الكاتب كائنٌ خطر و وحيد / محمد العقاد ( كاتب فلسطيني مقيم في بنغلادش)

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
الرائعون ، الذين زلزلوا كياناتنا ، رجالاً و نساءً ، كباراً و صغاراً ، عشاقاً و وحيدون ، سياسيون و عامة ، من تغنينا بأشعارهم ، و سرقنا صلواتهم و عبأناها في رسائل مُعطرة ، و تعبيرات أوجه ، و شَحنّا فيها شجاعتنا ، و ألقينا الحُبّ على مسامع الأوطان و الحبيبات ، و الخطابات الحماسية ، الذين أشعلوا ما أشعلوا دون عود ثقاب واحد ، و دون غيمة دخان يتيمة ، الرائعون ، المهذبون ، المتمردون ، الفوضويون ، المُنظّمون ، من هم ؟ و من أي طين خلقوا ؟ و كيف يعيشون بين العامة ؟
لكل قصة نجاح منبع و ظروف شَكلت الدرب المناسب لصعودها للقمة ، و للكتّاب دربهم الخاص ، ومعبدهم المقدس الذين يتشاركون في الصلاة فيه ، و لمعبد الكتّاب مدخلاً واحداً ، و مخارج عدة .
الكتّاب ، كائنات شفافة ، حية تنبت من كائنات أخرى ميتة ، نِتاج أحداث و ظواهر سوداء مؤسفة ، يَطْفون على سطح المجاز ، و يطمحون للقمة .
لخلق كاتب جيد طينة خاصة ، و درجات حرارة ، و ظروف مختلفة تماماً لتكوين هذا الصلصال الشفاف ، هذه الظروف يمكن تلخيصها في كلمة واحدة ( الآلم ) ، حيث أنه مع طينة كهذه يكون بَنّاءً بدرجة مذهلة .
و هو أيضاً الخريطة إلى المعبد المقدس ، و بطاقة عضويته ، و من هناك تتعدد دروب القمة .
الباحث في حيوات الكتّاب يدرك أن البوح ليس عادة يُمارسونها، إنما هي طرق للالتفاف على آلامهم، التورية بالنسبة لهم أثمان ممتلكاتهم، الموهبة ذاتها التي نصفق لها جميعاً، إذ إنها تلمس أعماقنا على أختلافاتها.
وأن البوح أكبر من الإفشاء بمكنونات صدرك وأسرارك ، إنه باب قد يعني للطرف الآخر فرصة للولوج إلى أرض الشفاء، إليك لحظة صدق، الباب منفذ في إتجاهين ، وأنت ملاكُ رحمة حين تَصدُق، وحينها وأنت وحدك تفعل المعجزات .
من الملاحظتين السابقتين ندرك عمق الأزدواجية في حياة الكاتب، بين صدقه وتوريته، فإن عُدنا لبداياتهم وَجدنا البدائية في التعبير المُجرد الواضح لحدٍ مزعج للكاتب ذاته و القاريء على حدٍ سواء، حيث يعرض الكاتب آلمه وتمرده بعبارات عارية تماماً.
و الثانية كتابة المُقتطفات ، سطراً أو اثنين ، حتى يُشبه للكاتب ذاته بأنه مجوف بوحشية في حين أن الحقيقية خوفه من إفشائه لآلمه ، الآلم الذي سببته ظاهرة ما قد يُعيده قارئاً آلاماُ مُضاعفة .
إن الخوف في حياة الكاتب هو الخوف من الناس ، وهذا قمة وهمه ، نَفْسهُ هي المنبع الأكبر الذي يخيفه ، ويبقيه على سطح المجاز .
في مراحل متطورة من كتاباته ، تجد أن المَجاز و التورية تحل محال العبارات المُجردة ؛ لتخفي آلامهم ، وتحافظ على خصوصيتهم ، هنا تبدأ نصوصهم في احتضان فئات مجتمعية أكبر، تزداد جمالاً ، إذ أن الغموض عاملاً جمالياً يجذب القراء .
بالإضافة إلى مُرونة الكاتب في انتحال ظواهر و كيانات متعددة بالشكل الذي يوقعنا في فخ التصديق ، مع تحفظي على التعبير عنه بالفخ ، و هذا لأن مرونته تنبع من جانبيه ، المُنير منه و المُظلم .
شفافيته تشكل الجانب المُنير ، الجزء الذي يسلط الضوء على ألامنا ، فيكتب ، ويثور ، و يتمرد ، و يُبدع .
و المظلم الناتج عن تلك الأحداث و الظواهر السوداء المؤسفة الواقعة على شفافيته وحساسيته العالية ، الجزء الفوضوي ، الذئب منه .
من هذين الجانيبين يكتسب مرونته ، و خطورته أيضاً.
الكاتب كائنٌ خطر و وحيد .
الأكثر نِقمة ، قسوة ، و غضباً ، و أشعالاً للحرائق .
الشرير و الطيب ، هم جزءان حقيقيان منه ، يُجيد الكشف عن أحداهما حين يرغب بذلك ، و لهذا كان تعبيرُ الفخ خطأً مشكوكاً فيه.
القصص العتيقة تحدثت عنه لكنه دوماً ما تُغيرها الأجيال جيلاُ بعد جيل .
قصة المستذئب كانت تخصه ، و تَحَوَلهُ لذئب حقيقة ، المَعنيُّ بضوء القمر إيقاظ الألم الدفين فيه ، شفافيته عن الأخرين ، و وحدته .
لا شك أن هذا يُشكل حالات تناقص ملموسة للأشخاص الذين يتعاملون مع الكاتب ، فالصراع مُتجذر في كيانه ، الصراع الذي يجب أن نخافه .
الكاتب يَرقة طَموحه ، ستطير يوماُ ، و يعرف ذلك ، لينبت له جناحان عليه أن يُكفن جسده ، الصراع بداخله كفيل بذلك ، يدفعه لأثبات نفسه و وجوده ، تحدّي بينه وبين ذاته ؛ انتقاماً للظلم الواقع عليه ، ليثبت أن الظالم ظالماً ، و إنه مظلومٌ و على حق , الأنتقام دوامة لا مخرج ، و لا رجعه منها.
ما بعد النجاحات
لا يغيب إدراك العقلاء أن المتألم أكثر قابلية للنجاح ، و تحقيقاُ للأبداع ، فالنجاح يبدوا مسكناً ، و مُلهياً جيداُ للآلم ، يَدفعه دوماً للأمام .
بعد كل نجاح يُصادفه الكاتب يُصبح ملموساُ في حالات ما – ليست بالقليلة – حالات أعتزال عن العالم ، و ما هي إلا أحدى نِتاج الصراع ، تتزايد فيها الأسئلة الموجة منه و إليه ، إلى أين ؟ هل حققت إنتقامي ؟ هل اكتف بهذا؟ هل عليّ أن أنجح أكثر ؟ … و لأنه انتقام لا ينتهي .
الكتّاب جرحى مجتمعات ، عادات ، أخطاء .
يستحقون أن نقف بجانبهم ، نُقدم لهم الدّعم ، لا شفقة بل لأنهم أصواتنا الداخلية ، لكن بحذر؛ هم أنفسهم لا يعرفون ما بإمكانهم فعله .
الكسور لا تُصلح ، فقط تُجبر ، نُجيد أخفائها ، الجروح كذلك ، لا تشفى .
الطيبة الزائدة جداُ ، الحنان ، يقابلها خبث ، قسوة ، و لؤمٌ زائدٌ جداً ،تَواجد المتناقضين شيء ضروري للتكامل ، كلما اقتربوا للكمال ، زادوا تناقضاً .
المُقرب للكاتب عليه أن يدرك هذا ، فحاجته تزداد نجاحاً بعد نجاح إليه ؛ ليشده لجانب من جانبي الصراع ، و نسبه قبوله لهذا الشخص تعتمد على أسباب أخرى . على أنه يدرك أن هذا الشخص ( المُقرب ) قد يعني فناءه ، ربما يبعده .
أن لستَ ذئباً
أنت ذئب
و لكن
حتى الذئب يكون بريئاً !