الكاتب والرسام رياض صطوف يسلط الضوء على التفاصيل المحرجة

الجسرة الثقافية الالكترونية-العرب-

 

*رشيد اركيلة

منذ إصداراته الأولى، كان رياض صطوف يحدث فرقعات في عالم القصص المصورة، بمصداقيته الجريئة إلى درجة أن وصفها البعض بحالة مرضية، لأنه يؤثر الصراحة، حتى يكاد البعض يعتبرها وقاحة.

اشتهر رياض صطوف بالرسوم المتحركة، خصوصا مغامرات “باسكال المتوحش” ومنشوراته الأسبوعية في مجلة شارلي إبدو. وتعتبر المراهقة واحدة من المواضيع المفضلة لديه، وهو ما تأكد عند إخراج أول أفلامه ، الوسيمون، مقدما بذلك وجهين من الممثلين الشباب الواعدين، فانسون لاكوست، و أنطوني سونيجو.

 

 

سيرة رحالة

 

«معجم البتول» أو «دليل الطفل العذري» (حسب صحة الترجمة العربية لقصته «Le manuel du puceau») مثلا، كان من الصدق والصراحة بمكان حول المراهقة، إلى درجة يخشى المرء معها أن ينصح بقراءته، سواء لمراهقين أو لوالديهم.

 

إنه ألبوم صادق إلى أقصى الحدود، دون هوادة ودون شفقة، يكاد لا يُحتمل لشدة صدقه. إنه نفس الخط التحريري الذي لا يزال يوجه سلسلة الشهادات المرسومة كلقطات حية لـ«الحياة الجنسية للشباب». نضحك في كل مناسبة، أينما حللنا وارتحلنا، لكنها ضحكة حزينة، بصبغة الشفقة.

في «عربي المستقبل» يطبق رياض صطوف طريقته نفسها التي لا ترحم حول موضوع من الصعوبة بمكان أن نتعامل معه بهذا الشكل ذاته. يروي الألبوم لحظات الطفولة الأولى للرسام، الذي ولد بفرنسا، ثم زجت به الأقدار والظروف العائلية إلى ليبيا، التي يحكمها الكولونيل القذافي، وبعدها إلى سوريا التي يحكمها حافظ الأسد، الموطن الأصلي لوالده.

 

لم يكن رياض قد بلغ الثالثة من عمره بعد، حين بدأ الحكي: الكل يجده رائعا بشعره الأشقر في فرنسا التي يرأسها بامبيدو آنذاك. لكن لا شيء يبدو سهلا، حين يكون لنا أب يحلم بثورة شيوعية، وبصحوة للدول العربية.

بين خطابات والده، مثله الأعلى الذي يهتف له عاليا وبشدة، وواقع الشقق الوضيعة، أطفال سوريون غير مهذبين والعائلة الحاضرة بكل مكان بالقرية العائلية، يجد الصغير رياض صعوبة في إيجاد وجهة أو شعور بالانتماء، وتختلط عليه الأمور.إنه معجب بالعنف الذي يصدر عن الأطفال السوريين في سنه، لكن تتملكه الرهبة جراء الإحساس بالخوف، الذي توحي به تصرفاتهم تلك.

قد تكون هذه السيرة الذاتية من اللياقة بمكان بشكل فظيع: مشاهد الطفولة تم سردها ألف مرة، الاجتثاث من الجذور هو اليوم محرك الأشعة الكاملة لألبومات الرحلات أو الريبورتاجات، العائلة تكون دائما في قلب السيرة الذاتية، ومع ذلك، ينجح رياض صطوف مرة أخرى في خلخلة القراء وزعزعتهم بشدة، حتى بلوغ جوانب خفية بداخلهم، لا يجرؤون على البوح بها.

الانعدام التام للنفاق أو المجاملة في أسلوبه، الصدق الذي يرسم به سوء نية أو عنف والده، نفس الشيء بالنسبة للحظات الصمت لدى والدته، كل هذا يمَكّن في نفس الوقت، من تجاوز الصور النمطية، وكذلك الطابع الطرائفي الذي يمكن أن تنغمس في خضمه السيرة الذاتية في غالب الأحيان.

 

نحس، كما في مشاريعه الأخرى، بأن رياض يحب شخصياته دون تحفظ، رغم العيوب والشوائب التي تلتصق بأقدامها. إنه يعشق الساحرات، وسائقي الحافلات الدميمي الخلقة، والعجائز المجعدات، والأطفال ذوي الجبين المفرط. إنه يحب المغالاة، بل الواقعية المثيرة والمفرطة، الشخصيات التي تحلم بصوت مسموع والتي تنساق دون تحفظ.

 

تخطيط جد بسيط، تم تلوينه باستواءات أحادية اللون تتغير بتوالي الحكي، يدعم بشكل بديهي انطباع العوز الذي يرافق رحيل العائلة في المرتين التي توجب عليها الانتقال من بلد إلى آخر.

 

شخصيات رياض صطوف لها في غالبية الأحيان رؤوس كبيرة إسطوانية الشكل تذكرنا في نفس الآن، بالتقليد الفرنسي- البلجيكي بالصبغة الفاتحة للتخطيط، وشخصيات “لي سامبسون” (les Simpsons) لـ ماط غروينيغ (Matt Groenig) من حيث الشكل.

رسومات للذاكرة

يبدع المؤلف في فن تسليط الضوء على التفاصيل الخسيسة والمحرجة. هكذا، نحس بحرارة شمس سوريا بدرجة أقل من الروائح المقززة للنهر الأسمر الذي يقطع القرية العائلية، حين يتم الحديث عن تقاسم وجبة الكسكس بديار أبناء العم، يكون ذلك للتذكير بأنه ليس للنساء الحق إلا في العظام، التي تمّ افتراس لحمها من طرف أزواجهن، حين يسافر رياض الصغير عبر الحافلة، فإنه لا يشاهد عبر النافذة، بل عبر الثقوب الموجودة بالأرضية الصدئة لوسيلة النقل.

 

في النهاية، نلاحظ جيدا بأن رياض صطوف قصاص وحكواتي حقيقي: نقلب آخر صفحة ببطء شديد قدر الإمكان، لأننا لا نرغب في مغادرة ضفاف البحر الأبيض المتوسط، والعقود الأخيرة للألفية المنصرمة، وتلك الشخصيات الجذابة التي تنال منا كل التعاطف ولا تنصفها الحياة بحق.

 

عن تلك الشخصيات، علق الناقد نيكولا آنسيون على موقع جريدة «أكتوياليتي» قائلا: “تتملكنا رغبة وأمان في أن يقع لهم حدث سار ما، أن يصبح ابنهم مخرجا سينمائيا أو مؤلفا لقصص مصورة مثلا، من يدري؟ ربما نصادف ذلك في الأجزاء المقبلة، التي سنقبل عليها بشغف كبير!”. رياض صطوف مخرج رسوم متحركة لكنه أيضا مؤلف رسوم متحررة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى