الكتابة في الغرفة 18 / *جنكيز محمود زادة

الجسرة الثقافية الالكترونية
*ت: نوال العلي
المصدر: العربي الجديد
اسمان أساسيّان يتصدّران المشهد حين يُذكر الكتّاب الأكراد في إيران: المترجم محمد قاضي، والروائي علي أشرف درويشيان. يكتب كلاهما بالفارسية بالطّبع، فالنّشر وتداول اللغة الكرديّة من الكبائر في إيران. يصعب تصوّر مشروع قاضي أو درويشيان في الثقافة بشكل منفصل عن السياسة، إذ إن التجربة الأدبيّة لكلٍّ منهما مقرونة بشكل أصيل بالنّشاط السياسي.
فالقاضي كان المترجم التنويري الذي قدم تجارب أدبية جريئة وغريبة بالنسبة للثقافة السّائدة في البلاد، وكان ملتحقاً بالعمل السياسي كأحد أبرز الشيوعيين آنذاك. أمّا درويشيان فقد أصبح رمزاً للمثقّف العضويّ المتورّط في دوره كشريك سياسيّ وثقافيّ للقارئ والمجتمع الذي يتوجه إليه. ولا بد من الالتفات إلى أنّهما جسّدا قضايا سياسيّة ليس فقط ككرديين، بل وكإيرانيين أيضاً.
لقاضي فضل كبير في إثراء الثقافة الإيرانية بالترجمات، إذ قدّم للفارسيّة تحفاً من تاريخ الأدب، فترجم أعمال كازنتزاكيس وأناتول فرانس وسرفانتس. وربما يكون قاضي محظوظاً أكثر من غيره من أبناء جلدته، فقد ولد لعائلة ميسورة وذات مكانة في مهاباد في كردستان إيران، ما أتاح له جوّاً دراسيّاً وتعليماً جيداً، فتلقى اللغة الفرنسيّة منذ الصغر، حتى أنّه انتقل سنة 1929 إلى طهران، وبالتحديد “مدرسة دار الفنون”، وهي من أرقى المدارس آنذاك.
تابع قاضي دراسته في الحقوق، وعمل في وزارة الاقتصاد، قبل أن ينضم أثناء حركة تأميم النفط الإيرانيّ لحزب “توده”، أقدم حزب شيوعي في البلاد.
كان عمل فيكتور هوغو القصصيّ “كلود جو”، أوّل كتاب يقدمه قاضي مترجماً للفارسيّة، وهو ما زال طالباً على مقاعد الدّارسة. ثم توالت الترجمات حتى قدم “جزيرة البطريق” لأناتول فرانس، ثم “زوربا” لكازنتزاكيس، و”دون كيخوته” لسرفانتس، و”الأمير الصغير” لأكزوبيري. ولا بد أن نذكر أن العثور على دار تنشر له في الخمسينيات كان تجربة ذاق فيها الأمرّين بسبب نشاطه السياسي، قبل أن يصبح بالنّسبة للقرّاء الإيرانيين “المترجم” الذي أغنى المكتبة بهذه الأعمال العظيمة.
أما الروائي علي أشرف درويشيان، (1941)، فهو من أكثر الأسماء انتشاراً وأكثر الأدباء جهداً. نشر روايتين وعشر مجموعات قصصيّة وثماني مجموعات من القصص الطويلة والقصيرة للأطفال وترجم مختارات من القصص لكتّابٍ أكراد معاصرين إلى الفارسية. هذا إضافة إلى مقالاته النقديّة والسياسيّة. وعلى العكس من قاضي، كانت عائلة درويشيان كبيرة العدد لأبٍ عامل في آبشوران، وهو أفقر أحياء كيرماناشاه. وظلّت تجربته مع الفقر في سنوات الطفولة تظهر كشرط أساسيّ في حبكة أعماله الأدبية. وقد كرّس حياته بعد أن أتمّ دراسته في “دار للمعلمين” للتدريس في القرى النائية والمعدمة في كردستان، وظل هكذا حتى اعتقل بسبب كتاباته وعمله السياسي ومنع من الكتابة والتعليم.
ما زال هناك الكثير من السحر يحيط بشخصيّة هذا الكاتب حتى اليوم. هو الذي لوحق قبل وبعد الثورة الإيرانيّة، وظلّ يكتب عن الإنسان والقهر أينما كان، وكتب أول قصة قصيرة له وهو في سجن “ديزل عابد”، ولم ينشرها أبداً. وحين صدرت روايته الأولى، “غرفة 18″، هزّت الأوساط الأدبية في إيران، وكانت تروي قصّة عائلة مسجونة في أوائل السبعينيات بسبب نشاط ابنها السياسيّ الذي كان من ضمن الحراك ضد شاه إيران.
وتعتبر قصص الأطفال التي كتبها درويشيان ووصفت بأنها “كتب أطفال يسارية”، سبباً آخر لشهرته. فقد جاءت مختلفة عن المألوف من حكايات الصغار، ومتحررة من ثقل التقليد، وذات خيال استثنائي، وقد تلقاها وأحبها المجتمع الإيراني بكل طبقاته واتجاهاته. في العام 2007، تلقى درويشيان “جائزة هيلمان هاميت” لحقوق الإنسان.