسة التشكيليّة التي يتأثر بها، وعن نفسي فقد بدأت مُنتهجة المدرسة الواقعيّة، لأن الفنان لا يمكن أن يُبدع دون أن يكون متشبعًا ومتفهمًا جيدًا لأصول الواقعيّة.

 

وتوضّح الفنانة لولوة المغيصيب أن اهتمامها بدأ بالرسم منذ الصغر، وبالتحديد في المرحلة الابتدائية حيث كانت مادة الرسم هي المُفضلة لديها، وكأي فنان مبتدئ تعلقت بالواقعية ولم تسعَ حينها للتبحّر في المدارس الحداثية، ثم جذبتها التأثيرية بالواقعية وتعلقت بأعمال فان جوخ وتأملتها جيدًا، وفي أعمالها اهتمّت بالخطوط باعتبارها عنصرًا أساسيًا في اللوحة لكنها لم تُهمل اللون حيث فضلت اللمسات اللونيّة ذات التكنيك الانطباعي، واستهوتها عناصر الجمال اللوني إلى حد كبير، كما اهتمّت كثيرًا بتفاصيل العناصر المُختلفة سواء في العمل التراثي أو الطبيعة، مشيرة إلى أن أكثر ما جذبها تصويره في أعمالها كان البحر والطيور، وأوضحت أنه على الرغم من ميلها للمدرسة الواقعيّة إلا أنها لم تجد مانعًا في تجربة العمل من خلال المدارس الحداثيّة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى