المستشرق الألماني سيبستيان هاينه: لبنان لم يكتشف نفسه حتى الآن

الجسرة الثقافية الالكترونية

*معمر عطوي

المصدر: السفير

 

بشغف واضح يتابع الأديب الألماني المستشرق سيبستيان هاينه، مشروعه لوضع ترجمات قصائد عربية إلى الألمانية، مستوحياً أدباء ألمانيا المتميزين اهمية اقامة جسر أدبي بين الشرق والغرب. لكن هاينه المتخصص بالعلوم اللغوية والألسنية تدريساً وبحثاً، يكتفي في هذه المرحلة بنقل قصائد شبابية عربية إلى لغته الأم لينشرها بالتعاون مع قسم اللغات الشرقية في جامعة بون في وسط ألمانيا، باللغتين العربية والألمانية.

دخل هاينه الى لغة الضاد من بوابة لغات عديدة درسها وصلت إلى نحو 15 لغة يتقنها جيداً، أبرزها التركية والفارسية، مشيراً إلى شريكه اللبناني في الترجمة إلى العربية الدكتور سرجون كرم، أستاذ الأدب العربي في جامعة بون. يوافق الدكتور هاينه صديقه اللبناني بأن اللغة العربية لغة شاعرية وينبغي أن تترجم إلى لغة الجرمان، مؤكداً في حديث لـ”السفير” خلال زيارته السريعة إلى بيروت الأسبوع الماضي، أنه دخل إلى عالم ترجمة الشعر الحديث بالصدفة.

وإذ يذكّر هاينه بأنه وضع ترجمتين لديواني شعر لكل من نعيم تلحوق “شهوة القيامة”، وهنيبعل كرم “أجمع في صدفة”، وسرجون كرم “هذا أنا” وتم نشرهما في ألمانيا باللغتين، يعمل  الآن على ترجمة كتاب الدكتور شربل داغر “لا يصل الكلام إلا باليسير”.

ويحمل هاينه، الذي يدرّس لغات شرقية في جامعة بون أيضاً،  مشروع ديوان جديد تحت عنوان “وطن للتهجئة”، هو عبارة عن قصائد ونصوص كتبها شعراء ومثقفون لبنانيون عن الانتماء والوطن.

وعلى هامش لقائه مجموعة من الشعراء والشاعرات الشباب من مجموعة “شهرياد” الثقافية في أحد مقاهي الحمراء في بيروت، يوضح هاينه لـ”السفير” أن الهدف من طباعة هذا الديوان الذي اكتمل وتمت ترجمة القصائد المختارة له، حتى الآن، ولم يبق سوى الطباعة، معرفة نظرة الشاعر اللبناني إلى الوطن. يقول “جميل أن يعرف المرء مسألة الوطن والانتماء ومعرفة الوطن. فمسألة اكتشاف الهوية تهم كل شعوب العالم. لا يوجد شعب بلا هوية أو لا يكوّن فكرة عن لغته. في شوارع بيروت لاحظت أن لبنان لم يكتشف نفسه حتى الآن هو يحاول اكتشاف نفسه”.

وعن فكرة تأسيس الديوان، يوضح الأديب الألماني أن الشاعر نعيم تلحوق هو صاحب الفكرة وقد ناقشها مع الشاعر سرجون، حيث تم جمع عدد من الشعراء والأدباء الشبان الذين يشرف عليهم تلحوق، ومعظمهم من ضمن مجموعة “شهرياد”.

ويضيف أن “اختيار النصوص تمت من قبل نعيم وسرجون أيضاً. وأنا وسرجون قمنا بالترجمة”، لافتاً النظر إلى أن “المهم في هذه المجموعة التوجه إلى فكر الشبان والمثقفين في لبنان اليوم. لمعرفة ما هي حالة لبنان بعيداً عن قناة “الجزيرة” ومن غير تفجيرات وحوادث سياسية وأمنية. بمعنى ما هو الموقف الثقافي اليوم”، مؤكداً أن القارئ الألماني يستطيع أن يستفيد من هذا ويعرف ما هو الموقف والتطورات الأخيرة في لبنان. ويصف هاينه مشروع “وطن للتهجئة” بأنه “جسر بين المثقف الألماني والمهتمين بأمور شرقية في الغرب وبين المواطن اللبناني”.

ويعتبر أن النصوص المختارة تميزت بتنوع كبير، اذ تختلف من شعر الى شعر ومن شخص الى شخص، “هناك من هو متأثر بالتفكير اليساري وآخر متأثر بالتفكير القومي اليميني ومنهم من هو عدمي”.  وأبرز ما قاله أنه لم يلاحظ “ذهنية دينية بل ابرزها كانت مواقف ثلاثة تعبّر عن أفكار اليسار والقومية اليمينية والعدمية” في مشاركات الشباب في موضوع الانتماء والوطن.

ويسعى المستشرق الألماني من خلال اطلاعه على مساهمات الشباب هذه اكتشاف هوية مشتركة لكل مواطني هذه الدولة، اي لبنان، قائلاً “أنا لا أريد أن أدخل في تفاصيل. لكن في الايام الأخيرة تحدثنا عن الشعر اللبناني الحديث وسنساهم في ترجمة المزيد منه. وستتم طباعة كتاب باللغتين العربية والألمانية”.

ويحاول هاينة خلال نقاشه مع مجموعة من المثقفين اللبنانيين في مقهى الحمراء تأكيد أهمية احترام اللغة الأم، مشيداً بلغة الضاد وجمالياتها وأهمية إتقانها رغم صعوبتها. كما لفت هاينه انتباه الحاضرين إلى أهمية الانتماء والوطن وتحدث عن علاقته بالشرق وما فيه من كنوز أدبية وصور شاعرية. وكأنه يقول مع الشاعر الألماني فولفغانغ فون غوته: “وتهب الآن رياح لطيفة من الشرق.. يقودها حوريات الجنة.. تجد المتعة في النظر إليهن، بالطبع النطرة إليهن كافية”.

 

وفي ما يلي قصيدة الشاعر هنيبعل كرم التي أدرجها هاينه ضمن ديوان “وطن للتهجئة”

 

  وحلٌ… إلى الشمال البعيد

 

لي مقعدٌ في الذّاكرة…،

عمري قلقُ الغجريِّ على أرضه…،

أسماءُ أولادي… وصندوقي الخشبيّ…،

أرضي… بقايا وحلٍ حمله العابرونَ في نعالهم

إلى الشّمال البعيد…

كثيرٌ من التّوت المعلّب هناك،

كثيرٌ من الفقراء… على أشجار الآخرين

علّقوا أعيادَهم…!

على تينةِ البيت غربةٌ تستقبلُ مَن يرجعُ

في السّتين بلكنةٍ غريبةٍ…

يمسحُ عرقَ الوجوهِ عن غبار الدّيار،

يرتّبُ محتوى العليّةِ بذوقٍ يسخرُ من أطفالنا،

يستشير طبيبه النّفسيّ حول طلاء البيت،

يدٌ في جيبه… وأخرى تأبّطت بعضَ الرّماد…،

ثمَّ…

يسقط الثّلج على مقعدٍ يغنّي:

“هنا”… لا حبيبَ لي هنا… لا نبيذَ لي…

لا خواءَ يؤنسني…

لا مساءَ… لا رداءَ… لا حذاء…

هنا… لم يعد لي،

هنا لم يعد لي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى