اللقطة الواحدة: فن يكسر التابوهات التقليدية

محمد عبد الهادي

ترجع تسمية “اللقطة الواحدة” إلى اختيار كل فنان زاوية واحدة معينة في الرسم كالتصوير الفوتوغرافي تمامًا، ما يجعل كل لوحة مختلفة عن الأخرى رغم رسمها في الوقت والمكان ذاته لكنها تختلف عن التصوير والغرافيك في عدم الالتزام بدقة النقل والإضافات التي يضيفها الفنان من داخله.

في رأي فناني اللقطة الواحدة بمصر أن كل ما يوجد على الأرض يتضمّن جوانب خفية تصلح للتجسيد، وهكذا لا يجدون غضاضة في أن تنتقل لوحاتهم من عالم الأحياء إلى التعبير عن المقابر، ومن الأماكن الراقية والحدائق إلى أكثر المناطق عشوائية، وقد يكتفون في بعض الأحيان برسم المارة العاديين بالشوارع.

وتبدو “النوستالجيا” (الحنين إلى الماضي) حاضرة في أعمال اللقطة الواحدة، ويعتبر التشكيليون المنتمون لهذا الفن أنفسهم باحثين عن التراث بالأساس، ومن ثم تراهم يحاولون توثيق العمارات التاريخية والأماكن التي لم يتم تناولها في أعمال سابقة.

ويتجلّى ذلك في رصد العمارة الإسلامية بمنطقة درب اللبانة ومقعد رضوان بالغورية بوسط القاهرة، وفي تخصيص معرض كامل لرسم مقابر الحطابة بمنطقة القلعة بالعاصمة مؤخرًا.

تتنوع لوحات اللقطة الواحدة، التي رسمها فنانون أغلبيتهم العظمي من الشباب، بين الرسم بالفحم وأنواع الألوان المختلفة ما بين الزيتية والمائية و”الجواش” المعتم و”الباستل” (نوع من الطباشير)، ويفضل غالبيتهم ما يسمونه بالجمال الهادئ البعيد عن كثرة الخطوط المتشابكة التي تحتاج وقتًا طويلاً لرصد معالمها.

وتقول فاتن علاء، فنانة تشكيلية شابة، إن فن “اللقطة الواحدة” لا يكتفي بنقل المشهد على الطبيعة ويعتمد في المقام الأول على إحساس الفنان وحالته النفسية، فالفنان يختار زاوية معينة يركز عليها وكذلك الألوان التي يستخدمها، علاوة على العناصر التي قد يضيفها من داخله لجعل اللوحة أكثر ثراء.
جمال خاص

أسس فنانو “اللقطة الواحدة” رابطة قبل 15 عاما بمشاركة 15 خريجًا من كليات الفنون الجميلة، وتوسّعت الآن لتضم حاليا نخبة من نحو 3 آلاف من الهواة وخريجي الكليات الفنية، وتضع الرابطة دستورًا لها يتضمن اجتماعًا أسبوعيًا، يحددون فيه إحدى الأفكار ثم يبدأون جميعًا في تناولها لإنتاج معرض مشترك يضم أعمالًا تجمعها وحدة الموضوع مع تفاوت الأسلوب والألوان.
من أعمال فاتن علاء: تخطيط من أحبار وألوان مختلفة
وأضافت فاتن علاء لـ”العرب” أنها وزملاؤها يبحثون عن جمال ذي طابع خاص يعبر عنه كلّ منهم وفقا لخبرته أو وأحيانا نمط دراسته، فالهواة الذين درسوا الهندسة مثلًا يكون تركيزهم أكثر على الجوانب المعمارية في المشهد المرسوم، والكثير من لوحاتهم مستغرقة في التراث وجماله، كالمباني والحواري القديمة والمشربيات والأعمدة والمآذن والقباب.

تركز أفكار “اللقطة الواحدة” أيضًا على المهن البسيطة غير المطروقة، أو تلك التي توشك على الانقراض، كـ”العجلاتي” و”الإسكافي” و”صانع الكراسي والعربات الشعبية”، وحتى عمّال السكك الحديدية.

وترى علاء أن اختيار بعض الأماكن غير المألوفة كالمقابر لا يعني أنها تخلو من عناصر الرسم فكثير منها يضم أضرحة ذات تصاميم خاصة كالقباب، وتتضمن زخارف هندسية وكتابات بخطوط جميلة خاصة الخط الكوفي، كما أن تجسيد العمارة الجنائزية يتضمن جانبًا معنويًا خفيًا يتعلق بالبعث والحياة الأخرى، والربط بين عالمي الأحياء والأموات.
لقطة من زاوية محددة

أكد يوسف العزازي، فنان تشكيلي شاب، أن رسم اللقطة الواحدة كسر الكثير من “تابوهات” الفن المعروفة سواء في الأفكار أو طريقة التناول، كما فتح المجال أمام شباب الفنانين غير المعروفين للظهور وتنظيم معارض في قاعات مشهورة كانت حكرًا على الأسماء المعروفة.

ويمثل فنانوّ اللقطة الواحدة في لوحاتهم جميع مدارس الألوان إذ يتنوّعون بين الألوان الطلائية كالألوان الزيتية والتامبرا (أصباغ مخلوطة بالبيض) والشمع المذاب والدهانات المركبة، بجانب اللصق والتركيب كالفسيفساء والزجاج المعشق، و”الكولاج” الذي يعتمد على قص ولصق عدة خامات مختلفة معًا في لوحة واحدة.

وأشار العزازي إلى أن اللقطة الواحدة تنطلق من أن لوحة لا يزيد حجمها عن 40 سنتيمترًا مربعا تعبر عن حالة مجتمع كامل، ففي المناطق الشعبية قد ترى وجوهًا معبّرة بصدق عن الواقع ونمط المعيشة، وهذا الأمر لا ينطبق على الأماكن الراقية التي يتخفّى ساكنوها وراء النظارات الشمسية، فالهدف هو التعبير عن الحياة وليس اختزال الجميل منها فقط.

أما نهال هاني، فنانة تشكيلية، فترى أن اللقطة الواحدة لا تُحسب على مدرسة فنية بعينها، فهي خليط بين الواقعية والانطباعية في رسم واحد، وتتضمن اتجاهات حديثة تتضمن “الواقعية” مع “التجريد” ما يجعلها ذات طابع فريد.

ووفقا لنهال فإن فكرة البيع التجاري لا تسيطر على فناني اللقطة الواحدة وإن كانت هناك الكثير من لوحاتهم تصلح للبيع التجاري، كلوحات “كشك الورد”، وأشارت إلى أن فكرة العمل كفريق تخلق نوعًا من الثراء والتنوع وتقضي على المنافسة غير المحمودة التي يتضمنها الرسم من أجل البيع التجاري.

وتعمل لوحات اللقطة الواحدة على المزج بين فحوى الصورة الفوتوغرافية والتشكيل، فالأولى تقتنص لحظة من الزمن بكل ما بها من أبعاد زمنية ومكانية وإنسانية، بينما التشكيل في اللقطة الواحدة يسعي لتجسيد تلك اللحظة ولكن بالريشة وليس بضغط زر التصوير بماكينة الفوتوغرافيا.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى