المصري يبحث عن أشخاص تعشق لوحاته

الجسرة الثقافية الالكترونية
الشغف الضوئي عند كثير من المصورين إحساس هلامي خفي يصعب وصفه أو تحليله أو الإمساك به كالحب تماما، يظل هائما في روح المصور الفوتوغرافي بسكون حينا وجنون أحيانا؛ يبحر به إلى عوالم لم يحلم بها، ويأخذه إلى أماكن لم يكن ليذهب إليها لولا ذلك الشغف.
إنه غرام من نوع آخر له مغناطيسية عجيبة تجذب عين المصور نحو الطبيعة الخلابة وتجعلها تحدق في الوجوه وتتأمل أحوال الناس وتكتشف التجريد من بين الخطوط والأشكال وتحاور الطبيعة الصامتة فتنطقها!
ومثلما يرى العاشق الدنيا بعين معشوقته؛ يرى المصور الدنيا بعين كاميرته إلا أن الفرق بينهما أن الحب أعمى. وضيفنا في “صالون المبدعات” عشق الكاميرا لحد الهوس، إنه المصور العالمي أحمد المصري الذي حمل لوحاته إلى قصر ثقافة المنصورة، باحثا عن أشخاص تعشق لوحاته، لوحات كثيرة عرضها وتحدث عنها وكيف التقطها.
تمنح عينيك للصورة فتذهب بك بعيداً، وكأنك تريد أن تمسك بالأشياء، وكأن ثمة قصة تتشكل بين يديك من خلال مشهد بسيط، هذا ما يمنحك إياه الفنان والمصور الفوتوغرافي أحمد المصري عبر مجموعة من الصور جامعاً بين جمالية الإبداع والجودة والحرفية، يأنس بالأشياء فيصورها هكذا بكل بساطة تعينه طبيعة الموضوع ويترصد الإحساس في كل شيء فيلتقط الصورة.
يعايش الناس فيلخص صوره بمقولة يفتحون لك قلوبهم فتصوره التقط صورة المساجد القديمة وكيف عبر بالكاميرا عن دقائق الفن المعماري في روعة واندهاش، عرض صورة لصانع السجاد وهو يضفر السجادة بخيوط من حب وعرق لتخرج لوحة فنية مبهرة، عرض صورة لشجيرات في الخريف تساقطت أوراقها وتعرت في حزن وجفاف وأطلق عليها اسم “الخريف العربي”، وكيف تعرت بلداننا العربية وذاقت ويلات الدمار، سألته التصوير له مجالات واسعة أي المجالات ترى نفسك فيها ؟ فيقول: بالفعل، مجالات التصوير ضخمة لكن لا يمكنني الجزم بأي عمل سأقوم به غداً.
هنالك تشعبات فنية تعطي قيما لفن التصوير الفوتوغرافي كتصوير الطبيعة والأماكن والتفاصيل الغريبة التي تسقط يوميا عليها أعيننا دون تمعن، وهنالك أخرى تضيف قيما للمناسبات واللحظات الخاصة وبفروع أعمق كالتوثيق بشتى أشكاله ومجالات العمل الحرفية كالتلفاز الرسمي والقنوات والمواقع والمجلات ذات المجال في عصرنا هذا.
وأتوغل في الأسئلة: أيمكننا القول بأن كل من يحمل آلة تصوير فهو مصور فوتوغرافي؟ فيجيب: سؤال جميل وذكي للغاية، بالطبع لا ليس كل من حمل آلة تصوير فهو مصور، والدليل سهولة التصوير بكاميرات الموبايل وغيرها من الوسائل، يمكن لأي شخص أن يبتاع كاميرا احترافية باهظة الثمن ولكنه من غير المعقول أن يصبح مصوراً فوتوغرافيا، فتلك الآلة تحتاج للكثير من الخبرات والدراسات لاستعمالها، كضبط مثلث التعريض اليدوي والمنظور والزوايا المختلفة من موضوع إلى آخر مع انتقاء الإضاءة والوقت في الزمان والمكان الواحد، فتلك الآلة بيد المصور الاحترافي قادرة بإعدادات ممنهجة بجعل صورة ما تختلف جذرياً.
وأضاف: لتبسيط الفكرة أكثر سأعطيك مثالاً عن صورة لمنظر طبيعي وسماء بوقت الظهيرة، فكما تراها عينك ليس بالضرورة كما ستراها على منظارك في الكاميرا، فتغير إعدادات ما قد تعطيك بأن وقت الصورة فجراً وبإعدادات أخرى تصبح صورة شفقا وغروبا دافئا.
استطاعت الندوة أن تسلط الضوء على مزاجية الفنان ودور المرأة في جمال تلك الصورة، وعن الدور الذي لعبته المرأة في حياة الفنانين. يقول المصري مؤكدا على أهمية هذا الدور مستشهدا بالفنان بيكاسو والمرأة في حياته وهي المصوّرة الفوتوغرافية دورا مار التي تعرفت إلى بيكاسو في شتاء 1935، وكانت برفقة الفنّان اليوار. وعندما بدأ يتحدّث اليها بيكاسو، أجابته بالاسبانية. هكذا بدأت قصّة عشق ترعرعت دورا التي كانت من أصل يوغوسلافي – فرنسي، في الأرجنتين وجسّدت هذه المرحلة المأسوية من حياتها في صورها. وبعيداً من كونها عشيقة حيادية، أخذت بيد بيكاسو الى عوالم جديدة. وإضافة إلى العشق الذي جمعهما، كانت تجلس معه لساعات يتحاوران ويتناقشان وتشهد على ذلك لوحات بيكاسو وصور دورا مار الفوتوغرافية. وشجّعت بيكاسو على التصوير ونفّذا معاً «فوتوغرافور».
وكانت دورا أنيقة جداً، تهوى اعتمار القبعات التي كانت تتحوّل بريشة بيكاسو الى أشكال عدة تترواح بين الفكاهة والباروديا. الا أنّها بقيت أبداً في عيني بيكاسو «المرأة التي تبكي» التي رسمها في عام 1937.
وكان بيكاسو يرى دوماً فيها المرأة التي تبكي. وقال في احدى المرّات: «لسنوات رسمتها بأشكال مشوّهة، لكن ليس من باب السادية أو المتعة. لم أكن أستطيع إلا تجسيد الصورة التي حفرت في مخيلتي، وكان هذا الحزن الحقيقة الكامنة في أعماق دورا.
استكمل المصور أحمد المصري عرض لوحاته الفوتوغرافية بين استمتاع جميع الحاضرين. افتتح المعرض الدكتور رضا الشيني رئيس إقليم شرق الدلتا الثقافي، ومحمد نصر سليم مدير عام ثقافة الدقهلية، والكاتبة حنان فتحي نائبة صالون المبدعات والشاعر محيي محسن.
المصدر: ميدل ايست اون لاين