المشاريع الثقافية والمعرفية العربية.. بين التمويل وتراجع القراءة

الجسرة الثقافية الالكترونية
صفات سلامة
قضية الثقافة والمعرفة من القضايا المصيرية في حياة وتقدم الأفراد والدول وبخاصة في المجتمعات المتقدمة حالياً، فالمعرفة أداة أساسية ومهمة لتحقيق وتسريع التنمية البشرية ونهضة وتقدم الأفراد والمجتمعات والدول.
ولكن السؤال المهم المطروح هنا هو: رغم العديد من المشاريع والبرامج الثقافية والمعرفية العربية الممولة بالمليارات، إلا أن هناك أزمة في واقع الثقافة والمعرفة العربية؟
واقع المعرفة العربي، في أزمة حقيقية، ويطرح العديد من التساؤلات الجادة في العديد من المجالات، وبخاصة في محور واقع القراءة والكتاب، وهل هناك أزمة في القراءة أم الكتاب أم الاثنين معاً؟
هناك حالياً العديد من المشاريع الثقافية والمعرفية الواعدة التي تهدف للنهوض بالمعرفة العربية، وبخاصة في مجال تأليف وترجمة الكتب، وقد صدر عنها بالفعل العديد من الكتب المتميزة المؤلفة والمترجمة، والتي رغم أهميتها، لم يلتفت إليها أحد، وقد يكون مصيرها مخازن الكتب أو أرفف المكتبات، الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة المهمة التي يجب أن يسلط عليها الأضواء، والتي من بينها: هل وصلت هذه الكتب بالفعل إلى أكبر عدد من القراء، وكم عدد قراء هذه الكتب ومن أي شرائح وفئات المجتمع، وهل تم إعداد حملات وبرامج إعلامية وإعلانية جادة ومتميزة لدعم وعرض ومناقشة هذه الكتب، وبخاصة من خلال ندوات في المكتبات العامة والمدارس والجامعات ليتعرف عليها وعلى مؤلفيها ومترجميها أكبر عدد من فئات المجتمع، مع إجراء مسابقات عامة بجوائز في هذه الكتب للتعرف على مدى وعي واستيعاب الجمهور لمحتواها، ولتساهم جميعها وتوظف في تحقيق نهضة الفرد والمجتمع.
وهل قيمة المكافأة المقدمة لمؤلفي ومترجمي هذه الكتب الجادة مناسبة لقيمة الكتاب والجهد المبذول فيه وتشجع المزيد من المؤلفين والمترجمين لمواصلة جهودهم في هذه المشاريع الثقافية التنموية؟، وكيف يمكن التسويق والترويج الجاد والفعال لمثل هذه الكتب؟
وتساؤلات أخرى حول: هل الفضائيات العربية ووسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، وبخاصة الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي أضعفت وقللت من حركة التأليف والنشر ومعدل القراءة عربياً؟ وهل توقف بعض المجلات الثقافية عن الصدور رغم أهميتها في المعرفة والثقافة العربية، هل يدخل ضمن إجراءات جديدة لإعادة هيكلتها أم لترشيد الإنفاق العام؟ وما الأسباب الحقيقية لعزوف المواطن العربي عموماً عن القراءة، وما هي موضوعات وتوجهات ومجالات القراءة التي يحتاجها وقد لا يجدها عامة فئات الجمهور العربي، وبخاصة فئات الشباب والأطفال؟
كل هذه الأسئلة الجادة وغيرها سوف تفيد الإجابة عنها في بلوغ وتحقيق الأهداف التنموية المنشودة للمشاريع الثقافية والمعرفية العربية.
وهناك أهمية في أن يواكب المشاريع الثقافية والمعرفية العربية برامج وحملات وطنية جادة لتشجيع الأطفال والكبار على القراءة واحترام قيمة الكتاب، وكذلك حملات إعلامية مكثفة في وسائل الإعلام، مصحوبة بدعم مادي ومعنوي كبير من الهيئات الحكومية والأهلية ورجال الأعمال والمستثمرين، ويمكن اختيار كتب معينة للقراءة تثير قضايا ونقاشات وحوارات تهم الفرد والمجتمع، ثم يتم مناقشتها بحضور مؤلفيها وكتاب ومؤلفين بارزين، وإقامة مسابقات جماهيرية فيها تعقد في المكتبات العامة وبحضور إعلامي كبير، وجوائز متنوعة من بينها مجموعات كتب للتحفيز على القراءة والاهتمام بالكتاب.
مع اقتراح أن يتم إطلاق “قناة فضائية عربية متخصصة في شؤون القراءة والكتاب”، تختص بمناقشة قضايا وشؤون المعرفة والقراءة والكتاب والنشر والتأليف، للنهوض بواقع المعرفة في العالم العربي، وكذلك نشر ثقافة القراءة واحترام وتقدير الكتاب ومتابعة أخبار الكتب والإصدارات والمعارض وقضايا دور النشر، وبخاصة أن كلمة “اقرأ” هي أول كلمة نزلت من القرآن الكريم.
لم تعد تربية الأفراد على حب القراءة وتقوية الصلة بالكتاب رفاهية، بل أصبحت ضرورة حضارية لبناء الأفراد والمجتمعات، يشارك فيها كافة أفراد ومؤسسات المجتمع، وأصبح هناك أهمية لتشكيل فريق علمي من الباحثين وأساتذة الجامعات لحصر ومراجعة الدراسات والبحوث التي أجريت بهدف تنمية ميول واتجاهات الأطفال والكبار نحو القراءة للتعرف على الأسباب الحقيقية للعزوف عن القراءة، واقتراح طرق علاجها مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، بهدف تنشئة أجيال محبة للقراءة، تقدر قيمة وأهمية واحترام الكتاب، الأمر الذي يعني احترام للعلم والعلماء.
لن يكون لعالمنا العربي مكانة مميزة على خريطة المعرفة العالمية، ما لم يكن هناك تعاون وترابط وتنسيق جاد ومتابعة مستمرة بين المشاريع الثقافية والمعرفية العربية الإقليمية، للوصول في النهاية لصياغة مشروع نهضوي عربي واعد وموحد، يحقق الآمال والطموحات العربية المنشودة.
المصدر: ميدل ايست اونلاين