المؤرخ العراقي سيار الجميل يعاين أزمة المجتمع العربي وتحولاته العصيبة

الجسرة الثقافية الإلكترونية

المصدر: الرأي

قال المؤرخ العراقي الدكتور سيار الجميل إن ما تعيشه المنطقة العربية من تحولات عصيبة وواقع صعب مليء بالمفاجآت جاء نتيجة لضياعها بين الفكرة القومية والفكرة الدينية وما أدت إليه من نزعات إقليمية وطائفية ومذهبية.

وأضاف الجميل في محاضرته المعنونة (لماذا وصل تاريخنا الى هذا المآل؟) التي اقامتها في مؤسسة عبد الحميد شومان إن مؤشرات هذا التيه يكمن في تهميش دور المثقف وغياب العدالة الإجتماعية وعقم المناهج التربوية والتعليمية، وإلى تفشي البطالة والظلم وعدم تطبيق القانون. مبيناً إن الأمة ما زالت أسيرة وقائع الماضي، فهي تعيش حاضرها على نتائج (سقيفة بني ساعدة).

 

وأوضح ، إن الثروة الحقيقية تكمن في الإنسان الذي يزرع ويعمل ويدرس ويقرأ ويثقف ذاته وأن أي جائزة دولية أو مرتبة أو إنجاز رفيع يحققه هذا الإنسان لهو تجسيد حضاري يرتقي فيه المجتمع بين الأمم.

وبيّن الجميل حاجة الأمة لإعادة قراءة التاريخ وأن تنفتح على ثقافات العالم، مبينا أنه لا قيمة لثروات الأمة إن لم تكن منذورة للإبداع، متسائلاً عن أسباب غياب البرامج الثقافية على شاشات التلفزة العربية في الوقت الذي تزخر فيه ببرامج الغيبيات والسحر والشعوذة والحظ.

وطالب المحاضر ضرورة أن يكون هناك قائد للمجتمع وصانع قرار جريء لديه بطانة من ذوي الأخلاق والمعرفة يستشيرهم وقت المحن والأزمات واللحظات الحرجة عدا عن كونه منفتح على العالم، يرسم قوانين تؤيدها الاغلبية في المجتمع، كما يعي دور التنمية الشاملة وتوزيعها بشكل عادل على منجزات حقيقية يشعر فيها كل أفراد المجتمع، مبيناً إن الثروات قد تكون أيضاً عامل تدميري لا قيمة لها، أو أداة للفوضى والإضطراب إذا أسيء توظيفها، إذ أن المجتمعات لا تنهض ولا تستطيع الحراك صوب التطور والتقدم بلا قوانين عصرية أو مؤسسات ديمقراطية أو إصلاح تعليمي وتنموي.

وقال الجميل في المحاضرة التي قدمه فيها الدكتور محمد الأرناؤوط إن المنطقة العربية في السنوات الاخيرة شهدت بوادر للإنطلاق والنهضة من خلال ما أصطلح على تسميته بالربيع العربي، قبل ان تداهمها تغيرات جذرية أعادت المنطقة مئة عام أخرى الى الوراء، لاسيما وأنه على الرغم من كل التغييرات التي عاصرتها المنطقة في الماضي، فانها لم تشهد مثل هذا الإمعان في القتل على نحو بشع ومروع رافقه تدمير أماكن العبادة والآثار وتشريد للاهالي.

وألقى صاحب كتاب (تفكيك هيكل) اللوم على بعض المؤرخين العرب الذين اساؤا الى تاريخ المنطقة وحركة تطوره أكثر من المستشرقين والمؤرخين الأجانب، مبيناً إن تداعيات المنطقة السياسية أثرت على إشتغال المثقف والمفكر العربي، بحيث قادت البعض منهم إلى الإنتحار أو الجنون، جراء فجيعتهم بأفول زمن الإستنارة الذي كانت تنعم فيه المنطقة بالماضي، حيث الإنتشار الطاغي للصحافة بشتى أشكال تعابيرها والصادرة في لغات متعددة، وعلى الأخص بروز ظاهرة إزدهار صحافة الكاريكاتير، وكتابات التجديد في قراءة موروث المنطقة الحضاري ضد الظلم والإستبداد، لافتاً إلى أن تلك الحقبة الماضية العائدة إلى بدايات القرن الفائت إتسمت أيضاً بإزدياد تشييد المسارح ودور الاوبرا وصالات السينما وأبداعات الفنون الجميلة كأعمال النحت مثلاً.

وأعتبر المحاضر الذي يدرس التاريخ في جامعة تورنتو بكندا، إن هناك بصيصاً من الأمل والضوء في إنتظار مستقبل الأمة، لكن ذلك يعوزه الكثير من العمل والتصميم الحقيقي الذي يراعي حركة التاريخ، وخلاف ذلك فإن الكارثة ستضرب الجميع عندها ستبقى الشعوب العربية أسيرة الظلم والعنف والقهر والتفسخ والإنقسام.

المؤرخ العراقي سيار الجميل متمّيز بمنجزه الإبداعي وفلسفته للحياة والزمن والتاريخ، فقد أثرى الثقافة العربية بكل جديد، وأمتلك ناصية النقد وآليات التفكيك والتحليل، وهو الذي أبلى جهدا ومعرفة على تثقيف نفسه وتكوينه الخصب الذي يقطف من الموروث العربي الاصيل وعوالم الحداثة فهو صاحب منهج نقدي بديع الأسلوب.

فّدم الجميل افكاره وقناعاته وتصوراته وتحليلاته في الاستراتيجية والتحولات العولمية بفطنة اصابت هدفها، وهو الذي يسجل توقعاته باستقلاليته السياسية وحرية كلمته وجرأته وقوة آرائه وموضوعيته ودقته وعلميته.

كما واجه سائر النزعات المذهبية والطائفية والاقليمية وتعسف الاراء الفكرية لدى التيارات السياسية، كما وقف ضد عوامل التخلف والتقهقر للامة وهو يؤمن بالحرية والتقدم فهو الذي يمّثل فكريا رياد المجتمع العربي الجديد بأبهى تجلياته.

نادى الجميل بالنهوض في المجتمعات العربية بعيدا عن الغلو ولكن على ارضية من البذل والعطاء والاحترام للراي الآخر والتفاعل مع صنوف الثقافات الانسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى