المعتصم خلف: الرواية السورية على سبيل الكتابة “نظرة نحو زوايا الرواية السورية”

 

الجسرة الثقافية الإلكترونية 

المصدر:رأي اليوم

لكل تراجيديا أدبية آلية حرة للتعبير عن نفسها ولتطوير ذاتها, لا تدخل بها حالة الكاتب أو مستقبل الشكل العام للنص بل كل ما يدخل بها هو طريقة تقبل الحاضر وتغييره ,بمعنى أن التغييرات الإجتماعية والتغييرات الوطنية والتجربة الذاتية للمجتمع هي الوسيلة الأقوى لتحديد مستوى تطور الرواية العربية ككل والسورية بشكل خاص ولأننا تعلمنا من الأدب أن الألمأو الفقدان أو الحرمان أو الضياع وحتى الموت هو دافع لنثر الكلمات فوق الورق وأن لولا هذا الألم وهذا الحرمان لما ولدت حالات أدبية إبداعية حقيقة والأمثلة كثيرة والقضايا التي تجسدت فوق الورق أكثر ولكن الوقوف يحتاج إلى أرض صلبة لا يمكن أن ينحني فوقها صاحبها أرض يستطيع من خلالها الكاتب أن يشكل قوة أدبية حقيقة وطريقة تغيير فعالة على جميع الأصعدة اللغوية .

وإذا نظرنا إلى تاريخ الرواية السورية نرى الكثير من الروايات والكُتاب الذين استطاعوا أن يجسدوا حالات استطاع القارئ على اختلاف القوميات واللغات أن يفهم المعنى الحقيقي للسرد السوري والحبكة السورية وحتى الشخصية السورية لذلك البصمة السورية في الأدب العربي موجودة وبقوة من خلال أسماء وعناوين كثيرة منها حنا مينه وحيدر حيدر وغادة السمان وكل رواي سوري تفرد بطريقتة وبأسلوبة ولكن اليوم , اليوم بعد هذه الحرب وهذا الواقع ماذا يمكن أن نقول وكيف يمكن أن يكون واقع الرواية السورية ؟؟

سؤال يعلن الحماسة في منطلق اللغويات وسؤال يهيج حمى الأقلام للإستيقاظ من وطئة السبات , لأن اليوم وعلى صعيد واقع دمشق فقط نستطيع أن نكتب رواية سورية قادرة على نقل الواقع على الأرض , وهنا نكون مع مسير مشابه لخطى الرواية الفلسطينية بعد النكبة مثل عائد إلى حيفا أو رجال تحت الشمس مع غسان كنفاني حيث كانت الروايات تركز على حالة الجغرافية القوية والحالة الإنسانية الصعبة التي أنتجتها الحرب وأبعادها , وفي هذه الحالة تكون المقاربة ضعيفة قليلاً لأن المفارقات تختلف بين النكبة وبين الأزمة من المنتلق السياسي والحربي وحتى اللغوي , فالأزمة السورية اليوم لها بعدها الخاص الذي يختلف عن النكبة التي كانت واقعتها ثابتة وواضحة أما اليوم فسوريا في ضبابية مختلفة , ولذلك يطرح سؤال ما شكل الراوية السورية الذي ستكتب بعد الآن ؟؟ , خاصة وأن الأرهاب وأن تجسد في روايات شمال إفريقيا فإلى اليوم لم يتجسد في منطقة بلاد الشام بشكل روائي , فيمكن بذلك أن نعتمد هذه الفكرة كجواب جزئي للسؤال , كأن يكونسرد الرواية القادمة عن مفهوم الأرهاب و نتائجة ومفاهيمة التكفرية وأسبابة الإجتماعية وطريقة اختراقه للمجتمع السوري , وقد يكون فحوى الرواية عن صمود الشعب السوري بمعنى أنها رواية من الداخل وتكون تجربة مكررة عن الإعلام السوري قبل أن تسطر على الورق لأنها ستكون تكرار لتجربة إعلانات الأعلام الوطني السوري وبوقتها ستحقق الرواية النجاح على الصعيد الداخلي وفي بعض الخارج طبعاً عدا الدول التي دعمت الأرهاب , لأنها ستكون منافية لأسلوبها ومعتقداتها , ولأن المدينة الكاملة بصفاتها لا توجد ولن توجد قد تأخذ الرواية طريق النقد البناء أيضاً من الداخل السوري وأغلب الظن أن يوافق على هذا النوع من الروايات إذا كان على طريق النقد الصحيح للأزمة فالشارعالسوري وحتى القيادة السورية بحاجة إلى لون من ألوان النقد لأن الحياة السياسية قد ضمت لون سياسي كالمعارضة الوطنية وقد يتسع صدرها لرواية تحمل وجه نقد داخلي بناء يعبر عن ديمقراطية القلم وحقوقه يمكن أن نقول بأن هذا سيناريو القلم الداخلي .

في كل حرب يوجد داخل وخارج , كأن الداخل هو هاوية الموت والخارج هو صورة النجاة , وفي الأزمة السورية أيضاً يوجد داخل وخارج , وللرواية أيضاً سيوجد داخل وخارج وكما قرأنا سيناريو روايات الداخل فهناك ناجيين من البحر وهناك من بقيوا فيه ولم يخرجوا حتى الآن , ويوجد أيضاً من اندمجوا في المجتمعات الغربية ومنهم من مازال يحاول الإندماج برقع قماش الخيام ومنهم من يحاول أن يعقد صداقة قوية مع الشتاء لكي يسمح له بالبقاء على قيد الحياة في خضم البرد بعد انتصاف الثلج , فلذلك نرى أن روايات الخارج ستكون نقلاً لمعانات الخروج ولمعانات التأقلم مع المجتمعات والمتغيرات التي واجهت الأسرة السورية التي خرجت من سوريا مع اختلاف الرفاهية بين البيوت والخيام, لذلك الروايات السورية القادمة مع اختلاف الداخل والخارج ستكون من الداخل تصنع شيء من الرفاهية وتحاول أن تعطي صورة التقبل والسرد المطابق للواقع المعاش أما الخارج فستكون تصويراً لمعانات الخروج وصعوبة الوصول وطريقة تقبل المجتمعات الأخرى للوجه السوري.

مع أختلاف الأفكار والتوقعات لشكل أو تراجيديا الرواية السورية فيمكن أن نقول بأن الرواية في سوريا وفي مخطط زومني مقدر بعشر سنوات ستعيش حالة انتعاش ملحوظة ونهضة قوية مع اختلاف موقع الأقلام التي ستكتب أو جغرافيا الورق الذي سيشهد أو الكلمات , فالفكرة سورية والركام سوري والغبار الذي طار من الجدران أيضاً سوري لذلك المعاناة واحدة على أختلاف الصف واللون والمنطلق , والأرهاب واحد لا قناع له واضحاً وجلي أمام الجميع , لذلك لا مستقبل في سوريا لرواية ستدعم الأرهاب أو ستكون معه لأن من دخلوا من خارج الحدود نحو الثقافة السورية لن يحققوا نجاح ثقافي أبداً , ولذلك لا يمكن الآن إلا أن ننتظر حاله الثورة الأدبية التي ستشهدها الأقلام السورية من الداخل والخارج وعلى اختلاف المنطلق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى